القصدير هو أحد العناصر الأكثر شهرة لاستخدامه في علب الصفيح – والتي، حاليًا، تكاد تكون في أغلب الأحيان مصنوعة من الألمنيوم.

حتى علب الصفيح الأصلية، التي أُدخِلت لأول مرة في القرن التاسع عشر، كانت معظمها من الصلب المطلي بالقصدير.

لذلك قد يكون القصدير متواضعًا في استخداماته، لكنه ليس قليل الأهمية.

يُستخدم هذا المعدن لمنع التآكل وإنتاج الزجاج.

غالبًا ما يُعثَر عليه مختلطًا بمعادن أخرى.

البيوتر، على سبيل المثال، في الغالب مصنوعة من القصدير.

مصادر القصدير

القصدير نادر نسبيًا، إذ يمثّل فقط جزءان في المليون من القشرة الأرضية، وذلك وفقًا للوكالة الأمريكية للمسح الجيولوجي.

يُستخرَج القصدير من خامات مختلفة، بشكل أساسي من حجر القصدير (SnO2) الذي يُنتَج جراء اختزال الخام المؤكسد عن طريق تسخينه بالفحم في الفرن.

عُثِر على القليل جدًّا من القصدير في الولايات المتحدة، ومعظمه في ألاسكا وكاليفورنيا.

ووفقًا لمختبر لوس ألاموس الوطني، يُنتَج المعدن بشكل رئيسي في مالايا وبوليفيا وإندونيسيا وزائير وتايلاند ونيجيريا.

استخدامات القصدير

ربما كان أهم استخدام للقصدير، تاريخيًا، هو تصنيع البرونز – وهو عبارة عن سبيكة من النحاس والقصدير أو المعادن الأخرى – الذي غَيّر الحضارة من خلال الدخول في العصر البرونزي.

بدأ الناس بصنع أو تداول الأدوات البرونزية والأسلحة في عصور مختلفة، اعتمادًا على الجغرافيا، ولكن المتَّفَق عليه عمومًا أن العصر البرونزي قد بدأ منذ نحو عام 3300 قبل الميلاد، في الشرق الأدنى.

حقائق عن القصدير

وفقًا لمختبر جيفرسون (Jefferson National Linear Accelerator Laboratory)، فإن خصائص القصدير هي:

  • العدد الذري (عدد البروتونات في النواة): 50
  • الرمز الذري (على الجدول الدوري للعناصر): Sn
  • الوزن الذري (متوسط كتلة الذرة): 118.710
  • الكثافة: 7.287 جرام لكل سنتيمتر مكعب
  • حالة العنصر في درجة حرارة الغرفة: صلب
  • درجة الانصهار: 449.47 درجة فهرنهايت (231.93 درجة مئوية)
  • درجة الغليان: 4,715 فهرنهايت (2,602 درجة مئوية)
  • عدد النظائر (ذرات نفس العنصر مع عدد مختلف من النيوترونات): 51 نظير، منهم 8 نظائر مستقرة
  • النظائر الأكثر شيوعًا: Sn-112 ، Sn-114، Sn-115، Sn-116، Sn-117، Sn-118، Sn-119،Sn-120 ، Sn-122، Sn-124.

معدن قديم

يعود استخدام القصدير في صناعة البرونز إلى ما يقرب من 5000 سنة.

كما ظهر في بعض الأحيان في السجلّات الأثرية بمفرده.

على سبيل المثال، اكتشف الباحثون الذين قاموا بالتنقيب في المعبد اليهودي في القدس في عام 2011 قطعةً من القصدير بحجم زرّ مختوم عليه بالكلمات الآرامية “نقيُّه من أجل الله” قد يكون هذا الختم قد استُخدم في تحديد الأشياء النقيّة المخصّصة للاحتفال بالطقوس.

وبعيدًا عن البرونز، ربما كانت أكبر مساهمة للقصدير في البشرية هي علبة الصفيح المتواضعة.

قد يرجع أصلها إلى محاولة حل المشكلة الدائمة الخاصة بكيفية إطعام جيش متحرّك.

ووفقًا لمعهد مُصنّعي علب الصفيح (نعم، حتى علب الصفيح لديها منظمة تجارية).

قدّم نابليون بونابرت مكافأة في عام 1795 إلى أي شخص يمكنه التوصّل إلى طريقة لحفظ الطعام للاستخدام العسكري.

في عام 1810، فاز الشيف الفرنسي نيكولاس آبير بجائزة 12000 فرنك بفضل اختراع التعليب – عملية حفظ الطعام أو الشراب وتعليبه في وعاء أو عبوة باستخدام الماء المغلي.

مهّد هذا الاكتشاف الطريق لاختراع علب القصدير بعد مرور عام واحد فقط.

في عام 1810، حصل التاجر البريطاني بيتر دوراند على براءة اختراع لاستخدام الفولاذ المصقول لحفظ الطعام.

يقاوم القصدير التآكل، ما يجعله غطاءً مثاليًا للصلب الرخيص نسبيًا.

وصلت عبوة القصدير إلى الشواطئ الأمريكية في عام 1818، كما حصلت شركة Thomas Kensett & Co، وهي شركة صناعية، على براءة اختراع علبة القصدير في أمريكا عام 1825.

وقد دفعت الحرب الأهلية إلى زيادة شعبية علب الصفيح، إذ بحث الجنرالات مرة أخرى عن طريقة لإطعام جنودهم.

انتهت ذروة استخدام القصدير في منتصف القرن العشرين، عندما قدّم كورز بريوري “Coors Brewery” أول علبة ألمنيوم.

كان الألمنيوم أرخص وأخفّ وزنًا وقابلًا لإعادة التدوير.

وهكذا حلّ الألمنيوم سريعًا محلّ القصدير والصلب.

لكن لا يزال للقصدير استخداماته.

يعطي القصدير بإضافته إلى عنصر النيوبيوم معدنًا فائق التوصيل يستخدم في الأسلاك.

تُستخدم سبائك القصدير/ الرصاص لصنع الِلحَام.

يُخلَط النحاس والمعادن الأخرى مع القصدير لصنع معدن البيوتر، الذي كان في يوم من الأيام معدنًا شائعًا في صنع أدوات المائدة.

ويحصل زجاج النافذة على سطحه الأملس الناعم بفضل قالب من القصدير المنصهر، بطريقة تسمّى عملية بيلكنجتون (Pilkington process).

هل تعلم؟

تلك التماثيل الذهبية الشهيرة لجائزة الأوسكار ليست من الذهب الخالص.

إنها في الواقع مصنوعة من معدن بريطانيا ومطلية بالذهب فقط.

يُصنع معدن بريطانيا من 92٪ من القصدير (الباقي من النحاس والأنتيمون).

أليس من المفترض أن يكون الرمز الذري للقصدير Tn اختصارًا لكلمة القصدير بالإنجليزية (Tin) بدلًا من Sn؟ في الواقع، يرجع ذلك الرمز للكلمة اللاتينية للقصدير، وهي (stannum).

عندما تقوم بطيّ القصدير في درجة حرارة الغرفة، فإنه يصدر صوتًا عاليًا يعرف باسم “صرخة القصدير” بسبب تشوّه بلورات القصدير.

في درجة حرارة أقل من 13 درجة مئوية، يتحوّل القصدير إلى شكل يسمّى “قصدير-ألفا” هذا القصدير الرمادي مصدر تباين، إذ يُعدّ شكلًا مختلفًا للعنصر.

قصدير-ألفا هو أحد أشباه الموصلات، ولكن يصعب صنعه، وفقًا للكيميائي أندريا سيلا من جامعة كوليدج لندن.

البحوث الحالية

في الآونة الأخيرة، تحمّس الباحثون في مجال التكنولوجيا للجرافين، وهي طبقة لذرة واحدة من الكربون، والتي تُعدُّ أكثر صلابة من الماس وليّنة مثل المطاط.

من المحتمل تمامًا أن يأتي التقدم عالي التقنية التالي (مثل الجرافين) من القصدير المتواضع.

اخترع الباحثون من جامعة ستانفورد الأمريكية ومختبر (SLAC National Accelerator Laboratory) التابع لوزارة الطاقة طبقة سميكة من ذرة واحدة أطلقوا عليها اسم ستانين “stanene”.

تُعدّ مادة “ستانين” مميزة جدًا لأنها أول مادة قادرة على توصيل الكهرباء بنسبة 100٪ في درجة حرارة الغرفة.

كما يحافظ إضافة عدد قليل من ذرات الفلور على هذه الفعالية حتى تصل إلى درجات الحرارة التي تعمل فيها رقائق الكمبيوتر – تقريبًا 212 فهرنهايت (100 درجة مئوية).

وقال الباحث في الدراسة، يونغ شو، وهو عالم فيزياء بجامعة تسينغهوا في بكين، للايف ساينس: «وفقًا لقانون مور، تضاعف عدد الترانزستورات في دائرة متكاملة كثيفة كل عامين تقريبًا.

ونتيجة لذلك، تزداد كثافة الطاقة للدوائر المتكاملة بشكل كبير، ما يؤدي إلى مشاكل خطيرة في استهلاك الطاقة وتبديد الحرارة».

عرف شو وفريقه، بالإضافة إلى الفيزيائي شوشينج زانج في ستانفورد، أنهم بحاجة إلى عنصر ثقيل ذي خصائص تسمّى بـ “العازل الطوبولوجي”.

العازل الطوبولوجي هو مادة تقوم بتوصيل الكهرباء على سطحها، ولكنها لا تقوم بتوصيل الكهرباء في داخلها.

وقال شو: «صُنعت عوازل طوبولوجية عديدة من عناصر ثقيلة تشمل الزئبق والبزموت والأنتيمون والتيلوريوم والسيلينيوم، لكن لم يكن أي منها موصلًا مثاليًا للكهرباء عند درجة حرارة الغرفة».

لم يُدرَس القصدير لهذا الغرض قط.

ولكن وجد شو وزملاؤه أنه عندما تُرتَّب ذرات القصدير في طبقة واحدة بشكل شبيه بخلايا النحل، تتغيّر خصائص العناصر.

يصبح هذا الجهاز موصلًا مثاليًا للكهرباء في درجة حرارة الغرفة، مع عدم فقدان أي إلكترون طائش واحد، حسب ما أفاد الباحثون في نوفمبر 2014.

ومن ثم، فإن الإلكترونيات المصنوعة من مادة “ستانين” ينبغي أن تنتج حرارة أقل وتجتذب طاقة أقل من نظيراتها السليكونية.

قام شو ورفاقه بصنع القصدير ذي الطبقة المفردة في عملية تسمّى الشارة الجزيئية، والتي تكثّف النسخ الغازية للعنصر في طبقة رقيقة داخل الفراغ.

وقال شو إنها عملية تنطوي على تحديات، إذ تتطلّب درجات حرارة دقيقة وسرعة نمو للطبقة لضمان أن البنية الذرية صحيحة تمامًا.

يأمل الفريق في تطوير طرق أرخص وأسهل لصنع مادة “ستانين” في المستقبل.

يقول شو: «إن الخطوة التالية هي زراعة عينات من مادة “ستانين” عالية الجودة على نطاق واسع ثم استخدام المادة في الأبحاث الأساسية والتطبيقات العملية».


  • ترجمة: علي أبو الروس
  • تدقيق: رزان حميدة
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر