سيكون اسم جراح الأعصاب الإيطالي (سيرجيو كانافيرو) مألوفاً بالنسبة لأغلب القراء، حيث ظهر في العناوين الرئيسية للعديد من الصحف والمواقع الإخبارية على مستوى العالم في العامين الماضيين حيث قال أنه سيقوم بإجراء أول عملية زرع رأس بشرية في جسم شخص آخر.

وبالرغم من تعرضه للعديد من العقبات الأخلاقية والعلمية فإنه لا يزال عازماً على إجراء هذه العملية بعدما قام بنشر دراسة مفصلة توضح كيفية قيامه بزرع رأس فأر على جسم فأر آخر بنجاح بالتعاون مع الجراح ( شياو بينغ رن)، ثم قام مع فريقه المتعاون بتكرار هذه العملية على العديد من الحيوانات الأخرى وهو ما أدى إلى خلق مجموعة من الحيوانات ذات الرأسين.

((رابط الدراسة في المصادر))

كان (كانافيرو) قد قام السنة الماضية بإجراء ما أسماه (إثباتاً للمفهوم) حيث قام بقطع الحبل الشوكي لكلب ثم توصيله مرة أخرى، وهو ما يعد أكبر العقبات التي تواجه إجراء هذه العملية على البشر.

معظم الحيوانات الموجودة في أبحاث كانافيرو عاشت لعدة أيام فقط، الجرذان ذات الرأسين -على سبيل المثال- ظلّت حية لمدة متوسطها 36 ساعة، بينما لم تصدر أي بيانات عن حالة الكلب.

ولكن يقول كانافيرو :

«إن الإبقاء على الحيوانات حية لم يكن الهدف الرئيسي، بل أن تصبح هذه التجارب أدلة لإمكانية القيام بمثلها بالكامل على البشر في المستقبل».

هذه الفكرة كانت قد قدمت من قبل بالفعل من العديد من العلماء تحت أهداف نبيلة في الأغلب مثل :

إنقاذ حياة الناس ذوي الأمراض القاتلة مثل ضمور العضلات الشوكي (spinal muscular atrophy).

لكن يقول الخبراء أن هناك العديد من الأسباب للشك في نجاح مثل هذه العملية، حيث قال (جيري سيلفر) عالم الأعصاب بجامعة كيس ويسترن ريزيرف متحدثاً عن عملية الكلب :

«هذه الدراسات لا تثبت إمكانية إجراء العملية على البشر».

وها هي العوائق الخمس الرئيسية التي تواجه عملية زرع الرأس :

1- لا يمكن للروؤس البقاء على قيد الحياة من تلقاء نفسها:

في أي عملية لزراعة عضو، يجب إبقاء العضو الممنوح على قيد الحياة حتى إتمام زرعه في جسم المستقبِل.

بمجرد إزالة العضو من الجسم يبدأ في الموت تدريجياً، لذا يلجأ الأطباء إلى تبريده لتقليل كمية الطاقة التي تحتاجها الخلايا للبقاء حية.

باستخدام محلول ملحي بارد يمكن الحفاظ على الكلى حية لمدة 48 ساعة،  الكبد لمدة 24 ساعة، والقلب 5-10 ساعات.

ولكن الرأس ليس عضواً عادياً بل إنه يحتوى على أكثر التركيبات تعقيداً في الجسم، وقد أظهر قرن من التجارب على الحيوانات أنه بمجرد قطع الرأس ينخفض ضغط الدم فيه بشكل كبير وهو ما يؤدي إلى حرمان المخ من الدم الطازج والأكسجين مما يدخله في غيبوبة تنتهي بالوفاة.

يدعي كانافارو وفريقه أنهم تمكنوا من التغلب على هذه المشكلة في أحدث تجربة لهم على الفئران عن طريق الإبقاء على تدفق دم ثابت بين الفأر الذي تبرع بالرأس، والفأر المُستقبل للرأس، وفأر ثالث.

2- إمكانية تعرض الرأس المزروعة للرفض من الجهاز المناعي:

واحدة من المشاكل الرئيسية التي تواجه أي عملية نقل عضو هي رد فعل جسم المُستقبل.

حيث يكتشف الجهاز المناعي له أجسام على سطح خلايا العضو المزروع تسمى المستضدات (Antigens)، هذه المستضدات لا توافق مثيلتها الموجودة على باقي خلايا جسم المُستقبل، مما يؤدي إلى هجوم شرس من خلايا الجهاز المناعي على الجسم المزروع، لذلك يأخذ كافة مرضى عمليات زرع الأعضاء تقريباً أدوية قامعة للجهاز المناعي (Immune-suppressing drugs).

وبما أن الرأس أكثر تعقيداً من باقي الأعضاء، فإن خطر الرفض سيكون أكبر بكثير.

3- لا يجب أن تستغرق العملية أكثر من ساعة واحدة:

في تجربة نادرة في سبعينيات القرن الماضي قام جراح الأعصاب (روبرت وايت) بزرع رأس قرد على جسم قرد آخر.

وقام بالحفاظ على جسم القرد حياً عن طريق الإبقاء عليه مبرداً تحت درجة حرارة مقدارها 15 درجة مئوية.

استمر القرد حياً مع الرأس المزروع لمدة 8 أيام بعد الجراحة حتى قام الجهاز المناعي برفض الرأس.

وفقاً لتجربة وايت ودراسات كانافيرو فإن الجراحة بأكملها يجب أن لا تستغرق أكثر من ساعة واحدة.

يشدد كانافيرو على أنه يجب إزالة كلتا الرأسين في الوقت نفسه، ويجب على الجراحين سرعة توصيل الرأس المراد إبقائها حية بالجهاز الدوري للجسم المتبرع به ذلك أن كلا الجسمين سيكونان في حالة توقف قلبي كاملة (Total cardiac arrest).

4- شدة صعوبة إعادة توصيل الحبل الشوكي:

لكي يكون الرأس قادراً على التواصل مع الجسم الجديد والسيطرة عليه تماماً يجب أن يتم توصيل الحبل الشوكي مع الدماغ بدقة كبيرة.

وهو ما لم يحدث في عملية وايت مع القرد، حيث كانت الرأس المزروعة قادرة على الرؤية وتحريك العينين وتناول الطعام، لكن كان الجسم بأكمله مشلولاً من أسفل الرقبة.

وهو ما يبدو أنه تم التغلب عليه في تجربة الكلب، ولكن الخبراء يقولون أنهم بحاجة إلى أدلة ملموسة أكثر من إدعاءات كانافيرو.

قال جيري سيلفر :

(يدعي فريق كانافيرو أنهم قاموا بقطع 90% من الحبل الشوكي ثم إعادة توصيلة، ولكن ليس هناك دليل على ذلك في الورقة بل فقط بعض الصور المرفقة).

كان رد كانافيرو على ذلك في خطاب له على منصة TED  (مرفق الرابط في المصادر) هو أنه سيستخدم غراءً بيولوجياً خاصاً يدعى «بولي ايثيلين جليكول» –وهو نوع من البلاستيكات- حيث سيكون المفتاح لنجاح هذه العملية.

اُستخدمت هذه المادة من قبل الجراحين التجريبيين في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي للحم حبال شوكية للكلاب.

ولكن تلك التجارب كانت عادة لتوصيل رأس غريبة على جسم كامل (أي أن الجسم سيحمل رأسين وليس تبديل رأس بأخرى).

كما أن خطته تتضمن وضع المريض في غيبوبة لمدة شهر ليسمح بإتمام التوصيل في الحبل الشوكي وإلا فإن السباجيتي (كما سماها) التي تشكل الحبل الشوكي قد تلتوي أو تنعقد.

لكن (هوس غولدسميث)، أستاذ جراحة المخ والأعصاب بجامعة كاليفورنيا في ديفيس يقول :

«إن هذه الغيبوبة الطويلة ستمثل مشكلة أيضاً، حيث إن الغيبوبات المستحثة طبياً غالباً ما تؤدي إلى الإصابة بالعدوى وجلطات الدم بالإضافة إلى إنخفاض نشاط المخ»

5- يجب أن تتم العملية بالكامل على الحيوانات أولاً قبل تطبيقها على البشر:

يجب حل جميع المشاكل التي ظهرت في التجارب على الحيوانات قبل القيام بالعملية على البشر، وحتى بعد إتمام ذلك فإن الحصول على الموافقة بإجراءها سيُواجه بالعديد من العقبات -في الولايات المتحدة الأمريكية على الأقل- لأنها تُعتبر إجراءً شديد القسوة.

لذلك فإن كانافيرو وفريقه يبدؤون بالبحث عن بلد أخرى يمكن الحصول على موافقة إجراء العملية فيها بسهولة أكبر.


ترجمة : أحمد حسين إبراهيم

تدقيق: أسمى شعبان

تحرير: ناجية الأحمد
المصدر
رابط الدراسة
رابط الخطاب