لماذا لا تضيء السماء ليلًا على الأقل بنفس قدر إضاءة سطح الشمس؟

إذا كان في الكون عدد لا نهائي من النجوم، فمن المفترض أن تكون الحال كذلك.

فحتى إذا حركت الشمس لمسافة ضعف بعدها الحالي عنا، فسوف نتلقى ربع عدد الفوتونات التي نتلقاها الآن، لكن البعد الزاوي للشمس بالنسبة للسماء سيكون ربع ماكان عليه، لذا فإن شدة الإضاءة الحقيقية ستظل ثابتة.

تبعًا لذلك، فإنه مع وجود عدد لا نهائي من النجوم، فإن كل عنصر من الخلفية السماوية يجب أن يحوي نجمًا، وستكون السماء ساطعة على الأقل بقدر نجم متوسط كالشمس.

(السبب في أننا نستخدم عبارة “على الأقل” هو أن النجوم من كون بهذا السطوع ستبدأ في امتصاص الحرارة من جيرانها، وحقيقة ما يحدث حين يسخن النجم هو أمر تقني تعالجه نظريات الديناميكا الحرارية والنظريات الذرية، فكما أنه ليس لنا أن نتوقع أن تبرد هذه النجوم، فنحن من ناحية أخرى لا نتوقع أن تسخن إلى الأبد.

نشأت مفارقة أولبرس قبل أن يأتي الفيزيائيون بنظرياتهم عن كيفية سطوع النجوم، لذا فلم تكن المفارقة معنية بعمر النجوم ولا بتأثير تبادل الطاقة على شدة سطوعها).

حقيقة أن سماء الليل ليست مضيئة كالشمس تدعى مفارقة أولبرس (Olbers’ paradox).

يمكن تتبع تاريخ هذه المفارقة إلى كبلر في 1610، كما أعيد طرحها للنقاش بوساطة هالي (Halley) وشوزو (Cheseaux) في القرن الثامن عشر.

لكنها لم تشتهر كمفارقة قبل أن يتصدى لها أولبرس في القرن التاسع عشر.

هناك العديد من التفسيرات المحتملة التي طرحت للمفارقة، في السطور التالية بعض منها:

هناك كمية ضخمة من الغبار أكبر من أن تتيح رؤية النجوم البعيدة.

الكون لا يحوي سوى عدد محدد من النجوم.

توزيع النجوم ليس منتظمًا، لذا فمن الممكن مثلًا أن يكون هناك عدد لا نهائي من النجوم، لكنها تختبئ خلف بعضها البعض، فلا يطالعنا منها سوى بعد زاوي محدود.

الكون يتمدد، فتذوي النجوم البعيدة في الإزاحة الحمراء (red-shift) حتى تختفي.

الكون لا يزال في مقتبل عمره، فلم يصلنا الضوء البعيد بعد.

التفسير الأول خطأ بالكامل.

لأنه في جسم معتم، سوف يتوهج الغبار أيضًا، ورغم أنه من الوارد فعلًا أن يقوم الغبار بمنع الإشعاع، خافضًا ضوء النجوم البعيدة بشكل حادّ في تناسب أسي مع المسافة، لكنك لا يمكن أن تجد غبارًا كافيًا في الكون لحجب كل إضاءة النجوم دون أن تحجب الشمس كذلك، لذا، فالفكرة مستبعدة.

الأساس الذي بني عليه التفسير الثاني قد يكون صحيحًا من الناحية التقنية، لكن عدد النجوم، حتى لو كان محدودًا، يظل كبيرًا بما يكفي لإضاءة مساحة السماء بالكامل، بمعنى أن مجموع المادة المتوهجة في الكون أكبر بكثير من السماح للضوء بالتسرب، فعدد النجوم قريب بما يكفي من اللانهاية اللازمة لإضاءة السماء.

التفسير الثالث قد يكون صحيحًا جزئيًا، لكننا غير متأكدين بما يكفي.

إذا كان التوزيع النجوم في الكون متقطعًا، فمن الممكن أن تكون هناك رقع ضخمة من الفضاء الخالي، فتظهر السماء مظلمة فيما عدا بعض المساحات الصغيرة.

لكن التفسيرين الأخيرين من المؤكد أن كليهما صحيح، وكليهما مسؤول بشكل ما، إلى جانب أن هناك حجة حسابية ترجح أن العمر المحدود للكون هو العامل الأكبر.

فنحن نعيش في غلالة كروية تشكل الكون المرئي، يساوي نصف قطرها عمر الكون، والأجسام التي يزيد عمرها عن 13.7 مليار عام (في أحدث التقديرات) أبعد مما يسمح لضوئها بالوصول إلينا.

تاريخيًا، ما بين اكتشاف هابل أن الكون يتمدد، وقبل أن تتأكد نظرية الانفجار الكبير عن طريق اكتشاف إشعاع الخلفية الكونية، قدمت مفارقة أولبرس كإثبات للنسبية الخاصة.

فالمرء يحتاج إلى الإزاحة الحمراء للتخلص من ضوء النجوم، هذا العامل مؤثر قطعًا، لكن العمر المحدود للكون هو التأثير الأهم.


  • ترجمة: إبراهيم صيام
  • تدقيق: دانه أبو فرحة
  • تحرير: كنان مرعي
  • المصدر