تتطور الطاقة النووية مع وضع خطط لإنشاء محطة طاقة عائمة بالكامل يعتمد تشغيلها على ملح الطعام وهو أمر غير متوقع في مجال المفاعلات النووية. وبحلول منتصف العام 2030 قد تغدو مجموعة محطات الطاقة النووية العائمة الأصغر حجمًا التي تعتمد في تشغليها على مفاعلات الملح المنصهر أكبر محطة طاقة عائمة في الولايات المتحدة.

تبنّت شركة الابتكار النووي كور باور في المملكة المتحدة ابتكار تصميم المحطة النووية وسيشرف برنامج ليبرتي التابع لها على عملية بنائها، في حين سيتولى حوض بناء السفن المركزي إدارة عملية البناء لمواكبة مهام الصيانة وتزويد الوقود.

إضافة إلى ذلك، يمكن وضع بعض محطات الطاقة النووية العائمة ضمن مجموعة المحطات بالقرب من الساحل، في حين ستوضع المحطات الأخرى في أماكن أبعد في المحيط، لكن لم يُعلن بعد عن موقع محدد لمحطة الطاقة النووية العائمة.

تعتمد هذه المفاعلات في عملية تشغيلها على الملح ومسحوق أكسيد اليورانيوم المنصهرَين معًا عوضًا عن استخدام الوقود التقليدي المستخدم في تشغيل المفاعلات النووية، وعوضًا عن الماء المستخدم في المولدات التقليدية، سيعمل الملح مبردًا ما يقلل من خطر التبخر بصورة كبيرة.

من المتوقع أن تولد مجموعة محطات الطاقة النووية العائمة التابعة لبرنامج ليبرتي ذات الإنتاج الكبير نحو 175 جيجاواط ساعي من الكهرباء النظيفة سنويًا، وهذا تحول هائل عن الوقود الأحفوري لتسببه بارتفاع درجة حرارة الأرض وتسببه بأضرار جسيمة بالمناخ في أنحاء العالم على مدى قرن ونصف.

مع إن الجهود المبذولة في مصادر الطاقة الصديقة للبيئة (مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية) اكتسبت شعبية متزايدة، فما يزال إنتاج الطاقة يشكل نحو ثلاثة أرباع إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم بحسب الوكالة الدولية للطاقة.

وبوصفه الرئيس التنفيذي لشركة كور باور، يقول ميكال بو في القمة التي عقدت أخيرًا في لندن: «لدينا فرصة لتوظيف استخدام الطاقة بصورة مختلفة؛ إذ إن ما ينتج عن الوقود الأحفوري هي غازات العادم وكان هذا جوهر النقاش في سعينا لتقليل انبعاثات الكربون، ويكمن التحدي في قدرتنا على حل مشكلة انبعاثات الكربون في العالم».

طور العلماء مفاعلات الملح المنصهر أول مرة في ستينيات القرن الماضي في مختبر أوك ردج الوطني عندما اقترح عالم الفيزياء النووية ألفين وينبرغ فكرته لبناء أول مفاعل نووي يستخدم الملح المنصهر بوصفه مبردًا للوقود وعنصرًا أساسيًا للوقود نفسه، لكن وزارة الطاقة لم تُعر اهتمامها للمشروع آنذاك وأوقفت عملياته إلى أن استؤنفت الأبحاث في أوائل القرن الحادي والعشرين.

وبحسب تيد بيسمان بوصفه عالم فيزياء في مختبر أوك ردج الوطني، بدأ الاهتمام باستخدام تقنية الملح المنصهر في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين؛ إذ ظن بعض العلماء أن هذه التقنية قابلة للتطبيق في المفاعلات الصغيرة.

تتمتع مفاعلات الملح المنصهر التي تستخدم الملح بوصفه مبردًا بميزة لأن درجة غليان الملح أعلى بكثير. حتى في درجات الحرارة القصوى، ستبقى درجة حرارة الملح المنصهر أقل بكثير من درجة غليانه. لذلك، يحتاج فقط إلى وعاء رقيق لاحتوائه. ولدى ارتفاع درجة الحرارة سيتمدد ملح التبريد عند دورانه حول المفاعل ما يوقف تفاعل الانشطار داخله.

ويقول بيسمان: «ثمة مزايا محتملة أيضًا تتمثل في إمكانية إعادة تزويد المفاعل بالوقود في أثناء تشغيله؛ إذ يمكن إعادة معالجة الوقود ومواصلة تشغيل المفاعل. إنها مزايا محتملة لم يسبق لأحد إثباتها، لكنها إحدى الإمكانيات التي تزيد من أهمية هذا النوع من المفاعلات».

إن لمفهوم شركة كور باور عن محطات الطاقة النووية العائمة مزايا خاصة، فوضع محطات الطاقة النووية العائمة على صنادل صناعية أو ما يعرف بالقوارب المسطحة بدلًا من بنائها على الأرض يمكّنها من التنقل ولن تشغل حيزًا مكانيًا أكبر وستكون بعيدة أيضًا عن الأماكن السكنية. إضافة إلى ذلك، فإن الطاقة التي تولدها مجموعة عائمة من محطات الطاقة ستكون أكبر مما تولده محطة واحدة على اليابسة. على هذا، فإن ذلك الكم الهائل من الطاقة يتطلب عمليات نقل أكبر. يمكن أيضًا لمحطة طاقة نووية عائمة واحدة ضمن مجموعة المحطات توصيل الطاقة إلى أي نقطة فيها.

يرى بيسمان أن الطلبات المستقبلية على مفاعلات الملح المنصهر قد تتوسع لتشمل المفاعلات المتنقلة التي تزود المواقع النائية أو القواعد العسكرية بالطاقة؛ إذ كان نقل الوقود بالشاحنات إلى القواعد العسكرية أحد أكبر مصادر خسائرها، لكن محطة نووية صغيرة قد تحل هذه المشكلة. يقول بيسمان: «أظن أن توفير كميات كبيرة من الطاقة اعتمادًا على المحطات البحرية ستكون واعدة.

لذلك، من المرجح أن يعتمد النجاح بدرجة أقل على مفهوم المحطات البحرية وبدرجة أكبر على قدرة موردي المفاعلات على توفير محطات يمكنها توليد الكهرباء بأسعار تنافسية».

اقرأ أيضًا:

دراسة جديدة تجد أن الطاقة النووية أقل ضررًا على البيئة

غوغل تستعين بالمفاعلات النووية لتأمين الكهرباء اللازمة لذكائها الاصطناعي

ترجمة: ماسة فؤاد كريم

تدقيق: ريمي سليمان

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر