بينما تصوّر وسائل الإعلام والإعلان المعاصر اليوغا على أنّها عبارة عن وضعيات جسدية فقط، فإن مفهومها الكلي يتضمن تمارين تأمّلية متنوعة ومختلفة؛ لضبط النفس، مثل: التأمّل، والترانيم، والتراتيل، والصلاة، والتنفس، والطقوس وحتى الأفعال الخيرية.

يوغا هي كلمة سنسكريتية تعني التوحيد والعبادة، وهي مشتقة من نفس جذر الرقم واحد باللغة الكردية “يه كِ”. وتتضمن الكلمة في حد ذاتها معاني كثيرةً، مثل: التنجيم الفلكي، والزواج، والموضوع الضمني للتواصل، لكن يبقى البحث العلمي حول فوائد اليوغا بدائيًا إلى حدٍّ ما. لكن أدلةً عديدة أثبتت ما كان بعض ممارسي اليوغا على علم به لعقود: اليوغا -بشكل لايصدق- قد تكون ذات أثر جيد على سلامتنا العامة.

فوائد اليوغا:

1. زيادة المرونة والليونة:

في عام 2016، أجرت منظمتان رائدتان في مجال اليوغا “Yoga Journal” و “Yoga Alliance” استطلاعًا عن اليوغا، وتقدير مدى أهميتها وسط شهرتها الواسعة.

تُعد المرونة عنصرًا هامًا فيما يتعلّق بالصحة الجسدية، واليوغا تقدم العديد من أنماط المرونة للاختيار منها، إذ تتنوع صعوبتها من قوية، إلى متوسطة، إلى خفيفة. إذ تساعد حتى التمارين البسيطة على زيادة المرونة الجسدية.

من المعروف أنّ فقدان المرونة يعدّ أمرًا طبيعيًا نتيجة التقدم بالعمر، لذلك تساعد اليوغا على زيادة المرونة عند البالغين الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فما فوق، فقد وجدت دراسة عام 2019 أن بإمكان اليوغا الحفاظ على لياقة ومرونة كبار السن.

2. التقليل من التوتر:

شاركت الجمعية الأمريكية لعلم النفس معلومة مفادها أن 84% من البالغين الأمريكيين يعانون من توتر مزمن. ولحسن الحظ، يدعم العلم هذا النمط من اليوغا، وبخاصة الآسانا؛ التي هي عبارة عن تمارين ووضعيات حركية، تُعد جيدةً في التخفيف من حدة التوتر.

لكن يجب أن تتذكر بأن التمرين الفيزيائي هو جانب واحد من جوانب اليوغا، فقد تبيّن أيضًا أن للتأمل، والتنفس والطقوس السماعية، مثل: الترانيم، وحمّامات الصوت القدرةَ على التخفيف من حدة التوتر، والاسترخاء.

3. تحسين الصحة العقلية:

يعد اضطراب الاكتئاب الرئيسي (MDD) من أكثر الأمراض النفسية شيوعًا في العالم. فقد استنتج تحليل عام 2017 تضمن 23 بحثًا عن أثر اليوغا في أعراض الاكتئاب، بأنه يمكن اعتبار اليوغا علاجًا بديلًا لاضطراب الاكتئاب الرئيسي. وأظهرت تمارين اليوغا التي تعتمد على العملية التنفسية والحركة، القدرة على تحسين أعراض الاكتئاب.

4. تقليل الالتهاب:

تُعد الالتهابات المزمنة مؤشرًا يُنذر بمرض ما، مثل أمراض القلب، والسكري، والتهاب المفاصل، وداء كرون. وقد توصل أحد المراجع البحثية لأكثر من 15 دراسة، أن اليوغا وبجميع أنماطها ومدى قوتها أو حتى مدة القيام بها تستطيع تخفيف الأعراض الكيميائية، والحيوية للالتهابات المزمنة العديدة.

5. تقوية الحالة البدنية:

بينما يربط معظم الأشخاص اليوغا بالليونة والمرونة، لكن بعض صفوف اليوغا تعتمد على بناء القوة الجسدية بحسب مستوى الدرس، وطريقة تطبيقه، والمدرب. لهذا تعد يوغا الآسانا تمرينًا متعدد الأنماط.

وقد بحثت إحدى الدراسات في أثر اليوغا، ودورها في تقوية الحالة البدنية لمرضى سرطان الثدي، والبالغين والأطفال. وأثبتت دراسة أخرى أجريت على أفراد من القوات الجوية، فعالية اليوغا في بناء القوة البدنية للمشاركين الأصحاء، وبأعمارٍ مختلفة.

6. الحد من القلق:

تعد اضطرابات القلق -بحسب تصريح الجمعية الأمريكية للاكتئاب والقلق- من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتنوع اضطرابات القلق، من اضطراب القلق العام إلى القلق الاجتماعي وأنواع محددة من الفوبيا والتوتر المزمن.

وقد اقترحت العديد من الدراسات أن يوغا الآسانا قد تكون ذات تأثير نافع، وعلاجًا بديلًا لاضطرابات القلق. على الرغم من مطالبة بعض الأبحاث بدراسات إضافية، وبديلة قبل التصريح بأي شيء على أنه أمر حتمي. وأظهرت أيضًا بأن يوجا نيدرا أو(التأمل الموجه)، تستطيع تخفيف أعراض القلق أيضًا.

7. تحسين جودة الحياة:

تُعرّف منظمة الصحة العالمية مصطلح جودة الحياة بأنها وعي الفرد لوضعه المعيشي في سياق أنظمة الثقافة والقيم في المجتمع الذي يعيش فيه، وعلاقة هذا الإدراك بأهدافه، وتوقعاته، ومستوى اهتمامه، ومخاوفه.

من المعروف بأنّ العوامل التي قد تؤثر في نوعية أو جودة الحياة هي: العلاقات والإبداع وفرص التعليم والصحة وسبل الراحة.

وقد أظهر تحليل شمولي عام 2019 قدرةَ اليوغا على تحسين جودة ونوعية حياة الأفراد الذين يعانون من ألم مزمن، إذ اعتبر الباحثون لعقود أن جودة الحياة مؤشر قد يدل على ديمومة الأفراد، ومدى قابليتهم للتحسن عند معالجتهم من الأمراض والإصابات المزمنة.

8. تعزيز المناعة:

يؤدي نقص المناعة في الجسم إلى الإصابة بأمراض عديدة. وكما ذكرنا سابقًا أنه من الممكن لليوغا أن تكون علاجًا بديلًا للقلق، فإن بعض الدراسات قد وجدت ترابطًا واضحًا بين ممارسة اليوغا -خاصة على المدى الطويل- وتعزيز جهاز المناعة، وذلك بسبب قدرة اليوغا على محاربة الالتهابات، وتعزيز المناعة بتخللها في الخلايا.

9. تحسين التوازن:

لا يعد التوازن مهمًا فقط من أجل محاولتك الوقوف على رجل واحدة في وضعية الشجرة في اليوغا، بل إنه ضروري أيضًا من أجل نشاطاتك الاعتيادية، مثل التقاط شيءٍ ما من الأرض، أوالوصول إلى رف عالٍ، أو حتى نزول الدرج، إذ تعمل اليوغا على تحسين التوازن والأداء بشكل عام لدى الرياضيين.

تقترح بعض المراجعات العلمية التي أُجريت على مجموعة من الأفراد الأصحاء، بأن ممارسة اليوغا ولفترة طويلة تعمل على تحسين التوازن لدى البعض، مثلًا تفيد يوغا الآسانا في تحسين التوازن لدى الأشخاص الذين يعانون من إصابات في الدماغ. وتساعد اليوغا التكيفية و كرسي اليوغا كبارَ السن، والأفراد الذين يعانون من إصابات تقلل من قدرتهم على الحركة، أو الذين يشكل التوازن لديهم مصدر قلق.

10. تقوية القلب والأوعية الدموية:

تعتبر يوغا البراناياما أو ما يُعرف بالتنفيس اليوجي مفهومًا هامًا، ومفيدًا في اليوغا.

ونشرت مجلة Ayurveda and Interagtive Medicine مراجعة بحثية تبحث في التأثير الكلي للبراناياما، فقد وُجد أن أحد المفاتيح الرئيسية للتنفيس في اليوغا هو القدرة على تعزيز أنظمة الجسم، إذ يستفيد نظام القلب والأوعية الدموية بشكل كبير من التحكم بوتيرة التنفس، فيؤدي ذلك إلى تغيرات إيجابية في معدل ضربات القلب، والسكتة الدماغية، والضغط الشرياني، وانقباض القلب.

11. تحسين النوم ومعالجة الأرق:

وُجد أن اليوغا، وبخاصة يوغا النيدرا، قد تساعد على النوم بشكل أسرع، وأن تنعم بنوم عميق، وذلك بسبب تمارين اليوغا التي تساعد على الاسترخاء، إضافةً إلى معالجة اضطراب القلق.

12. تعزيز احترام الذات:

تُشكّل مفاهيم احترام الذات، وصورة الجسد مواضيعَ حساسة لبعض الشباب والمراهقين. لكنّ الأنباء الجيدة أن العديد من الدراسات أظهرت النتائج الإيجابية لممارسة اليوغا على تقدير واحترام الذات، ومراعاة صورة الجسد في مجتمعات الشباب. ويمكن أن تساعد اليوغا أيضًا في تخفيف أعراض القلق، والهوس، والاكتئاب في اضطراب فقدان الشهية العصبي.

13. تقوية العظام:

تعتبر وضعيات اليوغا من التمارين متساوية الانقباضات أي أن طول العضلة خلال الوضعية يبقى ثابتًا، على الرغم من انخراطها التام في الوضعية.

على سبيل المثال، في وضعية “البلانك” تضع بطنك على الأرض وترفعها بالاتكاء على راحة اليدين، بينما يبقى الجذع والساقان في حالة ثبات، على عكس تمرين الضغط.

تزيد التمارين متساوية القياس، وبخاصة التي تتضمن ثني المفاصل، من كثافة العظام، كما في وضعية المحارب الثاني؛ التي تقوم فيها بثني الساق في كل من الورك والركبة.

وتعكس يوغا الآسانا أثر تكلس العظام وهشاشتها، فقد وجدت إحدى الدراسات أن ممارسة اليوغا لمدة 12 دقيقة في اليوم تساعد على تحسين صحة العظام.

14. تحسين وضعية وشكل الجسم:

نقضي معظم أوقاتنا اليوم باستخدام الأجهزة الإلكترونية، إما جالسين، أو منحنيي الظهر لفترات طويلة.

وجد مرجع بحثي أن اليوغا تساعد على تحسين عمل الدماغ في المراكز المسؤولة عن الحس الداخلي، بالإضافة إلى أنها تساهم في المحافظة على التناسق، من خلال إرخاء العضلات المشدودة مثل عضلات أوتار الركبة. وأيضًا تساهم في تحسين العمود الفقري، وحركته.

مازالت الدراسات عن أثر اليوغا في زيادة كثافة العظام إلى الآن متضاربة، وغير مقنعة.

15. تحسين أداء الدماغ:

تحفز ممارسة اليوغا تنشيط المنطقة الدماغية المسؤولة عن التحفيز والأداء التنبيهي والانتباه والمرونة العصبية.

16. التعب المزمن والإرهاق:

أفادت إحدى الدراسات التي أُجريت على العاملين في دار العجزة خلال جائحة الكورونا، أن تمارين اليوغا التي تخللتها فترات تأمل قد ساعدت في تقليل آثار الإرهاق بتحسين الوعي الحسي، الذي هو القدرة على ملاحظة الإشارات الداخلية والاستجابة لها. ما يعني أن اليوغا قد تساعد الأفراد على أن يبقوا في تناغم مع إشارات دماغهم والاستماع إليها.

الخلاصة

بينما ما يزال البحث جديدًا -على الرغم من أن ممارسة اليوغا ليست بالأمر الجديد- تبقى النتائج واعدةً، حتى تثبت أن ممارسي اليوغا منذ آلاف السنين، كانوا يعلمون بأن اليوغا مفيدة من أجل صحتنا العقلية والبدنية.

تمارين اليوغا لا تندرج تحت فئة النشاط البدني فقط؛ لأنها تركّزعلى تقنيات التأمل، والعقيدة الأخلاقية، والأفعال الخيرية، وهي تمارين يمكنك القيام بها بشكل يومي.

جِد الأسلوب الذي يناسبك وتذكر أن الاستثمار في اليوغا يعني الاستثمار في ذاتك.

اقرأ أيضًا:

لماذا ينصح الأطباء النفسيون بممارسة اليوغا ؟

هل تفيد ممارسة اليوغا والتأمل الجسم والعقل حقًا؟

ترجمة : مرح أبوحمدان

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر