عند توافر لقاح كوفيد 19 -إن توصّلنا إليه- تكمن المعضلة المنتظَرة في أسبقية الحصول على اللقاح. تساءلت اللجنة المعنية بتقديم التوصيات حول استخدام اللقاح التابعة لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة حول أفضلية توزيع اللقاح، وقد توضّح بيانات جديدة مدى صعوبة اتخاذ أي أسلوب في التفضيل. فعلى سبيل المثال النساء الحوامل اللاتي من المفترض تجنّبهنّ لأي لقاحات جديدة -لاحتمالية إيذاء الجنين- يعانين خطورة بالغة عند إصابتهنّ بكوفيد-19، ما يفرض إعطاءهنّ أولوية في الحصول على لقاح.

يوضّح بروس جيلين القائم على معهد سابين غير الربحي للقاحات أنّ تحديد الأولوية هو موازنة صعبة بين مصلحة المجتمع ككل من جهة وحماية صحة الفرد من جهة أخرى، قائلًا: «إنّه قرار صعب، فلكلٍ وجهة نظره الخاصة التي تجعل لشخصٍ ما الأولوية على الآخر».
وأضاف: «لن يجادل أحد في أولوية العاملين في القطاع الصحي والمتواجدين في الخطوط الأمامية الذين يخاطرون بأنفسهم من أجل الآخرين. لكن الجدال يبدأ بعد أولوية هؤلاء».

بسبب ارتفاع أعداد الوفيات بين كبار السن مقارنةً مع الفئات الأخرى، ينبغي وضعهم على رأس القائمة مع أنهم يملكون استجابة أضعف للقاحات. ومن جانبٍ آخر فإنّ السجناء والجنود والعاملين في المسالخ والبقّالين ذوو صحة ومناعة جيدتين، لكن طبيعة عملهم وبيئتهم ستعرّضهم أكثر للإصابة.

زد على ذلك المفارقة الشائكة: هل ينبغي تفضيل مجموعة عرقية معينة لكونها أكثر تضررًا من الفيروس؟

وحتى إن تمّت الموافقة على استخدام لقاح كوفيد 19 على نطاق واسع في الخريف القادم -كضرب من التفاؤل- فسنعاني في البداية نقصًا في الإمداد.

تُسارع هيئات -مثل مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية- في التخطيط لاحتمال كهذا. واستعانت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها بالخطة التي صُممت أيام الإمداد الشحيح للقاح جائحة الإنفلونزا.

 من الأولى بالحصول على لقاح كوفيد 19 في حال إنتاجه - أفضلية توزيع اللقاح - الاستجابة المناعية للقاح فيروس كورونا - من سيأخذ اللقاح

أوضحت سارة امبايي عضو اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين ACIP التابعة لمراكز: «وُضعت خطة أولية مكونة من خمس درجات خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية، يشار إلى الطبقة العليا -التي تضم نحو 12 مليون شخص- بالرعاية الصحية الحرجة والعاملين الآخرين، على أن تُعطى الجرعة الأولى لمجموعة فرعية من هذه الطبقة وهي أعضاء الطواقم الطبية الأكثر تعرضًا للخطر، والقائمين على الأمن القومي وغيرهم من العاملين الرئيسيين».

تحوي الطبقتان الثانية والثالثة اللتان تضمان نحو 110 ملايين شخص من العاملين في الرعاية الصحية وبعض الوظائف الرئيسية الأخرى إضافة إلى أشخاص ذوي ظروف معينة، مثل مَن هم بسن 65 أو يزيد، ومن يقيمون في مرافق رعاية صحية طويلة الأجل، وأصحاب الحالات الطبية التي قد تزيد مخاطر الإصابة بكوفيد-19، أو قد تتدهور في حالة الإصابة. وتضم آخر طبقتين عامة الشعب، بعدد يقدّر بـ 206 ملايين شخص.

في الوقت نفسه، وضعت منظمة الصحة العالمية خطتها الخاصة -التخصيص الاستراتيجي- التي تعطي الأولوية لنحو ملياري شخص، من فئات عدّة من العاملين في أنظمة الرعاية الصحية، وكبار السن فوق الـ 65، والشبّان حتى سنّ الثلاثين إن وُجد لديهم ما يزيد من مخاطر الإصابة مثل أمراض القلب أو السرطان أو مرض السكري أو أمراض الجهاز التنفسي المزمنة أو السمنة.

لكن مع كل هذه الخطط ما زالت هناك أسئلة غامضة تحتاج إلى الإجابة، ومنها أن كوفيد-19 له تأثيرات متفاوتة على مجتمعات السود واللاتينيين والأمريكيين الأصليين، فهل ينبغي أخذ العِرق في الحسبان عند تحديد الأولوية؟

وضّح خوسيه روميرو اختصاصي أمراض الأطفال المُعدية ورئيس اللجنة الاستشارية لممارسات التحصين ضرورة إعطاء الأولوية للمجموعات العرقية الأكثر تأثرًا قائلًا: «إن لم نعالج هذا الأمر بالشكل الصحيح.. فكل قرار نتخذه ستحوم حوله الكثير من الشكوك والتحفظات».

لم تنته الأسئلة الجدلية عند هذا الحد فقد طرح أعضاء من اللجنة نفسها أسئلة إضافية، مثل: من هم بالتحديد أصحاب المخاطر العليا من القطاع الطبي؟ مع الأخذ بالاعتبار أن الممرضات والأطباء لديهم أفضل وسائل الحماية، ويقتصر عمل الآخرين في المستشفى نفسه على أعمال روتينية دون الحاجة للاختلاط مع المرضى.
وهل ينبغي إعطاء الأفضلية للفقراء أصحاب الرعاية الصحية الأقل والظروف التي تجبرهم على الاختلاط؟ أم لأولئك الذين يعيشون في ملاجئ للمشردين؟ أم للمعلمين المخالطين للعديد من الطلاب؟

وإحدى المعضلات المقلقة الأخرى تخص النساء الحوامل، ففي دراسة اعتمدت على التقرير الأسبوعي لدى CDC حول الحالات المرضية والوفيات لما يزيد عن 90,000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 15-44، من بينهن نحو 8200 امرأة حامل. وجدت الدراسة أن لدى النساء الحوامل احتمالية أكبر بنسبة 1.5 في الدخول إلى العناية المركزة، وأبدين حاجة إلى تجهيزات تنفّس أعلى بنسبة 1.7 عن النساء الأخريات. تقول دينيس جاميسون اختصاصية النساء والتوليد في جامعة إيموري: «هذا دليل كافٍ لإعطاء الأولوية للحوامل».

تبيّن في الدراسة حول العدوى التي تصيب النساء في أثناء حملهن -التي قامت بها كل من سونيا راسموسن من جامعة فلوريدا ودنيس جاميسون- أن الإصابة بكوفيد-19 في أشهر الحمل الثلاثة الأولى قد يضر بالأم والجنين معًا. وقالت راسموسن: «إننا نحاول اتخاذ قرارات مصيرية، ولا أظن أن بإمكاننا الجزم بأي توصيات في الوقت الراهن، فما زلنا في مرحلة جمع البيانات».

لا يعتقد حزقيال عمانوئيل الخبير بعلم الأخلاقيات البيولوجية من جامعة بنسلفانيا أن إعطاء لقاح كوفيد 19 لكبار السن حال إنتاجه فكرة سديدة -على عكس الاعتقاد السائد- فهذه -على حسب قوله- تضحية بالعُجّز لأجل الشباب.

ومن الناحية المنطقية، فالشباب لديهم استجابة مناعية أقوى، ما يُعطِي تفاعلًا كبيرًا معززين بذلك مناعة القطيع، ومناعة القطيع بدورها تحدّ من انتشار الفيروس، ما يقلل من خطر إصابة كبار السن.

يقول توم فريدن الذي ترأس مراكز مكافحة الأمراض أيام الإمداد الشحيح للقاح جائحة الإنفلونزا عام 2009 موضحًا فحوى المفاوضات آنذاك: «هناك فئات لا ينبغي تصنيفهم من الناحية الصحية والاجتماعية من المجموعات الأولى التي تحصل على اللقاح أولًا، ولكنك تجدهم مصرين على ذلك بشدة».

يعبّر فريدن عن إعجابه بما تقدمه اللجنة التوجيهية في ممارسات الوقاية، ولكنه يؤكد على عدم توافر المعلومات الكافية حتى عند وضع اللمسات الأخيرة لخطة التخصيص الاستراتيجي لمنظمة الصحة العالمية في نهاية الشهر الجاري، قائلًا: «إن انتظرت الحصول على بيانات كاملة فإنّك لن تتّخِذ القرار أبدًا، قد حان الوقت لوضع الخطّة لهذا الأمر».

اقرأ أيضًا:

كل ما تحتاج إلى معرفته عن فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)

هذا ما بات العلماء يعرفونه عن التطعيم بعد جائحة كوفيد-19

ترجمة: محمود مرزوق

تدقيق: وائل حجازي

المصدر