تُعرف المنمنمات الفارسية بأنها فن تقليدي، وأرستقراطي يتميز بألوان رائعة، وأسلوب متوازن، وانتباه دقيق للتفاصيل. وعلى الرغم من أنه قد يصعب تتبع أصولها، فإن الكثيرون يعتبرون ⟪أرزهانغ⟫، الكتاب المصوّر للنبي ماني (مؤسس المانوية وهو فنان أيضًا)، والذي يعود للقرن الثالث الميلادي خلال الإمبراطورية الساسانية، أساسًا لمدارس المنمنمات الفارسية.

كان للمنمنمات الفارسية، عبر تاريخها، اقتران وثيق بالبلاطات الملكية. وكان للاهتمام الذي لقيته، والدرجة التي دعم بها الملوك والحكام الإقليميين المنمنمات الفارسية وتشجيع فنانيها دورًا أساسيًا في تطوّرها وتقدمها. وبصرف النظر عن تبدل العواصم في كل فترة، شهدت مناطق ومدن معينة مدارسًا مختلفةً للرسم أيضًا، ورحبت بظهورها، ومن أشهر هذه المدارس ⟪تبريز⟫، و⟪شيراز⟫، و⟪هيرات⟫.

على الرغم من أن كل مدرسة لها خصائصها التي تجعلها متميزةً عن غيرها، مثل اختيار لوحة الألوان، أو نسب وأحجام الشخصيات، فقد اشترك جميعهم في بعض الميزات المتماثلة في الأسلوب، مثل تصوير الوجوه من منظور ثلاثة أرباع، وعدم وجود عمق منظوري، واستخدام زوايا مختلفة في تصوير العناصر داخل اللوحة الواحدة. بالإضافة إلى ذلك، شهدت المنمنمات الفارسية تأثرًا متنوعًا من الصينيين، وتأثرت في وقت لاحق (في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) باللوحات الأوروبية. ومع ذلك، فقد استطاعت دائمًا الحفاظ على هويتها وجوهرها الفارسي.

موضوعات وخصائص المنمنمات الفارسية

تتعدد الخصائص، البصرية والرمزية، التي تتميز بها المنمنمات الفارسية عن نظيراتها الشرقية، وتعكس هذه الخصائص الآراء الفنية، والفلسفية للفنانين الفارسيين. إذ كان الاعتقاد السائد بين العلماء أنه وخلال أواخر القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بلغت المنمنمات الفارسية أوجها، فوفقًا لآرثر أبهام بوب، تشكلت خلال هذين القرنين، معالم محددة ًلفن المنمنمات الفارسية.

ويرجع ذلك إلى حد ما لتأثير الصوفية، ونظامها الفكري. تخلو المنمنمات الفارسية من أي دلالة على مكان أو زمان معين، ما يمنحها صفةً متساميةً، فحتى لو صورت العناصر مثل القمر أو النجوم أو حتى الشمس في السماء، للإشارة إلى أن الوقت ليل أو نهار، فلن يكون لها تأثير خاص على بقية اللوحة نظرًا لعدم وجود دور للنور والظل في تكوينها.

تمكّن الرسام الفارسي في بعض الحالات، عن طريق استخدام إطار منفصل بلون مختلف للسماء والنباتات، من إنشاء جدولين زمنيين متزامنين داخل تكوين اللوحة. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر المنمنمات الفارسية، كما ذكرنا سابقًا، إلى العمق النظري، إذ يتحرك كل شيء داخل التكوين لأعلى، ويُصوّر في طبقات بدلًا من تضاؤل حجمه، فيبدو وكأنه يتحرك إلى الداخل.

وكانت ملابس الشخصيات في المنمنمات الفارسية، قبل التأثير السائد للفن الأوروبي، هي نفسها في جميع الفترات تقريبًا. وتكون مغطاة بألوان واضحة وغنية، ومزينة أحيانًا بزخارف دقيقة. إذ ترتدي الشخصيات الذكورية والأنثوية الملابس نفسها تقريبًا، ما يصعُب أحيانًا التمييز بينها. وكانت أغطية الرأس هي إحدى المواصفات التي تساعد المُشاهد على التمييز بين الاثنين، فبينما ترتدي النساء عادةً الأوشحة الرقيقة والتيجان المزخرفة، كان يرتدي الرجال قبعات من جلود الحيوانات، وعمائم الرأس المختلفة.

بالنسبة للرجال، يمكن أن يساعد أسلوب غطاء الرأس عادةً في تحديد الفترة الزمنية التي تنتمي إليها اللوحة. إذ يمكن التعرف على الجنود الصفويين «القزلباش أو ذوي الرؤوس الحمراء»، عن طريق طربوش أحمر مدبب موجود فوق عمامة الرأس.

ومن المثير للاهتمام أيضًا، اعتماد الأشكال في هذه المنمنمات الفارسية على الزاوية التي تُصوَّر أجزاء أجسادهم منها، فعند رسم اليدين، عادةً ما يكون الإبهام على مسافة صغيرة من بقية الأصابع، ويكون لليد في مجملها حركة رقيقة تشبه حركتها عند الرقص، وتُصوّر القدمين في الغالب أيضًا من منظور جانبي. ويمكن للمرء أن يرى ضمن التكوين بأكمله، أن كل عنصر، سواء كان العمارة أو الغطاء النباتي أو الحدائق، قد صوّر باستخدام منظور وزاوية مختلفة.

يُذكرنا هذا بالفن المصري، وتصويره للشخصية البشرية، والعناصر التصويرية الأخرى من زاويته المثالية.

وتُصوّر المنمنمات الفارسية غالبًا، من حيث الموضوع، مشاهد الصيد الملكي، ومشاهد المعارك، والأهم من ذلك الأساطير والشعر الفارسي، وعلى وجه الخصوص ملحمة ⟪شاهنامه أو كتاب الملوك الفارسي⟫ للشاعر الفردوسي ⟪نحو 940-1020⟫. ومن بين القصص الأكثر توضيحًا للأدب الفارسي هي عمال رستم السبعة، ويوسف وزليخة، وخسرو وشيرين، وليلى والمجنون.

يمكننا أن نرى، بدءًا من عهد الشاه عباس الكبير من الأسرة الصفوية (ح. 1588-1629) وما بعد، زيادةً ملحوظة في تأثير الفن الأوروبي على المنمنمات الفارسية. إذ إنها لم تشمل فقط ظهور مواضيع جديدة، مثل اللوحات النوعية، والأشكال نصف العارية، واللوحات الفردية للطيور والنباتات، من بين العديد من الأمثلة الأخرى، ولكنها طالت أيضًا استخدام الضوء والظل، وتَغيُّر ملابس الشخصيات.

التقنيات والمواد المستخدمة في المنمنمات الفارسية

كان على هواة الرسم الفارسي دراسة، ونسخ أعمال أساتذة الفن لسنوات قبل محاولة رسم لوحة بمفردهم، وذلك لاكتساب القدرة على إنشاء أي شكل بصري من الذاكرة وبدقة. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الأساتذة أنفسهم كانوا ينسخون أحيانًا أجزاءً معينةً من أعمالهم السابقة لتوفير الوقت، إذ كانت تُنسخ اللوحات باستخدام مسحوق الفحم.

يثقب الرسام جلد حيوان رقيق جدًا بإبرة دقيقة، متتبعًا خطوط اللوحة التي تحتها. وبعد الانتهاء من عملية الثقب، تُستبدل اللوحة بورقة فارغة، ويُمرر مسحوق الفحم فوق الورقة المثقوبة. إذ يمر مسحوق الفحم عبر الثقوب تاركًا أثرًا للعمل المنسوخ على الورقة الفارغة، وبعد ذلك يشرع الرسام في تلوين اللوحة، ورسم تفاصيل إضافية.

على الرغم من أن الورق نفسه اخترُع في الصين في عام 105 م، فإن الفرس لم يستخدموه بدلاً من الرق والبردية، إلا بعد قرون من ذلك، وتحديدًا في منتصف القرن الثامن. واستخدموا شعر ذيل السناجب والقطط الفارسية لصنع فُرش بسمك مختلف، لإنشاء الخطوط الدقيقة التي تميز المنمنمات الفارسية. وصُنعت الأصباغ من المصادر العضوية، وغير العضوية، والمعادن، وذلك لخلق الألوان الزاهية والغنية التي استُخدمت في اللوحات. لكن لسوء الحظ، كانت بعض هذه الألوان عرضةً للتلف، وتغيير اللون، ما أفقدها غناها اللوني.

فضّل النبلاء وأفراد البلاط الملكي الكتب المصورة، على الرغم من أن اللوحات المكونة من صفحة واحدة قد أصبحت الأكثر شيوعًا في القرون اللاحقة، إذ يتطلب إنتاج مثل هذه الروائع فريقًا كاملاً من الرسامين، والكُتّاب، وعُمّال التجليد، والمُذهّبين، وما إلى ذلك، والذين عملوا معًا في مشغل أو مكتبة ملكية تحت إشراف مدير.

أشهر فناني المنمنمات الفارسية

نُسبت الكثير من الخصائص والصفات الفريدة لفن المنمنمات الفارسية، خلال تاريخ الرسم الفارسي، إلى العديد من الفنانين. إذ يُعد كمال الدين بهزاد (1450-1535)، أحد أشهر فناني المنمنمات الفارسية في كل العصور.

تلقى كمال، والذي كان يتيمًا، تدريبه على يد فنان المنمنمات الفارسية الماهر ميراك نقش، لكنه سرعان ما طوّر أسلوبه الفريد باستمرار، والذي من شأنه أن يمثل ذروة فن المنمنمات الفارسية فيما بعد. إذ دبت الحياة والحركة في العديد من اللوحات الفارسية تحت فرشاة بهزاد الماهرة والمرهفة، وفقدت الكثير من صلابتها وشكلياتها، وحُقنت بدرجة من الواقعية والدراما.

حوّل بهزاد موضوع اللوحات نحو الحياة اليومية، وخلق أسلوبًا فنيًا تتحرك فيه الشخصيات بحرية. بالإضافة إلى أن بهزاد لم يكتف بعد تلقيه الرعاية من قبل أربعة حكام مختلفين من أواخر القرن الخامس عشر إلى أوائل القرن السادس عشر، في أيام العصر الصفوي، بتوجيه المكتبات الملكية وورشات الرسم فحسب، بل كان لديه أيضًا عدد كبير من الطلاب، والأتباع الذين قلدوا أسلوبه في الرسم.

سبَّبَ هذا الأمر لاحقًا، مشكلةً للعلماء والباحثين في تحديد الأعمال التي يمكن أن تنسب حقًا إلى الفنان نفسه.

وكان آقا رضا (نحو 1565-1635)، والمعروف أيضًا باسم «رضا يي العباسي»، أحد فناني المنمنمات الفارسية المعروفين والماهرين أيضًا. إذ حصل على لقب «العباسي» في أوائل القرن السابع عشر، وذلك بعد أن تمتع برعاية الشاه عباس الكبير. وعلى الرغم من أنه أمضى بضع سنوات من حياته بعيدًا عن البلاط الملكي، والعالم الفني، وشغل نفسه بأنشطة متواضعة، فقد كان آقا رضا طيلة حياته المهنية أحد أكثر الشخصيات إبداعًا في العصر. وكان يُعتقد بأنه شخصين مختلفين، بسبب تطوّر أسلوبه خلال مسيرته المهنية.

وامتلك آقا رضا أيضًا، بصرف النظر عن استخدامه مواضيع جديدة مثل النساء شبه العاريات، والشيخ المُتأمل، والدراويش، نهجًا مبتكرًا في تقنيات الرسم.

كان سلطان محمد، والذي اتبع المدرسة التبريزية في رسوماته، من بين الفنانين المعروفين في القرن السادس عشر. إذ إنه لم يتأثر فقط بأعمال بهزاد، ولكنه تأثر أيضًا بالمدرسة التركمانية للرسم. وعلى الرغم من عدم معرفة الكثير عن حياته، فقد عمل في مشغل الشاه إسماعيل الأول (ح. 1501-1524)، وكان لديه العديد من التلاميذ، من بينهم الشاه طهمابس الأول.

عمل العديد من فناني المنمنمات الفارسية الموهوبين، إلى جانب الفنانين المذكورين، بشكل مستقل، وفي المحاكم الملكية، والمراكز التي أنتجت بعضًا من أكثر الأعمال الفنية روعةً وتفصيلًا.

التأثيرات اللاحقة لفن المنمنمات الفارسية

حافظت اللوحات المصغرة الفارسية على سحرها وجاذبيتها، وعلى خصائصها الفريدة العديدة. فكانت هذه اللوحات وما زالت مصدر إلهام ليس فقط للفنانين الفارسيين المعاصرين، ولكن أيضًا للفنانين الغربيين، مثل واسيلي كاندينسكي (1866-1944)، وبول غوغان (1848-1903)، وهنري ماتيس (1869-1954). إذ يمكن للمرء أن يُميز في أعمال هؤلاء الفنانين، آثار الألوان المفعمة بالحياة والغنية، وأنماط الرسم، والتراكيب، ونقص العمق النظري الخصائص التي شوهدت في المنمنمات الفارسية.

اقرأ أيضًا:

كيف كانت الرسائل والبريد تنتقل في العالم القديم

الإمبراطورية الفارسية: تاريخ موجز

ترجمة: لُجين الحفار

تدقيق: طارق طويل

مراجعة: آية فحماوي

المصدر