يمكن لانتقال النغمات العميقة داخل «العمالقة الحُمر» أن يكون مؤشرًا على مسافاتها، ما يفتح بابًا جديدًا لقياس الكون. قد تساهم هذه الاكتشافات في تطوير فهمنا للكون عمومًا، وتتضح أهمية ذلك عندما تثير قياسات المسافات الكونية تساؤلات حول نظرياتنا الحالية للكون، ما يعده بعض العلماء أزمةً في علم الفلك.

يتفق علماء الفلك على أن الكون يتوسع بمعدل متزايد. مع ذلك، فإن الطريقتين الرئيسيتين المستخدمتين لقياس هذا التوسع تعطيان نتائج متضاربة، تُعرف هذه الظاهرة باسم توتر هابل. كانت مجالات الخطأ في كل طريقة واسعة بما يكفي لحدوث تداخل في النتائج، مع ذلك، مع تحسين الأدوات الجديدة لدقتنا، اختفى ذلك التداخل.

لا بد أن تكون واحدة على الأقل من طرق القياسات هذه -أو الاستنتاجات التي نستخلصها منها- خاطئة، لكننا لا نعرف أي منها. ولما كان الكثير من الأمور الأخرى المتعلقة بالطريقة التي نرى بها الكون مستمدة من معدل التوسع هذا، فقد أصبح حل هذا السؤال أولويةً. ربما توجد طريقة أخرى لفض هذا الاشتباك.

هذا ما يأمله فريق الباحثين الذين نشروا أدلةً تُظهِر أن فئة فرعية من العمالقة الحُمر قد تمثل مقياسًا بديلًا لمعدل توسع الكون. لم تكتمل دراساتهم بالكامل بعد ولا يمكن استخدامها حاليًا، لكن هناك احتمالية لذلك في المستقبل.

عندما تقترب النجوم من نهاية حياتها، ينفد الهيدروجين اللازم لتفاعل الاندماج، لذلك تبرد وتنتفخ، وتصبح عمالقة حمراء. في النهاية، تبدأ بدمج الهيليوم، وفي وقت التحول تقريبًا تُعرف باسم نجوم «طرف فرع العملاق الأحمر»، اختصارًا (TRGB).

تخضع العديد من النجوم -خاصةً العمالقة الحمراء- لتغيرات في السطوع، بسبب الموجات الصوتية العملاقة التي ترتد ذهابًا وإيابًا داخلها. قسّم الباحثون نجوم (TRGB) في سحب ماجلان إلى مجموعات، بناءً على الوقت الذي تستغرقه في الاهتزاز. ووجدوا أن المجموعة ذات الاهتزازات الأبطأ تتمتع بخصائص تجعلها ذات قيمة لعلماء الفلك، أما المجموعة ذات النغمات الأعلى فتكون أصغر سنًا وأغنى بالمعادن.

قال مؤلف الدراسة ريتشارد أندرسون: «العمالقة الحُمر الأصغر سنًا التي تكون قريبة من مرحلة (TRGB)، تكون أقل سطوعًا قليلًا من أبناء عمومتها الأكبر سنًا. تسمح لنا الذبذبات الصوتية -التي نلاحظها مثل تقلبات في السطوع- بفهم نوع النجوم التي نتعامل معها، إذ تتذبذب النجوم الأقدم بتردد أقل».

معرفة أن النجم في طور (TRGB) تسمح لنا بحساب سطوعه الحقيقي بدقة أكبر، ومن ثم قياس المسافة إلى النجوم في طور (TRGB) الواقعة في المجرات البعيدة، بجمع هذه المعلومات مع مقدار الضوء الذي نستقبله. كان من المعروف سابقًا أنه يمكن استخدام نجوم (TRGB) لقياس المسافة، لكن مع تحديات تتعلق بعدم اليقين من السطوع الحقيقي. لذا فإن استخدام نجوم متغيرة السطوع أكثر موثوقية، إذ يمثل توقيت الذبذبات حلًا للمشكلة.

من السهل نسبيًا قياس حركة هذه النجوم -والمجرات الموجودة فيها- باستخدام إزاحتها الحمراء، إذ توفر مطابقة المسافة وسرعة الحركة طريقةً لقياس نمو الكون. قال أندرسون: «توصلنا إلى أن الذبذبات الصوتية للنجوم الحمراء العملاقة تُعد وسيلةً مثالية لقياس المسافات في الكون، باستخدام طريقة (رأس فرع العملاق الأحمر)».

استخدام الأجسام ذات سطوع أساسي معروف يشبه استخدام أحد المقاييس الموجودة، الذي يعتمد على المستعرات العظمى من النوع (Ia). من الشائع استخدام هذا النوع من الأجسام في دراسات علماء الفلك، إذ إن سطوعها يكون ثابتًا في ذروته، ما يساعد على تقدير مدى سطوعها بدقة. أيضًا، يُمكن استخدام مطابقة سطوع هذه الأجسام مع قياسات الانزياح الأحمر لتحديد المسافات والتوسع في الكون، من ثم تقديم جزء من فهمنا لظاهرة توتر هابل. يُظهر اختلاف نتائج قياسات إشعاع خلفية الكون التحديات التي تواجه علماء الفلك في فهم هذه الظواهر.

لا يمكن استخدام النجوم في طور (TRGB) لقياس المسافات الهائلة بالدقة ذاتها التي نستخدمها لقياس المستعرات العظمى، إذ إنها ليست مضيئة بالقدر ذاته، لكنها مع ذلك أكثر شيوعًا ويمكن قياسها بتمعن. على هذا يمكننا استخدام هذه النجوم لمعايرة قياساتنا للمجرات الأقرب، التي رُصدت باستخدام المستعرات العظمى.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف مجرة عملاقة أضاءت الكون مباشرةً بعد الانفجار العظيم

إلى أين ستنقلنا الثقوب السوداء؟

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر