كتبه: غوراف خانا – GAURAV KHANNA، أستاذ الفيزياء في جامعة ماساتشوستس دارتموث.

لطالما استحوذ السفر عبر الزمن على مخيّلة علماء الفيزياء والأشخاص العاديين على حدٍ سواء.

ولكن هل السفر عبر الزمن ممكن حقًا؟ بالطبع ممكن.

نحن نسافر عبر الزمن الآن، أليس كذلك؟ نحن نسافر جميعًا إلى المستقبل في كلّ ثانيةٍ نعيشها.

ولكنّ الأمر ليس كما تفكّر فيه؛ هل نستطيع أن نسافر بشكلٍ أسرع إلى المستقبل؟ بالتأكيد.

إذا تمكنّا من السفر بسرعةٍ تُقارب سرعة الضوء أو بالقرب من ثُقبٍ أسود، سيتباطأ الزمن مُتيحًا أمامنا السفر بشكلٍ اعتباطيّ أكثر نحو المستقبل، ولكنّ السؤال الأكثر إثارةً للاهتمام: هل يمكننا السفر رجوعًا نحو الماضي؟

أنا بروفيسور الفيزياء في جامعة ماساشوستس في دراتموث، وقد سمعت للمرة الأولى عن السفر عبر الزمن عندما كنتُ في السابعة من أحد حلقات البرنامج الشهير (الكون – Cosmos) الذي قدّمه كارل ساغان في ثمانينات القرن الماضي.

قررتُ حينها أنّني في يومٍ ما سأبحث بشكلٍ معمّق عن النظريّة التي تصف تلك الأفكار الرائعة والفريدة ألا وهي نسبيّة آينشتاين.

بعد عشرين عامًا ظهرتُ للعلن بشهادة دكتوراة في حقل الفيزياء وأصبحت باحثًا فعّالًا في نسبيّة آينشتاين منذ ذلك الحين.

الآن، نشرت إحدى طالبات الدكتوراه ورقةً بحثيّةً في صحيفة “الجاذبيّة الكلاسيكيّة والكوانتيّة”.

تصف تلك الورقة كيفيّة بناء آلة زمنٍ باستخدام بناءٍ بسيط.

منحنيات الزمن المغلقة

تسمح نظرية آينشتاين للنسبيّة العامة باحتمال انثناء الزمن لدرجةٍ عاليةٍ بحيث ينطوي على نفسه، ما يسبّب حلقةً زمنيّة.

تخيّل أنّك تسافر على طول هذه الحلقة؛ هذا يعني أنّه في نقطةٍ معيّنة سينتهي بك المطاف في نقطةٍ من الماضي وستبدأ بتجربة تلك اللحظات نفسها من جديد وبشكلٍ متكرر، شيء يشبه (الديجا فو – deja vu) باستثناء أنّك لا تشعر بذلك.

يُشار إلى مثل هذه البِنى بمصطلح (منحنيات الزمن المغلقة – closed time-like curves) أو اختصارًا (CTCs)، كما يُشار إليها في أدبيات البحث بـ “آلة الزمن”.

آلة الزمن هي عبارة عن نتيجة ثانويّة للمخططات الفعّالة للسفر بسرعة أسرع من سرعة الضوء، والتي يُمكننا بواسطة فهمها تحسين فهمنا لكيفيّة عمل الكون.

عبر العقود الماضية القليلة أنتج علماء فيزياء معروفون مثل (كيب ثورن -Kip Thorne)  و(ستفين هوكينغ – Stephen Hawking) أعمالًا مبدئيّةً حول نماذج تتعلق بآلات الزمن.

وأظهر الاستنتاج العام من الأبحاث السابقة، بما فيها تلك التي قام بها ثورن وهوكينغ، أنّ الطبيعة تمنع وجود حلقات الزمن.

لعلّ أفضل شرح لذلك موجود في كتاب هوكينغ “تخمين حماية التسلسل الزمنيّ”، والذي يصرّح بشكلٍ أساسيّ أنّ الطبيعة لا تسمح بتغيير تاريخها الماضي، وبالتالي يُجنبنا هذا المفارقات التي ستظهر في حال كان السفر عبر الزمن ممكنًا.

لعلّ أكثر مفارقةٍ معروفةٍ بين جميع تلك المفارقات التي ظهرت نتيجة للسفر عبر الزمن هي “مفارقة الجدّ”.

في هذه المفارقة يعود المسافر إلى الماضي ويقتل جده، سيغيّر هذا مسار التاريخ بطريقة تُظهر تناقضًا؛ بحيث لا يُمكن أن يولد المسافر وبالتالي لا يمكنه أن يوجد.

يوجد العديد من الأفلام والحبكات الروائيّة التي تستند إلى المفارقات التي نتجت عن السفر عبر الزمن، لعلّ أشهرها أفلام (العودة إلى المستقبل – Back to the Future) و(يوم شاق – Groundhog Day).

المادّة المبهمة

بالاعتماد على التفاصيل، قد تتدخل ظواهر فيزيائيّة مختلفة لمنع تطوّر منحنيات الزمن المغلقة في النظام الفيزيائيّ.

الظاهرة الأكثر شيوعًا هي الحاجة إلى نوع معيّن من المادّة “المبهمة” والتي يجب أن تتواجد حتّى نتمكن من خلق حلقةٍ زمنيّة.

لنتحدث بشكلٍ موسّع، إنّ المادّة المبهمة هي مادّة تمتلك كتلةً سلبيّة.

المشكلة تكمن في أنّ الكتلة السلبيّة لا يُعرف لها وجود في الطبيعة.

نشرت طالبة الدكتوراة كارولين مالاري نموذجًا جديدًا لآلة الزمن في صحيفة الجاذبيّة الكلاسيكيّة والكوانتيّة، بحيث لا يتطلّب هذا النموذج الجديد أيّ كتلة سلبيّة، كما أنّه يُوفّر تصميمًا بسيطًا.

يتكون نموذج مالاري من سيارتين طويلتين جدًا، تُصنعان من موادٍ غير مبهمة وتمتلكان كتلةّ إيجابيّة، متوقفتين بشكلٍ متوازٍ.

تتحرك السيارة الأولى بسرعةٍ كبيرةٍ تاركةً الأخرى متوقّفة. تمكّنت مالاري من إظهار أنّه وبواسطة هذا النظام يمكنها أن توجِد حلقة الزمن في المسافة المُتشكِّلة بين السيارتين.

هل تستطيع بناء مثل هذا النموذج في حديقة منزلك؟

إذا كنت تعتقد أنّ هناك مصيدة فأنت على حقّ.

يتطلّب نموذج مالاري امتلاك مركز كلّ سيارة كثافة لا نهائيّة وهذا يعني وجود أجسامٍ تُدعى “المتفردات”، بالإضافة إلى وجود درجة حرارة، وضغط، وكثافة لا نهائيّين.

علاوة على ذلك، على عكس المتفردات الموجودة داخل الثقوب السوداء -والتي يستحيل الوصول إليها- فإنّ المتفردات الموجودة في نموذج مالاري عاريةٌ تمامًا ويمكن ملاحظتها، ولهذا فإنّ لها أثرًا فيزيائيًا حقيقيًا.

لا يعتقد علماء الفيزياء أنّه يمكن لمثل هذه الأجسام الغريبة أن تتواجد في الطبيعة.

لذا للأسف لا يمكن الحصول على آلة الزمن في أيّ وقتٍ قريب.

ومع ذلك، يُظهر هذا العمل أنّ على الفيزيائيين أن يُعيدوا صقل أفكارهم حول استحالة وجود منحنيات الزمن المغلقة.


  • ترجمة: مازن سفّان
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر