ربما لم تسمع بنظرية العقد من قبل، ولكن تبعًا للباحث في نظرية العقد بيل مناسكو؛ فإنّ هذا الحقل الغني بالجوانب الجمالية والتحديات الفكرية في الرياضيات قطع شوطًا كبيراً منذ قدومه إليه حتى الآن، ونما باتجاهات مختلفة بعد أن كان مقصورًا على فئة معينة من العلماء.

يُعنى هذا المجال بدراسة العقد الرياضية التي لا نهاية لها على خلاف عقد العالَم الحقيقي، ويمكن تصوّر كل واحدة منها على أنها وتر يلتفّ حول نفسه عددًا محددًا من المرات ثم يعيد الاتصال بنفسه بطريقة أخرى مشكلًا حلقة مغلقة.

واليوم نحن نعلم أنّ دراسة العقد قد تفتح لنا المجال أمام تطبيقات ربما تفاجئنا، مثل تمكين شركات الأمن من إنشاء أنظمة تشفير أفضل، أو تفسير قدرة الجسم على تفكيك الحمض النووي.

تعدّ العقد من أوائل التقنيات التي اخترعها أجدادنا قديمًا، ولو بحثنا فسنجدها في مختلف ثقافات العالم؛ في الفن الآسيوي مثلما في التقاليد السلتية، وهناك العقدة الثمانية التي تتقاطع مع نفسها أربع مرات، وهي عقدة يعرفها البحارون جيّدًا.

أمّا عن كيفية التفريق بين عقدتين، فيوضح مناسكو أن العقد حتى عندما تبدو مختلفة لدرجة كبيرة، يمكن التلاعب فيها فيزيائيًا عن طريق سحب أقسام من الوتر أو قلبها حتى نحصل على عقد متماثلة، ومن أجل التغلب على ذلك تهدف النظرية إلى ترتيب معلومات العقد في شيفرات، مثل ما يحدث عند تحويلها إلى تعابير جبرية باستطاعتها التفرقة بين عقدة والأخرى، ورغم تمكن الخبراء من ابتكار تعابير يمكنها التفريق بين بعض العقد، إلّا أنّ الحصول على صيغة شاملة قادرة على وصف كل عقدة بشكل مميز أمرٌ صعب المنال.

تُستخدم نظرية العُقد في الفيزياء والأحياء وحقول أخرى، فمن أجل أن تنقسم الخلايا يجب أن يتضاعف الحمض النووي داخلها، الأمر الذي يتطلب انفصال سلسلتي الحمض النووي، لتولّد كل سلسلة نسخة ثانية ترتبط بها ثم تنفصل، ويجري ذلك بمساعدة الأنزيمات، وتقدم نظرية العقد لمحة عن مدى صعوبة تفكيك أنواع متعددة من الحمض النووي وإعادة ربطها، مسلطة الضوء بذلك على مقدار الوقت الذي تستلزمه الأنزيمات لأداء عملها.

وخلال إحدى التجارب وضع العلماء مجموعة الأوتار مع بعضها البعض داخل صندوق في محاولة لمعرفة أسباب التشابك، الأمر الذي استطاعوا استنتاجه من هذه التجربة هو أن تخزين سماعات الأذن وشواحن الهواتف وأية توصيلات مزعجة في صناديق أصغر يجنّب تشكّل العقد!

يشير منساكو أن هذه النظرية ظهرت بدايةً في ستينات القرن التاسع عشر، عندما كان العلماء يحاولون فهم طبيعة المادة، في ذلك الوقت، لم يكن الناس قد عرفوا بعد أن الذرات تتكون من نوى تحيطها الإلكترونات، وكان تصوّر لورد كلفن يفترض أن وحدات البناء الأساسية للمادة هي عُقد تتخلّل الأثير “مادة مفترضة تنتشر في الفضاء” وأنّ العناصر المختلفة من هيدروجين وأوكسجين وذهب وغيرها كوّنتها أنواع مختلفة من العقد.

في تلك الفترة، وبناءً على نظرية كلفن، بدأ الفيزيائي الاسكتلندي بيتر غوثري تيت دراسة موسعة لجدولة العقد بهدف فهم كيفية التفريق بين عقدة وأخرى، وابتكر أساسات جدول دوري للعقد، يكون فيه الهيدروجين عنصرًا لاعقديًا، أمّا العناصر الأخرى فكلّما كانت أثقل شكّلت عقدًا تتقاطع فيها الأوتار عددًا أكبر من المرات.

ومع الوقت فقد العلماء اهتمامهم بنظرية كلفن التي أثبتت خطأها، إلّا أن الرياضيون انتبهوا فيما بعد لما قام به تيت، واكتشفوا أنّه وضع بين أيديهم تصنيفًا يشمل كل العقد التي تندرج تحت فئة عشرة تقاطعات أو أقل، كان هذا العمل رائعًا لأن هذا الجدول استطاع الحفاظ على ثبات معظم بياناته لمئة عام لاحقة.

وُضعت إحدى تصحيحات الجدول عام 1973، عندما اكتشف كينيث بيركو تطابق اثنتين من عقد تيت ذات التقاطعات العشرة، وعرفت هذه العقد فيما بعد باسم زوج بيركو، مما قلّل عدد العقد المعروفة بعشرة تقاطعات من 166 إلى 165 عقدة.

يعمل مناسكو الآن على إعداد كتاب حول الاكتشافات الرياضية التي وصلوا إليها خلال 30 عام من الشراكة في البحث والدراسة مع جون بيرمان من جامعة كولومبيا ومع جامعة برنارد، ويبحث هذا الكتاب في السطوح ثنائية البعد المرتبطة بعقد وروابط، هي عبارة عن سلاسل من عقد متعددة متصلة مع بعضها البعض.