أصبح (الألفا جو – AlphaGo) أحد أكثر الأسماء المألوفة في مجال الذكاء الاصطناعي بعد أن علّم نفسه كيفيّة لعب اللعبة الصينية القديمة Go ومن ثمّ قام بهزيمة أفضل لاعب بشري للعبة في العالم. كما وتستخدم السيارات ذاتية القيادة أنظمة الذكاء الاصطناعي لتتعلم الركن أو الاندماج في حركة المرور من خلال التدرب على آليات القيادة مرارًا وتكرارًا حتى تصبح قادرة على تنفيذها بالشكل الصحيح.

من الواضح أنّ برامج الذكاء الاصطناعي جيّدة في تدريب نفسها على الفوز والوصول إلى الحد الكمال. لكنّ ماذا لو كان النجاح يتمثّل بتحقيق التوازن؟

في عمليّة علاج السرطان، يسعى الأطباء لمعالجة المرضى بواسطة جرعات من العقاقير القادرة على قتل أكبر عدد ممكن من الخلايا السرطانية كما ويسعون بالمقابل إلى الحد من قتل الخلايا السليمة بأكبر قدر ممكن. بكلماتٍ أخرى، فإنّ الأطباء يحاولون تحقيق التوازن بين تقليص الورم السرطاني والتقليل من الآثار الجانبية للعلاج.

يقول الباحث الرئيسي (براتيك شاه -Pratik Shah) من مختبر(MIT Media): «لقد قلنا مهلاً، يبدو الأمر كمهمة للبحث عن مشكلة في طريقة تعلّم الذكاء الاصطناعي، وتحسينها».

قدّم كل من شاه والباحث (غريغوري يوني -Gregory Yauney) نظام ذكاء اصطناعي يتعلم ذاتيًا والذي سيقوم بتحقيق هذا التوازن في مؤتمر 2018 (لتعلّم الآلات المختصة في مجال الرعاية الصحية -Machine Learning for Healthcare conference) في جامعة ستانفورد. بعد تدريب الآلة بواسطة استخدام بيانات حقيقية لمريض يعاني من نوع مميت من سرطان الدماغ، قام نظام الذكاء الاصطناعي بالتنبؤ بجرعات الدواء الخاصة بهذا المريض والتي تقلص حجم الأورام وتحدّ أيضًا من الآثار الجانبية.

حتّى الآن، يقوم الأطباء باختيار نظام الجرعات الخاصّة بالمريض بواسطة استخدام بروتوكولات مبنية على دراسات أُستخلِصَت بواسطة التجارب على الحيوانات بالإضافة إلى تجارب سريرية سابقة، بعضها يعود إلى الخمسينات أو حتى قبل ذلك. وجد الباحث شاه أنّ هناك مجالًا للتحسين من نظام الجرعات لذلك قرر مع يوني التركيز على الورم الأرومي الدبقي (glioblastoma)، وهو نوع من أنواع سرطان الدماغ، وذلك يعود لكون الورم يُعالج بواسطة جرعة كبيرة من العلاج الكيميائي بالإضافة إلى العلاج الإشعاعي لتقليصه في أسرع وقت ممكن، ما قد يؤدي إلى التأثير سلبيًّا بشكل ملحوظ على المرضى.

«الهدف الأساسي من محاولاتنا هو التقليل بأكبر قدر ممكن من كميّة السموم وكمية الجرعات التي تُعطى للمرضى الذين يعانون من هذا المرض» ، يصرّح شاه.

لم يكن هدفًا سهلًا للتحقيق. بدايةً، حاولا حل المسألة عن طريق بناء شبكة عصبية خاضعة للإشراف والتي تعمل بواسطة تصنيف البيانات، لكنّ هذا لم ينجح. يقول شاه: «إنّ بيانات البحث كبيرة جدًا، وحتى بنو البشر غير قادرين على معرفة الإجابة الصحيحة». ثمّ، اعتقدوا أنّها قد تكون مسألة تتعلق بالأوتوماتيكيّة (automation problem) وبحسب ذلك ظنّا أنّ النظام يحتاج فقط إلى أن يقال له ما يجب القيام به. لم يكن ذلك هو الحل أيضًا فقد قام نظام الذكاء الاصطناعي باقتراح كمية زائدة من الجرعات.

في نهاية المطاف، غيّرا الوجهة المتّبعة إلى التعلم المعزز (reinforcement learning(RL))، وهي تقنية يقوم فيها برنامج الذكاء الصنعي بالتعلّم عن طريق التجربة والفشل، حتى يدرك صحّة سلوك معين ويقوم باتباعه كي يحقق أقصى مكافأة ممكنة. هكذا على سبيل المثال يفوز برنامج DeepMind من Google في العديد من الألعاب.

لكنّ في هذه الحالة، قام الباحثون بتعديل نموذج التعلم المعزز RL، منشئين ما يسمونه “نهجًا غير تقليدي (unorthodox approach)”. فبدلًا من توجيه برنامج الذكاء الاصطناعي نحو هدف واحد، مثل الفوز بلعبة Go أو إيقاف سيارة، قاموا ببرمجتها لتحقيق التوازن بين تقليص الورم قدر الإمكان والحد من كميّة وعدد الجرعات بواسطة تحفيز هذه الأهداف بالجوائز.

تمّ تدريب النموذج باستخدام بيانات التجارب السريرية العائدة لـ 50 مريضًا بسرطان الأرومة الدبقية. كما وأجرى الذكاء الاصطناعي حوالي 20000 اختبار تجربة وخطأ على نسخ تحاكي الوضع الصحي للمرضى. عند تحديد الذكاء الاصطناعي لجرعة معيّنة، فإنّه سيُكافأ إذا قامت هذه الجرعة بتقليص حجم الورم الكلي. لكنّه بالمقابل سيُعاقَب، إذا حدد للمريض مجموعة كبيرة من الجرعات، حفّزت هذه الطريقة الذكاء الاصطناعي على اختيار جرعات أقل قدر الإمكان.

بعد ذلك اختبر الباحثان الذكاء الاصطناعي على محاكاة تابعة لـ 50 مريضًا جديدًا. وكانت النتيجة أنّ الجرعات المحددة من قبل الذكاء الاصطناعي قلّصت بشكل كبير من حجم الورم كما وأدّت إلى خفض عدد وحجم جرعات الدواء المُستخدمة على المريض، مقارنة مع أنظمة العلاج المُستخدمة حاليًا من قبل الأطباء.

لم يتمّ اختبار هذه التقنية على مرضى حقيقيين بعد. يُجري الباحثان حاليًا مناقشات مع الهيئات التنظيمية والمستشفيات الأكاديمية حول اختيار مواقع التجارب السريرية لتجربة الذكاء الاصطناعي. كما ويتوقّع شاه أن يتمّ استخدامه من قِبَل الأطباء والمرضى كوسيلة تحديد لكميّة الجرعات المحتملة، هذا على الرغم من كون القرار النهائي في المستقبل سيكون أيضًا بين يدي الطبيب المُعالج.


  • ترجمة: مهران يوسف
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر