كشفت أدلّة جديدة بواسطة كيمياء الطب الجنائي (الفورنسيكي) أنّ النيزك المُسمَّى هيباتيا -نسبة إلى العالمة المصرية السكندرية هيباتيا- الذي عُثر عليه في الصحراء المصرية، سيكون أول دليل ملموس على الأرض نتج عن انفجار مستعر أعظم (سوبر نوفا) من نوع (1a). ومن دون أدنى شك تُعد هذه الانفجارات النجمية النادرة واحدة من أكثر الظواهر تألقًا في الكون.

هذا هو الاستنتاج الذي خلصت إليه دراسة جديدة نشرت في مجلة إيكاروس، قدمها فريق من الباحثين من جامعة جوهانسبرج من ضمنهم جان كرامرز وجورجى بليانين وهارتموت وينكلر وآخرون.

منذ عام 2013، اكتشف الباحثان بليانين و كرامرز عدة دلائل كيميائية غير عادية في أثناء فحصهم شظية صغيرة من نيزك هيباتيا.

وقد مكّنهم بحثهم الجديد من استبعاد كل الاحتمالات المشكوك في صحتها حول أصل نيزك هيباتيا بإجراء عملية فحص دقيقة وشاقة، إذ صمموا مخططًا زمنيًا يبدأ من المراحل المبكرة لتشكّل منظومتنا الشمسية.

مخطط زمني كوني

بدأت فرضية العلماء حول أصل نيزك هيباتيا بحدوث انهيار لنجم أحمر عملاق متحولاً إلى طور قزم أبيض، مُخلّفًا عن هذا الانهيار سحابة غبار عملاقة تسمى السّديم.

في أثناء ذلك، أضحى القزم الأبيض فى نظام ثنائي مع نجم آخر حيث يدور أحدهما حول الآخر. وفي النهاية، التهم القزم الأبيض النجم الآخر. وفي مرحلة ما انفجر القزم الأبيض داخل سحابة الغبار كمستعر أعظم من نوع 1a.

بعد حدوث عملية التبريد، بدأت ذرات الغاز المتبقية من المستعر الأعظم 1a بالالتصاق بجزيئات من سحابة الغبار المحيطة.

قال كرامرز: «لقد رصدنا انفجار مستعر أعظم من النوع 1a، في أثناء حدوثه، باكتشاف أثر ذرات الغاز الناتجة عن الانفجار الموجودة في سحابة الغبار المحيطة التي قادت في النهاية إلى تشكيل الجسم الأم الأصلي الذي سيخرج منه نيزك هيباتيا».

من المستحيل أن تتفاعل فقاعة الغبار والغاز الخاصة بهذا المستعر الأعظم مع سحب غبار أخرى، إذ ستمر ملايين السنين إلى أن تتحول هذه الفقاعة ببطء إلى مادة صلبة في شكل تكتلات من الغبار الكوني. وعلى هذا سيصبح الجسم الأم -الذي سيخرج منه نيزك هيباتيا- صخرة صلبة في وقت مبكر من مراحل تشكل منظومتنا الشمسية.

بحسب ما جاء في الدراسة، إن هذه العملية ربما حدثت في الجزء الخارجي البارد والأكثر هدوءًا في منظومتنا الشمسية حيث تقع سحابة أورت أو في حزام كايبر.

وبناءً على ذلك، بدأ الجسم الأم لنيزك هيباتيا في الاندفاع نحو كوكب الأرض ومن ثم تشكلت قطع صغيرة من الماس تسببت بتحطيم الجسم الأم لنيزك هيباتيا بفعل الحرارة المرتفعة أثناء اختراق الغلاف الجوي للأرض، إضافةً إلى الضغط الهائل الناتج لحظة الارتطام بسطح الأرض في صحراء جنوب مصر. ونتيجة لما حدث فإن نيزك هيباتيا كان جزءا ضمن أجزاء أو شظايا للصخرة الأصلية المرتطمة بالأرض.

أضاف كرامرز: «إذا ثبتت صحة فرضيتنا، فإن نيزك هيباتيا سيكون أول دليل مادي على كوكب الأرض يكشف حدوث انفجار مستعر أعظم من نوع 1a، وسيوضح لنا أن حزمة شاذة من الغبار في الفضاء الخارجي يُمكنها الاندماج في السديم الشمسي -الذي تشكل في منظومتنا الشمسية- دون الحاجة إلى الاختلاط الكلي وهذا بالطبع يعارض وجهة النظر التقليدية التى تزعم أن الغبار الكوني الذي تشكلت منه منظومتنا الشمسية كان مختلطًا تمامًا».

ثلاثة ملايين فولت في عينة صغيرة جدًا

استخدم الباحثون عدة تقنيات لتحليل نيزك هيباتيا ورسم المخطط الزمني لتشكله.

في عام 2015، أظهرت دراسة نظائر الأرجون المشعة، أن نيزك هيباتيا تشكل خارج كوكب الأرض. ومن ناحية أخرى، أظهرت دراسة عام 2015 بناء على فحص الغازات النبيلة الموجودة في الشظية أن نيزك هيباتيا لا يندرج تحت أي نوع مُكتشف من النيازك أو المذنبات.

إضافةً إلى ما سبق، نشر فريق من الباحثين من جامعة جوهانسبرج عام 2018 دراسة شملت تحليلات متنوعة، كان من ضمنها اكتشاف معدن فوسفيد النيكل في عينة النيزك، وهو معدن لم يعثر عليه سابقًا في أي جسم في منظومتنا الشمسية.

وعلى هذا المنهاج، اتضح أنه من الصعوبة بمكان مواصلة إجراء مزيد من الفحص والتحليل على نيزك هيباتيا لأن المعدات التي بحوزة الباحثين لم تُمكّنهم من الفحص الدقيق للمعادن النزرة المرجو معاينتها بالتفصيل، إذ احتاجوا إلى معدات أكثر فاعلية ودقة من شأنها ألا تُدمر العينة الصغيرة، ومن هنا بدأ كرامرز في تحليل قاعدة بيانات أنشأها بليانين منذ بضع سنوات.

في عام 2015، أجرى بليانين سلسلة من التحليلات بواسطة شعاع من البروتون في مختبرات إي ثيمبا في غرب سومرست. في ذلك الوقت قام الدكتور فويتشخ برزيبيلوفيتش بتشغيل ماكينة قدرتها ثلاثة ملايين فولت تعمل بكامل طاقتها.

البحث عن نموذج

أوضح كارمرز: «عوضًا عن اكتشاف كل الظواهر المتفردة التى يعرضها نيزك هيباتيا، أردنا اكتشاف نموذج كيمائي ثابت يُشكل البنية الخاصة بنيزك هيباتيا».
وعلى أساسه حدد بليانين سبعة عشر موقعًا في العينة الصغيرة بعناية فائقة لكي يُجري فحصه. وقد حُددت هذه المواقع بحيث تكون بعيدة عن أماكن وجود المعادن الأرضية التي تشكلت في شقوق الصخرة الأصلية بعد ارتطامها بالأرض في الصحراء.

قال بليانين: «لقد حددنا خمسة عشر عنصرًا مختلفًا في نيزك هيباتيا بدقة عالية بواسطة المِجس البروتوني الميكروني الدقيق. هذه التقنية أعطتنا المكونات الكيميائية المطلوبة كي يبدأ كرامرز العملية التالية بتحليل كل البيانات المتاحة».

تقنية الشعاع البروتوني تستبعد احتمالية تشكل هيباتيا في منظومتنا الشمسية

كان أول دليل يتوصل إليه الباحثون إثر تحليلات شعاع البروتون، هو انخفاض مستوى السيليكون -بخلاف المتوقع- في المواقع التي فُحصت في عينة نيزك هيباتيا. فكانت نسبة السيليكون بجانب الكروم والمنجنيز تمثل أقل من 1 % وهذه النسبة تبدو أقل من المتوقع وجودها في جسم قد تشكل داخل منظومتنا الشمسية.

علاوة على ذلك، كانت هناك نسب مرتفعة استثنائيًا وواضحة جدًا من عناصر الحديد والكبريت والفوسفور والنحاس والفاناديوم.

قال كرامرز: «لقد وجدنا نموذجًا ثابتًا من وفرة الفلزات النزرة التي لا مثيل لوجودها في أي جسم في منظومتنا الشمسية سواء أكان شيئًا بدائيًا أم متطورًا. وبالمثل أيضًا فإن الأجسام الموجودة في حزام الكويكبات والنيازك لا تتطابق مع أي من هذه النتائج أيضًا، لذا وجّهنا بحثنا إلى خارج المنظومة الشمسية».

ليس من جيراننا

من هنا قارن كرامرز بين النموذج الذي يحوي تركيزات العناصر الموجودة في نيزك هيباتيا وبين النموذج الذي يُتوقع إيجاده في الغبار بين النجوم في الذراع الشمسي لمجرة درب التباتة.

أضاف كرامرز: «لقد فحصنا النموذج الذي حصلنا عليه من الغبار المتوسط الموجود بين النجوم في ذراع مجرتنا، فلم نجد أى تطابق مع ما اكتشفناه في نيزك هيباتيا إذ لا يوجد أي تشابه على الإطلاق».

في هذه المرحلة، استبعدت تقنية الشعاع البروتوني أربعة شكوك أخرى حول أصل المكان الذي ربما تشكل فيه نيزك هيباتيا. لم يتشكل هيباتيا على الأرض ولم يكن جزءًا من أي نوع معروف من المذنبات أو النيازك، ولم يتشكل من الغبار الداخلي الموجود في منظومتنا الشمسية ولا من الغبار الموجود بين النجوم أيضًا.

ليس عملاقًا أحمر

من جهة أخرى، يعد التفسير الأبسط لنموذج تركيز العناصر الموجودة في نيزك هيباتيا كونه جزءًا من نجم عملاق أحمر، وكما هو معروف أن العمالقة الحمراء منتشرة بكثرة في الكون.

وعلى النقيض من ذلك، استبعدت بيانات تقنية الشعاع البروتوني احتمالية تدفق الكتلة من نجم أحمر عملاق إذ إن نيزك هيباتيا يحتوي على نسبة عالية جدًا من الحديد، وفي المقابل توجد نسبة ضئيلة من السيليكون وتركيزات ضئيلة جدًا من العناصر الثقيلة ذات كثافة أعلى من الحديد.

ليس مستعرًا أعظم النوع الثاني

لننتقل إلى الاحتمالية الثانية التي تفترض أن نيزك هيباتيا نتج عن مستعر أعظم من النوع الثاني الذي ينتج عنه الكثير من عنصر الحديد. ويعد هذا النوع من الانفجارات النجمية نوعًا شائعًا ضمن أنواع المستعرات العظمى.

ولكن مرة أخرى، تدحض بيانات الشعاع البروتوني هذه الاحتمالية الواعدة بمساعدة أدلة الطب الجنائي الفورنسيكي. فمن المستبعد جدًا أن يكون المستعر الأعظم من النوع الثاني مصدرًا للمعادن الغريبة مثل فوسفيد النيكل الذي وُجد في الشظايا، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الحديد مقارنة بنسبة السيليكون والكالسيوم.

حان الوقت لنفحص عن قرب الكيمياء المتوقعة لواحد من أكبر الانفجارات الهائلة في الكون.

مصنع العناصر الثقيلة

اكتشف العلماء نوعًا نادرًا من المستعرات العظمى الذي يصنع الكثير من محتوى الحديد. فالمستعر الأعظم النوع 1a، يحدث مرة أو مرتين فقط لكل مجرة في القرن. وبالرغم من ذلك فإنه المصدر الأساسي لمعظم محتوى الحديد في الكون، فمعظم محتوى الفولاذ على كوكب الأرض كان في يوم من الأيام تكوّن بانفجار مستعر أعظم من النوع 1a.

وتماشيًا مع ما سبق ذكره، يوضح العلم الثابت أن بعض المستعرات العظمى النوع 1a قد خلّفت وراءها أدلة مهمة جدًا فيما يخص كيمياء الطب الجنائي ويرجع السبب في هذا إلى طريقة انفجار المستعر الأعظم النوع 1a.

ينهار نجم أحمر عملاق في آخر دورة حياته متحولًا إلى نجم قزم أبيض ذي كثافة عالية. وغالبًا تبقى النجوم القزمة البيضاء مستقرة لفترات زمنية طويلة جدًا ومن غير المرجح أن تنفجر، ومع هذا توجد استثناءات.

فمثلًا، يبدأ النجم القزم الأبيض بجذب المادة من نجم آخر في نظام ثنائي يدور فيه النجمان أحدهما حول الآخر، ومن ثم يلتهم القزم الأبيض النجم المرافق له وبهذا يصبح ثقيلًا جدًا وساخنًا وغير مستقر، فينفجر متحولًا إلى مستعر أعظم من النوع 1a.

تُرجّح النماذج العلمية النظرية المُعترف بها أن الاندماج النووي الذي يحدث في أثناء انفجار المستعر الأعظم 1a، يجب أن يُخلّق نماذج غير تقليدية للغاية لتركيزات العناصر المختلفة.

ومن جهة أخرى، فإن القزم الأبيض حين ينفجر ليتحول إلى مستعر أعظم 1a، لا ينفجر إلى أجزاء فحسب بل ينفجر كليًا إلى ذرات. فالمادة التي يُشكلها المستعر الأعظم تنتشر في الفضاء على شكل ذرات غازية.

استنادًا إلى ما سبق، لم يتمكن الفريق من تحديد أي مادة ذات تركيب كيميائي مشابه أو أكثر مقاربة مع التركيب الكيميائي لنيزك هيباتيا سوى مجموعة محددة من نماذج لمستعرات عظمى من نوع 1a، وهذا وفقًا لما جاء في بحث علمي موسع.

أدلة الطب الجنائي (الفورنسيكي)

يقول كارمرز: «تُظهر جميع بيانات المستعر الأعظم وان -ايه، والنماذج النظرية، أن نسب عنصر الحديد أعلى قليلا من نسب الكالسيوم والسليكون مقارنة بتلك الموجودة في نماذج المستعر الأعظم النوع الثاني. وفي هذا الصدد، تتطابق بيانات الشعاع البروتوني حول نيزك هيباتيا مع بيانات نماذج المستعر الأعظم 1a».

وإجمالا، فإن ثمانية عناصر من أصل خمسة عشر عنصرًا تم تحليلها، تتوافق مع نطاقات النسب المتوقعة نسبةً إلى عنصر الحديد، وهذه العناصر تشمل السيليكون والكبريت والتيتانيوم والفاناديوم والكروم والمنجنيز والحديد والنيكل.

وبناءً على نتائج البحث لم تتطابق جميع العناصر الخمسة عشر الموجودة في نيزك هيباتيا مع التنبؤات. ففي ستة عناصر ضمن خمسة عشر عنصرًا، كانت النسب تترواح بين عشرة أضعاف ومئة ضعف النطاقات الموجودة في النماذج النظرية للمستعر الأعظم 1a، وهذه العناصر تشمل الألومنيوم والفسفور والكلور والبوتاسيوم والنحاس والزنك.

واختتم كرامرز حديثه قائلًا: «بما أن القزم الأبيض يتشكل من عملاق أحمر يحتضر، فربما ورث نيزك هيباتيا هذه العناصر الستة بتلك النسب من عملاق أحمر، وقد رُصدت هذه الظاهرة في نجوم قزمة بيضاء وفقا لما جاء في أبحاث أخرى».

خلاصة القول، إن أضحت هذه الفرضية صحيحة، فسيكون نيزك هيباتيا أول دليل ملموس على الأرض ناتج من انفجار مستعر أعظم (سوبر نوفا) من نوع 1a، وهو واحد من أكثر الأحداث تألقًا في كوننا الفسيح.

سيصبح نيزك هيباتيا الدليل القاطع على قصة كونية حدثت مع بواكير تشكل منظومتنا الشمسية، واكتُشف بعد سنوات عديدة في صحراء نائية متناثرًا مع الحصى الأخرى.

اقرأ أيضًا:

صخرة مرصعة بالألماس تسبح خارج الأرض تثير حيرة المراقبين

المستعر الأعظم ( السوبرنوفا ) – الحدث الأكثر تألقًا في الكون !

ترجمة: سوزان عثمان

تدقيق: مهدي أعور

المصدر