هل نحن أنانيون فطريًا أم متعاونون؟ هل تجعلنا المعتقدات والممارسات الدينية أكثر تعاونًا؟ أسئلة فلسفية وعلمية مستمرة لا نملك إجابة نهائية عنها بعد. للتوضيح، إن كلًا من المصلحة الشخصية وأخذ الآخرين بعين الاعتبار جزءان من الطبيعة البشرية، لكن ما يزال من غير الواضح إذا كان المتدينون متعاونين فطريًا مع بعضهم، وإذا كان غير المتدينين مختلفين على نحو ما عند مواجهة مقايضة بين مصلحة الجماعة والمصلحة الشخصية. درس الباحثون هذه الأسئلة في تجربة سلوكية حديثة، واللافت للنظر أن النتائج كانت على عكس الرأي المنتشر في المؤلفات الأدبية.

ما هي فرضية الاستدلال (الإرشاد) الاجتماعي ؟

إن الرأي المنتشر حول الأساس الفطري للتعاون في الأدب هو ما يسمى «فرضية الاستدلال الاجتماعي – Social Heuristics Hypothesis» أو SHH، وتتنبأ هذه الفرضية بأن البشر متعاونون فطريًا. بحسب هذه الفرضية، فإن الناس يحملون فكرة داخلية عن التعاون كاستراتيجية افتراضية تُطلق تلقائيًا كوسيلة استدلال وإرشاد. لأن مثل هذه الاختصارات توفر علينا الجهد العقلي، ولكون المللتعاون فيرء متعاونًا على العموم، فإنه يميل إلى تعزيز الاهتمام الذاتي بالتفاعلات الاجتماعية المتكررة.

على سبيل المثال، من المفيد أن تكون لطيفًا مع الذين تتعامل معهم دوريًا، لأن الناس يميلون إلى رد الجميل، ومن ثم، فإن التفاعلات المنتظمة في الشبكات الاجتماعية، كالمشاركة الدورية في التجمعات الدينية، يجب أن تؤدي إلى استدلالات وإرشادات اجتماعية.

ومع أن فرضية الاستدلال الاجتماعي تبدو منطقية تمامًا، فإن الدعم التجريبي لها كان متفاوتًا.

أظهرت سلسلة من التجارب بداية من عام 2012 أن التعاون يزداد في ظل التفكير الحدسي، ما يعني أن المساهمات المالية لأجل الصالح العام بتكلفة شخصية صافية تزداد عندما يتخذ الناس قرارهم بشكل عفوي (على سبيل المثال، عندما يكون الإنسان تحت الضغط). تكرر الوصول إلى هذه النتيجة من قبل المجموعة الأصلية من الباحثين، إضافة إلى بعض المجموعات المستقلة الأخرى، لكنها أيضًا فشلت في أن تتكرر في العديد من الدراسات الأخرى.

عندما جُمعت هذه الدراسات معًا لتحليلها، مرة أخرى، أيّد بعضها النتيجة الأولية للتعاون كحدس، بينما أظهرت أخرى أن التأثير الداخلي كان صغيرًا جدًا، إن لم يكن معدومًا، واعتمد على تلاعب أولي معين (كالدافع للاعتماد على العواطف) والذي من المحتمل أن يُعد كمشاكل منهجية عند من يقوم بالتجربة.

هل نحن أنانيون فطريًا أم متعاونون؟ هل تجعلنا المعتقدات والممارسات الدينية أكثر تعاونًا؟ أم أكثر تعاونًا؟ ما هي فرضية الاستدلال (الإرشاد) الاجتماعي

ماذا لو كان البشر أنانيين غريزيًا؟

بينما استمرت الخلافات حول الفرضية السابقة، اقتُرحت نظرية بديلة من الأساس الحدسي للتعاون، والتي تنبأت بعكس ما تنبأت به SHH، وهي ما تُسمى: Self-control Account أو SCA.

على عكس SHH، فإن SCA ترى أن الناس أنانيون فطريًا، وعلى الأرجح أنه مجرد رد فعل عفوي داخلي من أجل حماية الفرد نفسَه، ما قد يجعل الناس يميلون إلى التعاون بتكلفة شخصية صافية، ويفعلون ذلك فقط إلى الحد الذي يجعلهم يقاومون هذه الدوافع الأنانية من خلال التفكير بطريقة عكسية.

في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة Nature Human Behavior، قارن الباحثون نظريًا هذين النموذجين النظريين المتناقضين (SHH و SCA) في سياق التعاون الديني.

شارك أكثر من 2500 مسيحي وملحد في الولايات المتحدة في هذه التجربة عبر الانترنت، ولعبوا لعبة تعاونية تسمى «معضلة السجين – Prisoner’s Dilemma»، حيث يواجه كل لاعب إما لاعبًا مسيحيًا آخر أو لاعبًا ملحدًا آخر. مُنح اللاعبون بعض المال لخوض اللعبة، وسُئلوا عن كمية المال التي يرغبون بتحويلها إلى الطرف الأخر، علمًا أنه سيتم مضاعفة الأموال التي يتم تحويلها.

كلما زاد المال الذي يمنحه أحدهم إلى الطرف الآخر زاد إجمالي المدفوعات (الصالح العام) وقل المبلغ الذي يحتفظ به الشخص من المبلغ الأصلي (المصلحة الخاصة)، ومن ثم، فإن الأموال الممنوحة إلى اللاعب الآخر هي مقياس الباحثين للتعاون في معضلة اجتماعية بين المصلحة الذاتية وأخذ الآخر بعين الاعتبار. لعب نصف المشاركين هذه اللعبة ضد من يملك التوجه الديني نفسه، بينما لعب النصف الآخر ضد من يملك التوجه الديني المختلف.

علاوة على ذلك، ولمعرفة تأثير التفكير الحدسي والانعكاسي على التعاون، اتخذ نصف المشاركين قرارهم تحت ضغط 10 ثوانٍ من الزمن (لتحفيز التفكير الفطري)، بينما اضطر النصف الآخر إلى الانتظار 20 ثانية على الأقل قبل اتخاذ القرار (للسماح لهم بالتفكير والتأمل).

والمفاجأة كانت أن النتائج أظهرت دعمًا لنظرية SCA الأنانية، نقيضة SHH التي تسيطر على الأدبيات. على وجه التحديد، في هذه الاختبارات التي تمتلك أعلى قوة إحصائية، لم يجد الباحثون أي دليل على تعاون فطري، بل وجدوا دليلًا على أن التفكير يزيد التعاون.

أولًا، حصل تكرار لحادثة الانحياز الجماعي، فقد تعاون كل من المسيحيين والملحدين مع أعضاء مجموعتهم أكثر، علاوة على ذلك، بدا أن المشاركين، وخاصةً المسيحيين، قادرون على مقاومة دوافعهم الأنانية، والتعاون بدلًا من ذلك عندما يكون لديهم الوقت للتفكير والتأمل في قرارتهم. كان هذا التأثير مستقلا عن الهوية الدينية لشريك اللاعب، وظل مستقرًا حتى عندما تم تضمين فقط أولئك الذين فهموا منطق اللعبة الاقتصادية أو فقط أولئك الذين لعبوا هذه اللعبة لأول مرة في هذه الاختبارات.

باختصار، وجد الباحثون دليلًا على كل من الأنانية الفطرية ونموذج التعاون SCA، وأظهروا أن هذا النموذج صالح بصرف النظر عن أعضاء المجموعة.

تشير هذه النتائج إلى أن التفكير يساعد في التخفيف من مشاكل التعاون بين أعضاء الجماعات الدينية المختلفة وتضيف اتجاهًا جديدًا للبحث في المستقبل.

اقرأ أيضًا:

ما هو مصدر الأخلاق لدى الإنسان؟

هل النساء أقل أنانية؟ إليك ما وجدته الدراسة فعلًا

ترجمة: وائل المشنتف

تدقيق: عبد الرحمن داده

المصدر