مع أن شخصية الإنسان تظل مستقرة على مدى حياته كاملة، فإنها تبقى أيضًا مرنة إلى حد ما، وذلك وفقًا لمراجعة تُظهر أن الشخصيات قد تتغير بمرور الوقت، وفيها نذكر إرشادات للأشخاص الراغبين في تغيير شخصياتهم بطريقة ما.

وجد المؤلفون أربعة عناصر توفر الدعم لتغيير الشخصية، وهي: الشروط المسبقة، والمحفزات، والمعززات، والتكاملية، ونُشرت المراجعة في Nature Reviews Psychology.

إن اللقاء بصديق قديم والتواصل معه مجددًا دون عناء يذكّر الشخص بمدى قلة تغير شخصيته بمرور الوقت. ولكن يرغب الشخص أحيانًا في التغيير مع أمل بتحسين هويته وشخصيته. قد تكون هناك أيضًا جروح عانت منها شخصية الإنسان، وجعلته يرغب في التراجع عنها ومحوها.

تستكشف مراجعة جديدة مفصلة العوامل التي تسهم في تغيير الشخصية أو منع تغيرها، إذ تقدم نوعًا من خارطة طريق تقريبية لإحداث مثل هذه التعديلات، وتكشف عن بعض العقبات التي تزيد صعوبة التغيير الدائم المستمر، وكيفية التغلب عليها.

قد تحد شخصية الإنسان وسماتها من وصوله إلى الأشياء التي يريدها في الحياة. قد يرغب في أن يكون أقل وحدةً، أو أقل قلقًا أو أكثر نجاحًا، أو ببساطة أكثر سعادةً، مع تعديلات السلوك لأن شخصيته الحالية تبدو غير قادرة على دعم رغباته كفايةً.

من الأفكار المذهلة للمراجعة هي أن شخصية الفرد لا تتوطد تمامًا مطلقًا، ومع إنها تميل إلى الاستقرار إلى حد كبير على المدى الطويل، فهي تبقى مرنة طوال فترة حياته.

لذلك، ومع أنه من غير المرجح أن يكون الشخص قادرًا على تغيير ما هو عليه بالكامل، تشير المراجعة إلى أن إجراء تغييرات متواضعة على شخصية الفرد أمر ممكن، وتحاول شرح كيف يمكن للشخص أن ينجح في تحقيق ذلك.

الآليات الأربعة

يقدم مؤلفو المراجعة مجموعة رباعية من الآليات المشاركة في تغير الشخصية، التي قد تمنعه أيضًا إذا لم تُفهم جيدًا. وقد حددها عالم النفس الدكتور كارل نصار الذي لم يشارك في المراجعة بما يلي:

  •  الشروط المسبقة: إعداد النفس وتهيئتها للتغيير.
  •  المحفزات: تجهيز البيئة المناسبة للتغيير.
  •  المعززات: تهيئة البيئة لتعزيز هذا التغيير والحفاظ عليه.
  •  التكامل: جعل هذا التغيير روتينيًا يوميًا يُمارس في أكبر عدد ممكن من الأماكن.

تهدف الآليات الأربعة معًا عمومًا إلى مساعدة الشخص في تكوين عادات شخصية جديدة، وقد تصبح تلقائية بمرور الوقت.

أشار الدكتور نصار إلى أنه قبل البدء، يجب على الشخص أولًا أن يحدد أجزاء شخصيته التي يرغب في تغييرها، ثم أخذ الوقت الكافي للكشف عن الشروط المسبقة، والمحفزات والمعززات والعناصر التكاملية التي ستدعم حقًا هذا التغيير، وهذه ليست مهمة سهلة أبدًا، وينصح الدكتور نصار دومًا أنه إذا كان الشخص يريد المضي قدمًا، فيجب ألا يفعل ذلك بمفرده.

أوضح الدكتور نصار أيضًا أن الأشخاص الذين يعرفون الشخص جيدًا، من المحتمل أن يكون لديهم رؤى مفيدة يقدمونها عن سلوكه الحالي، وقد يسهمون في إحداث التغيير، إذ يؤدون دورًا بكونهم محفزات ومعززات له.

تعدّ هذه الآليات الأربع بمنزلة مخطط تقريبي لكيفية البدء في تعديل الشخصية، فمثلًا قد يرغب الشخص في تقليل وجود الآليات المعززة لاستقرار الشخصية الحالية -كالبيئة المتسقة المفتقرة إلى البصيرة مثلًا- وإدخال الشروط المسبقة والمحفزات والمعززات والتكاملات التي تتماشى مع الشخصية المُرادة ببطء.
اكذب حتى تفعلها

يشير مؤلفو المراجعة إلى أن هذا القول يصف بإيجاز جزءًا واحدًا من الخطة، إذ قد يكون بمنزلة أداة مضادة للقلق عندما يبدأ المرء في التصرف بطرق جديدة غير مألوفة وربما غير مريحة في البداية.

إذ يوجد شيء واحد يجيده البشر جميعًا، وهو وضع حد لكل ما يجعلنا قلقين. ومن الطرق التي تمكننا من فعل ذلك أن يقنع الشخص نفسه يأنه سيزيّف الأمر حتى يحقّقه، ما يعني أنه من المقبول ألا يبدو هذا طبيعيًا بعد، ولا بأس بأن يشعر أنه مزيّف قليلًا في البداية، لكن إذا استمر الشخص بهذا التفكير، فسوف ينجح، ويصل إلى ذلك المكان الذي يهدأ فيه القلق، ما يبدو طبيعيًا أكثر.

يسمح هذا النهج بممارسة الشخصية الجديدة بلا خجل، وتجربة التعزيز والتحرك نحو التكامل، وفي النهاية تجسيد نسخة جديدة من الشخصية المُرادة.

النقد الذاتي لا يساعد

أشار الدكتور نصار إلى أن العملية لا تختلف تمامًا عن ممارسة اليقظة الذهنية، ففي اليقظة الذهنية يُقال للناس إنهم إذا لفتوا انتباههم إلى ما يشعرون به ويفكرون فيه، فإنهم لن يتصرفوا بذلك دون وعي، بل سيكونون قادرين على الاهتمام بتصرفاتهم وأفكارهم ومشاعرهم بوعي، وينطبق الشيء نفسه على تغير الشخصية؛ فكلما ركز الشخص أكثر على المكان الذي يريد أن يذهب إليه، زادت احتمالية إحداث التغيير المنشود، ومن المهم فعل ذلك بدلًا من النقد الذاتي عند الفشل.

بوسعنا تشبيه الأمر بطفل يتعلم المشي، عندما يسقط الأطفال في أثناء محاولتهم المشي، فإنهم لا يلومون أنفسهم بقولهم: «ما خطبي لأنني سقطت!». إنهم فقط يقفون ويحاولون مرة أخرى.

التغيير بدوافع ذاتية

يرى الباحثون أنه ولنجاح العملية، يستحق الأمر محاولة إجراء تغييرات في الشخصية بدوافع مستقلة، وليس بسبب الضغوط الخارجية، فإذا كان الشخص يشعر أنه يجب أن يكون أكثر انفتاحًا لأن ذلك يحظى بتقدير اجتماعي وليس لأنه يبدو ذا معنى شخصي بالنسبة إليه، فمن غير المرجح أن يكون قادرًا على الحفاظ على هذه الإرادة الواعية طوال عملية التغيير.

إن الدافع المستقل يرتبط بالتقدم في أهداف تغيير الشخصية، وإن هذا التقدم يرتبط بالرفاهية النفسية بمرور الوقت.

التمسك بالتغيرات التلقائية الإيجابية

قد تأخذ الشخصيات فجأة جانبًا إيجابيًا جديدًا استجابةً لحدث في الحياة مثل تجربة ملهمة، أو تحول مفاجئ في المنظور بعد ولادة طفل مثلًا، أو النجاة من تحدٍ شخصي صعب. يقول الدكتور نصار إنه في كثير من الأحيان ولسوء الحظ، تتلاشى مثل هذه التغييرات التي تبدو وكأنها تغير الحياة بمرور الوقت، لأنه لا يوجد شيء يدعمها ويصونها، وللتشبث بها يجب على الشخص الشعور بالفضول بشأن ما أدى إلى التغيير والتفكير فيه، ودمج التغييرات الإيجابية في هويته الذاتية.

إضافةً إلى ذلك، يرغب الشخص في تقليل آليات استقرار الشخصية التي تعود إلى الظهور بعد الحدث الذي طرأ في الحياة، وذلك بتحديد الشروط المسبقة، والمحفزات والمعززات والعناصر التكاملية، واختيارها عمدًا لدعم الحفاظ على تغيير الشخصية الذي حدث بطبيعة الحال استجابةً لحدث في الحياة.

المفتاح هنا هو المعززات، وإعداد البيئة المناسبة لمواصلة دعم التغيير الذي حدث، يجب أن يبذل الشخص قصارى جهده لملء حياته بالأشياء التي من شأنها أن تشجع على التغيير، وربما يسهم شريك الحياة في هذا الدعم وذلك بالتشجيع وتحميل المسؤولية، وهذا سوف يقطع شوطًا طويلًا في رحلة التغيير.

اقرأ أيضًا:

هل غيرت جائحة كوفيد-19 في السمات الشخصية للأفراد؟

لماذا لا يستطيع السايكوباتيون حب أحد، حتى أطفالهم؟

ترجمة: لمك يوسف

تدقيق: نور حمود

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر