رسم توضيحي يصور كيف يمكن أن يبدو الكوكب التاسع أثناء دورانه حول الشمس، اليوم هنالك فيزيائيين اثنين على الأقل يعتقدان أن هذا الرسم خاطئ وأنه على الأغلب ثقب أسود

يعتقد عالما فيزياء أنه علينا التحقق من وجود ثقب أسود قديم يختبئ في نظامنا الشمسي وربما يأخذ هذا الجرم الضئيل الثقيل مكان ما يفترض أنه كوكب في المجموعة الشمسية الذي يعتقد الباحثون أنه يجذب ويؤثر على الأجرام الأخرى المحيطة، وهو ما يُدعى الكوكب التاسع (Planet 9).

هل يعني ذلك حقًا أن ثقبًا أسود يختبئ في زاويتنا من الفضاء؟ لا، كما يجيب الباحثون، ولكن تمت مناقشة وجوده على اعتبار أنه يستحق البحث عنه.

بعيدًا في المجال الخارجي لنظامنا الشمسي وخلف مدار أبعد كواكبنا المعروفة نبتون، هنالك حفنة من الأجرام الصغيرة التي تتصرف بشكل غريب، وتعرف بالأجرام وراء نبتونية، وتتكتل مع بعضها بطرق غير معتادة، وتميل جميعها إلى الدوران حول محاور مواجهة لمساحة واحدة محددة من السماء بعيدًا عن الكواكب الكبيرة المعروفة، ومداراتها مختلفة عن الكواكب الثمانية ما يفترض وجود شيء ما يؤثر عليها بجاذبيته.

أجرى العلماء بعض الحسابات حول هذا النمط الغريب واستنتجوا أنه لا بد من وجود كوكب في ذلك النطاق، كوكب تعادل كتلته 10 إلى 20 مرة كتلة الأرض بمدار مصاب بخلل ما جعله أبعد بمئات المرات من الأرض عن الشمس، إنها نظرية غريبة عن الكوكب 9 ولكن نظر فيها العلماء بشكل جدّي لسنوات عدة، اليوم باستعمال الضوء المرئي وتلسكوبات الأشعة تحت الحمراء للبحث في المجالات القصوى للنظام الشمسي.

قال جايكوب شولتز Jakub Scholtz عالم فيزياء في جامعة دورهام Durham في إنجلترا وأحد العلماء الذين اقترحوا الفكرة: «لاحظنا أن الجاذبية هي العنصر الأهم، ليس من الضروري أن يكون هنالك كوكب، على الرغم من كونه التفسير الأكثر عقلانية لكننا -علماء فيزياء نظرية- ندرك تمامًا أن علم الكونيات القديمة يمكن أن يقترح أجرامًا جديدة ومثيرة للاهتمام للغاية نظريًا، وأحد هذه الأجرام الثقوب السوداء البدائية».

الثقوب السوداء البدائية مختلفة

عادةً عندما نتحدث عن الثقوب السوداء فنحن نصف أجسامًا تشكلت بعد انهيار نجوم عملاقة على أنفسها، مقيدةً كتلها في وحدات متفردة كثيفة لا متناهية، ومحاطة بأفق حدث كبير لا يمكن حتى للضوء أن ينجو من جاذبيته، لكن يعتقد بعض علماء الفلك أنه حتى في اللحظات الأولى من عمر الكون، وعندما كان كل شيء حارًا وكثيفًا جدًا ويتسارع مبتعدًا بتأثير الانفجار الكبير ولم يكن هناك أيّ نجوم حينها، كانت الثقوب السوداء قد بدأت بالانبثاق، لربما تشكلت هذه الأشباح البدائية نتيجة اندماج كتل من المادة بشكل محكم جدًا إلى درجة حولتها إلى حالة التفرد المعروفة عن الثقوب السوداء، ويقول شولتز: «ذلك الجزء من الكون كان كثيفًا جدًا لدرجة حولته إلى ثقب أسود».

يقول جيمس أونوين James Unwin عالم الفيزياء في جامعة شيكاغو والمؤلف المشارك في البحث: «هذه الثقوب السوداء أصغر من الثقوب السوداء المعروفة التي تتشكل من تصادم نجوم عملاقة وانهيارها على أنفسها، ووفقًا لبعض النماذج فربما تكون أثقل من الأرض ببضع مرات فقط، إن ثقبًا أسود بهذه الكتلة لن يبدو كأي شيء نعرفه، أفق الحدث سيكون ضيقًا جدًا بحجم حبة العنب إذا كان 5 مرات قدر كتلة الأرض، وبحجم كرة البولينغ إذا كان 10 مرات قدر كتلة الأرض، لكن الجاذبية هي نفسها لا تتغير، فإذا وجد ثقب أسود بدائي طريقه نحو نظامنا الشمسي، فإنه سيدور حول الشمس كما هو حال الكواكب وسيجذب الكواكب القزمة والكويكبات كما سيفعل الكوكب التاسع إن وجد، وسيكون من الصعب التفريق بين آثار كوكب وثقب أسود بهذه الكتلة.

هذه النماذج التي تقترح وجود ثقوب سوداء بدائية، توفر أيضًا تفسيرًا حول آلية هيغز التي اعتقد أنها تخلق الكتلة في كل الجزيئات وكل الفيزياء الأساسية التي ظهرت في الكون. إذن يوجد سبب جيد للاعتقاد بوجود هذه الأجرام سواء انتهى بها المطاف في نظامنا الشمسي أو في نظام نجمي آخر، لكن حتى اليوم لم يكتشف أحد أي شيء مشابه».

الثقوب السوداء تحني الضوء

ويضيف أونوين: «تقترح بعض الأدلة مؤخرًا احتمال وجودها فعلًا، أظن أن ذلك غير مألوف إلى حد ما في المجتمع ولذلك نحاول جلب بعض الانتباه على نطاق واسع».

هناك تجربة تسمّى تجربة التصوير العدسي عبر الجاذبية البصرية في بولندا وهي البحث في السماء عن أدلة على مناطق جذب يمكن تصويرها بالعدسة الدقيقة، حيث قامت قوة الجاذبية لكوكب أو جرم آخر بثني أو التسبب بانحناء مسار شعاع الضوء ما تسبب لهذا الشعاع الاصطدام بالأرض، وفي حالات النجوم التي تمت دراستها يبدو هذا الانحناء كالإشراق اللحظي المتقطع لنجم ما، ولكن ما أوردوه كان غريبًا، فقد رُصدت وحُددت ست أحداث قصيرة الأمد -أقل من ثلث يوم- ما تبدو أنها أجرام مندفعة سريعة الحركة ذات كتلة بين 0.5 و 20 مرة كتلة الأرض، وذلك لا يشبه حال الكواكب عادةً، وتوجد أسباب جيدة للشك بأن هذه الأجرام هي ثقوب سوداء بدائية.

وكاحتمال آخر من الممكن أن تكون هذه الأجسام كواكب حرة سريعة الحركة تدور حول أنظمة نجوم خارجية، لكن النماذج الكوكبية الحالية لا تتنبأ بوجود كواكب من هذا النوع أثناء عمليات البحث والرصد في الكون.

يقول شولتز: «إذا كانت هذه الأجسام الستة ثقوبًا سوداء صغيرة قديمة فهذا يعني أنها ليست نادرةً جدًا في الكون، لكنها غالبًا تسبح بحرّية ولا يمكن توقع وجودها في كل نظام نجمي، وفي نفس الوقت فإنه ليس من المفاجئ إن التقط نظامنا الشمسي واحدًا منها».

من هنا يمكن لنظرية الكوكب التاسع-الثقب الأسود أن تشرح لغزين، الشذوذ في حركات الأجرام خلف نبتون والشذوذ الذي تحدثت عنه تجربة التصوير العدسي عبر الجاذبية البصرية. ويعلّق شولتز: «تشير كلتا الحالتين إلى نطاق الكتلة نفسه وهذا ما يجعلنا متحمسين، ربما يكون هذا هو مفتاح الحل، الكوكب المفقود ذو كتلة بين 5 مرات إلى 20 مرة كتلة الأرض، ودليل تجربة التصوير العدسي عبر الجاذبية البصرية يشير إلى 0.5 و 20 مرة كتلة الأرض، يا لها من مصادفة، إذا كانت حالة الشذوذ في الأجرام خلف نبتون فعلًا ثقبًا أسود، فسيثبت ذلك وجود ثقوب سوداء بدائية، وسيساعد على معرفة تلك المرحلة من تاريخ الكون التي تشكلت فيها، وذلك من شأنه أن يفسر كيف ظهرت أجزاء كبيرة من قواعد الفيزياء الأخرى»، وعلى الرغم من ذلك فهناك تفسير أخر يقول بكون هذا الشذوذ خلف نبتون لا يعود لجسم واحد ثقيل وأن شذوذ تجربة التصوير العدسي عبر الجاذبية البصرية هو صدفة أو نتيجة لمشكلة في المعدات.

هل الكوكب التاسع موجود فعلًا؟

يشكك بعض العلماء بوجود أي شيء على الإطلاق، قال ناثان كايب عالم الفلك في جامعة أوكلاهوما الذي لم يشارك في عمل أونوين وشولتز: «لا أعرف الكثير عن الثقوب السوداء البدائية لأعلم عن احتمال وجود واحد في نظامنا الشمسي، وأنا أشكك بضرورة وجود الكوكب على كل حال، الشذوذ المذكور يبدو حقيقيًا لكن وجود كوكب يختبئ بين هذه الأجرام خلف نبتون لا يشرح الموضوع بشكل جيد، وأيضًا في حال وجود الكوكب فهناك تأثيرات مختلفة لم تظهر على أنه يجب أن تظهر في المعطيات، ولأن الثقب الأسود البدائي يجب أن يمتلك نفس التأثيرات فأنا أشكك بوجوده أيضًا، ووجود هذه الثقوب السوداء هو موضوع مستقل بذاته».

ما زال بعض العلماء يعتقدون بوجود كوكب وأن الدليل قوي بما فيه الكفاية، والبحث عن الكوكب طال بما فيه الكفاية أيضًا بما يستحق البحث عما إذا كان هنالك جسم شبيه بالكوكب وهو ما يسبب هذا التأثير كما قال أونوين.

في النهاية هناك طريقة واحدة للتحقق، وهي البحث عن حالة اندثار المادة المظلمة، لأن نظريات الثقوب السوداء البدائية تقترح وجود هالات كثيفة من المادة المظلمة حولها والتي يمكن أن تحافظ على سلامتها جزئيًا حتى بعد مليارات السنين، وبعض النظريات حول المادة المظلمة تقترح أن جزيئاتها تفنى وتتحول إلى فوتونات أشعة غاما، وغالبًا ما يمكننا رصد هذه الفوتونات على الأرض، وإن اكتشافًا كهذا سيحل بشكل قاطع أحد الألغاز الكبيرة في الفيزياء، لربما أن التلسكوبات رصدت فعلًا فوتونات أشعة غاما، لذا فالخطوة التالية هي النظر في بيانات تلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما، والذي يمسح بقعًا واسعة من السماء بحثًا عن الجزيئات ليرى ما إذا كانت هنالك أية إشارة على وجودها.

قال شولتز: «إن فرصة البحث عن أشعة غاما تحولت إلى البحث عن ثقب أسود صغير للغاية، لكن الاحتمالات لا حصر لها وربما يمكننا إرسال مهمة أيضًا، فهي فرصة للعب مع ثقب أسود حقيقي، أليس أمرًا مثيرًا؟».

ولكن لا أحد يراهن على ذلك حتى الآن!

اقرأ أيضًا:

هل الكوكب التاسع في نظامنا الشمسي ثقب أسود بحجم حبة العنب؟

الكوكب التاسع في المجموعة الشمسية، ما هي النظريات حول هذا الكوكب الافتراضي؟

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: حسام التهامي

المصدر