إن البحث في الأسس البيولوجية للهوية الجنسية ما زال في بدايته، لكن الدلائل بدأت في الظهور.

في السنوات الأخيرة، شهد المجتمع الأمريكي تغيرًا كبيرًا في إدراك الأشخاص المتحولين جنسيًا، لكن مع المشاهير مثل (Caitlyn Jenner) و(Laverne Cox) أصبحوا وجوهًا معروفةً للسكان المهمّشين، كما أصبحت حقوق المتحولين جنسيًا قضية سياسية سائدة، والفكرة القائلة بوجوب الإشارة إلى الأشخاص عن طريق الأسماء والضمائر التي يجدونها ملائمة أكثر-سواء كانت هذه الدلالات مطابقة لشهادات ميلاد هؤلاء أو لأ، أو تتوافق مع تصنيفات الذكور والإناث- هي الأكثر قبولًا.

ومع ذلك، فإن الفهم البيولوجي للتناقض بين الهوية الجنسية عند الولادة والهوية الجنسية للمتحولين جنسيًا يبقى بعيد المنال. في السنوات الأخيرة، بدأت تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لإعطاء أدلة على الأسس البيولوجية المحتملة للحالة المعروفة باسم اضطراب الهوية الجنسية.

وبشكل خاص، يقوم الباحثون بتحديد أوجه التشابه والاختلاف بين بنية وعمل أدمغة الأفراد المستقيمين جنسيًا والمتحولين، والتي يمكن أن تساعد في تفسير القناعة بأن جنس المرء والجنس عند الولادة لا يتطابقان.

إحدى الفرضيات البارزة على أساس اضطراب الهوية الجنسية هي أن التمايز الجنسي للأعضاء التناسلية يحدث بشكل منفصل عن التمايز الجنسي للدماغ في الرحم، ما يجعل من الممكن أن الجسم يمكن أن ينحرف في اتجاه والعقل في اتجاه آخر. أصل هذه الفكرة هو الاعتقاد بأن الجنس نفسه -بمعنى أي فئة تنتمي إليها، يتم تحديدها للبشر في الرحم على عكس الجنس البيولوجي. لكن لم يكن الإجماع العلمي على هذا دائمًا.

ففي الآونة الأخيرة، وفي الثمانينيات من القرن الماضي، جادل العديد من الباحثين بأن المعايير الاجتماعية في كيفية تربيتنا لأطفالنا تفرض فقط الاختلافات السلوكية التي نشأت بين الفتيات والفتيان.

ربما كان أشهر أنصار هذا النمط من التفكير هو عالم النفس جون موني، الذي ذهب إلى أبعد من ذلك، فافترض أن الطفل الذكر الذي يعاني خللًا خلقيًا في القضيب، أو الذي فقد قضيبه في حادث جراحي، يمكن أن يربَّى بنجاح كأنثى بعد العلاج بالجراحة والهرمونات.

في حالة واحدة على الأقل من الحالات المعتمدة على المال، فإن هذا النمط من الأفعال قد أدّى إلى نتائج عكسية: يعود الموضوع إلى شخص عاش كرجل خلال سنوات مراهقته، وانتحر في وقت لاحق.

وقد وُثِقت الآن اختلافات الجنس في الدماغ بشكل جيد، على الرغم من أن مدى انتشار هذه العوامل من العوامل البيولوجية مقابل الاجتماعية ما يزال مثيرًا للجدل.

تستمد فكرة عدم التطابق التطوري الدعم من مجموعتين من الموجودات

أظهرت الدراسات التي أُجريت على الحيوانات أن الأعضاء التناسلية والدماغ يكتسبان صفات ذكورية أو أنثوية في مراحل مختلفة من النمو في الرحم، ما يهيئ إمكانية حدوث تقلّبات هرمونية أو عوامل أخرى لوضع هذه الأعضاء على مسارات مختلفة.

(انظر في «الاختلافات الجنسية في الدماغ»: العالِم، أكتوبر 2015).

وقد وجدت الدراسات البشرية أن أدمغة المتحولين جنسيًا تحمل في العديد من المناطق تشابهًا أكبر مع أدمغة المستقيمين جنسيًا الذين هم من نفس جنسهم أكثر من الذين لديهم نفس الجنس عند الولادة.

الهوية الجنسية: ظاهرة معقدة

يقول كريكلس: «إنه حتى لو كانت البيئة السابقة للولادة قادرة على دفع الجسم والدماغ في اتجاهات مختلفة، فمن المحتمل أن يكون ذلك وجهًا واحدًا فقط للقوى الكائنة وراء اضطراب الهوية الجنسية.

وتوضح أن الصورة الكاملة من المرجح أن تكون مزيجًا بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية، لأننا نعتقد حقًا أنه تفاعل معقد بين جميع هذه العوامل، وحتى الآن لم تقدم الأبحاث حلًا لذلك».

في أعمال المتابعة، بدأت مجموعة Savic في استكشاف الشبكات العصبية في الدماغ، كما كشفت عن ذلك بواسطة الرنين المغناطيسي الوظيفي، ووجدت أن الروابط بين الشبكات التي تتوسط الذات والشبكات التي تتوسط الجسم كانت أضعف في الأشخاص المتحولين جنسيًا.

على وجه الخصوص، بالمقارنة مع الأفراد المستقيمين جنسيًا من كلا الجنسين، أظهر الرجال المتحولون جنسيًا وجودًا أقل للمناطق المعروفة باسم الحزامية الأمامية، والحزامية الخلفية، والطلل عندما نظروا إلى صور لأنفسهم.

ولكن عندما كانت الصور تتحول إلى ظهور ذكور أكثر، ازداد الربط بين الحزامية الأمامية والمنطقتين الأخريين.

إحدى الصعوبات في تفسير الاختلافات الملاحظة بين المجموعات هي أنه لا يزال غير واضح متى ولماذا تطورت هذه الاختلافات، كما يقول سفين مولر، عالم النفس بجامعة خينت في بلجيكا. وقد لا تعكس العلاقات المتبادلة التي تم الإبلاغ عنها العلاقات السببية.

ويضيف: «أعتقد أن الحكم ما زال بعيدًا» حول مدى وجود تناقض بين الجنسين لسبب بيولوجي. ويشير إلى أن «المخ يكون قابلًا للتغيير بشكل كبير في مرحلة البلوغ»، لذا فإن الاختلافات التي تم تحديدها بين المتحوّلين والمستقيمين جنسيًا قد تكون موجودة أو لم تكن موجودة منذ الولادة.

في الوقت الحالي، كما هو الحال بالنسبة للعديد من جوانب الخبرة البشرية، لا تزال الآليات العصبية القائم عليها تحديد الجنس غامضة إلى حد كبير، في حين أن الباحثين قاموا بتوثيق بعض الاختلافات بين أدمغة الأشخاص المتحوّلين والمستقيمين جنسيًا، ولكن لم يُعثر بعد على دليل عصبي نهائي للجنس، وربما لن يكون كذلك أبدًا.

لكن مع توافر مخازن متزايدة القوة من أدوات التصوير العصبي، والوراثي، وغيرها، لا بد للباحثين من اكتساب تصور أكبر في هذا الجانب الأساسي من الهوية.


  • ترجمة: وفاء أبو الجدايل
  • تدقيق: علي فرغلي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر