إذا كنت تظن بأن التغير المناخي يؤثر فقط بشكل تدريجي على نظامنا البيئي، فعليك بالتفكير مرةً أخرى. فقد نُشر في هذا السياق بحث في منصة فرونتيرز العلمية يسلط الضوء على التأثيرات الحادثة على نطاق واسع نتيجةً لسلسلة من الأحداث المناخية المتطرفة، وتأثير ذلك على البيئات البحرية على ساحل أستراليا.

وُجد وفقًا للبحث بأن قرابة 45% من الشريط الساحلي تأثر بالفعل نتيجة تلك الأحداث المناخية القاسية الناجمة عن التغير المناخي، والأكثر من ذلك أن الأنظمة البيئية المتضررة ما زالت تكافح من أجل التعافي في ظل التوقعات بأن تزداد الظروف المناخية تطرفًا.

هناك أدلة علمية تشير إلى أن الموجات الحارة والفيضانات والجفاف والأعاصير تزداد حدتها واحتمالات حدوثها، وبالطبع يرجع كل ذلك للتغير المناخي.

تأثر الحياة البحرية على الشريط الساحلي

تعتبر الشعاب المرجانية وحشائش البحر وأشجار المنجروف وعشب البحر، بمثابة المكون الأساسي للبيئة البحرية على الشريط الساحلي، فهي توفر المأوى للأسماك واللافقاريات البحرية وسلاحف البحر والثديات البحرية.

تفقد الفريق الناشر للبحث الآثار التراكمية الناتجة عن الأحداث المناخية المتطرفة الواقعة مؤخرًا، وتأثير ذلك على البيئات البحرية حول أستراليا. راجع الفريق الأحداث الواقعة في الفترة بين عامي 2011 و2017، وتبين أن تلك الأحداث تركت بالفعل آثارًا مدمرة على البيئات البحرية.

شملت تلك الآثار عشب البحر وغابات المنجروف ومروج الحشائش البحرية، بالإضافة إلى الشعاب المرجانية، البعض منها لم يتعاف حتى الآن وربما لن يتعافى أبدًا. رسمت لنا تلك النتائج الصورة المؤلمة بوضوح، وأكدت على حاجتنا لاتخاذ خطوات عاجلة.

خلال الفترة التي وقعت فيها ظاهرتي إل نينو (El Niño) ولا نينا (La Niña)، رصد العلماء حول أستراليا الأحداث التالية:

عام 2011: أكثر الموجات الحارة البحرية التي تضرب الساحل الغربي لأستراليا تطرفًا، إذ ارتفعت درجات الحرارة عن معدلاتها الطبيعية بمقدار 2-4 درجة مئوية لفترات طويلة، بالإضافة لحدوث تبييض للشعاب المرجانية بمحاذاة الشاطئ على مسافة أكبر من 1000 كيلو متر، ناهيك عن الخسائر التي ضربت غابات عشب البحر لمئات الكيلومترات.

تأثرت أيضًا حشائش البحر الموجودة في منطقة خليج القرش وعلى طول الساحل الشرقي لكوينزلاند على نحو خطير نتيجة للأعاصير والفيضانات الشديدة، وقد تكون تلك الخسائر سببًا رئيسيًا لارتفاع أعداد سلاحف البحر وأبقار البحر النافقة.

عام 2013: حدوث تبييض للشعاب المرجانية على نطاق واسع على مسافة 300 كيلومتر بمحاذاة ساحل بيلبرا شمال غرب أستراليا.

عام 2016: حدوث تبييض الشعاب المرجانية الأكثر حدة على الحاجز المرجاني العظيم، إذ ضرب أكثر من 1000 كيلومتر من الجزء الشمالي للحاجز المرجاني العظيم، بالإضافة إلى تعرض غابات المنجروف الموجودة بشمال أستراليا للهلاك نتيجة للجفاف والحرارة والانخفاض غير الطبيعي لمستوى البحر بطول ساحل خليج كاربنتاريا في الإقليم الشمالي وغرب أستراليا.

عام 2017: تعرض الحاجز المرجاني العظيم لتبييض غير مسبوق في الشعاب المرجانية للصيف الثاني على التوالي، فقد تأثر الجزء الشمالي من الحاجز المرجاني مرة أخرى، بالإضافة إلى أجزاء من الشعاب المرجانية الموجودة في الجنوب.

تأثر مناطق التراث العالمي

تحظى العديد من المناطق المتضررة بشهرة عالمية، نظرًا لحجمها الكبير وتنوعها البيولوجي، وبسبب بقاء العديد منها حتى الآن في هدوء نسبي من التغير المناخي ، وتعتبر العديد من المناطق المتأثرة مناطق تراث عالمي مثل: الحاجز المرجاني العظيم ومنطقة خليج القرش وساحل نينجالو.

البيئات المثأثرة يمكن وصفها بالتأسيسية، فهي توفر الغذاء والمأوى لعدد ضخم من الأنواع، وتعتبر العديد من الحيوانات المتأثرة كالسلاحف البحرية والأسماك الكبيرة داعمًا أساسيًا للعديد من الأنشطة التجارية كالسياحة وصيد الأسماك، بالإضافة لما تمثله من أهمية ثقافية لدى الأستراليين. بدأت بعض البيئات المتضررة في التعافي، ولكن من الواضح أن بعض المناطق لن تعود كما كانت.

لقد استخدمنا نماذجًا للأنظمة البيئية لتقييم النتائج المحتملة على المدى البعيد، والناجمة عن الأحداث المناخية المتطرفة التي يُتوقع أن تأتي بصورة أكثر حدة وتكرارًا.

أشار هذا العمل إلى أن الأماكن التي بدأت في التعافي قد تستغرق مدة تصل إلى 15 عامًا حتى تصل إلى التعافي الكامل، من ناحية أخرى قد تستغرق الأنواع الكبيرة في الحجم والبطيئة في النمو فترات أكبر قد تصل إلى 60 عامًا، كالقروش وأبقار البحر.

ولكن الأحداث المناخية المتطرفة -وفقًا لما تنبأ به العلماء- تأتي على فترات متباعدة، إلا أنن الفاصل الزمني بينها أقل من 15 عامًا، ما يسبب انحدارًا تدريجيًا في حالة الأنظمة البيئية التي تبدأ بالتعافي، إذ لا يتوفر الوقت الكافي لحدوث التعافي بشكل كامل، وهو ما يحدث حاليًا في الشعاب المرجانية للحاجز المرجاني العظيم.

انحدار تدريجي مع ارتفاع درجات الحرارة

تحدث الأضرار الناتجة عن الأحداث المناخية المتطرفة على رأس قائمة من تغييرات أخرى تحدث بشكل تدريجي نتيجة ارتفاع معدلات درجات الحرارة، على سبيل المثال: فقدان غابات عشب البحر على السواحل الجنوبية الشرقية لأستراليا نتيجة لانتشار قنفذ البحر وأسماك الرعي الاستوائية.

في النهاية نحن بحاجة لإبطاء الاحترار الحادث لكوكبنا نتيجة لانبعاثات الغازات الدفيئة وإيقافه، لكن حتى في حالة التخفيض الفوري والفعال لتلك الانبعاثات سيبقى كوكبنا أكثر دفئًا، وستبقى الأحداث المناخية المتطرفة أكثر انتشارًا لعقود قادمة.

قد يكون التعافي أمرًا ممكنًا، ولكننا بحاجة إلى معرفة المزيد عن معدلات التعافي والعوامل التي تعزز هذا التعافي. هذه المعلومات ستمكننا من تقديم يد المساعدة للأنظمة البيئية المتضررة من خلال المجهودات المبذولة لإعادة إحيائها وتأهيلها مرة أخرى.

نحتاج لطرق جديدة لمساعدة الأنظمة البيئية على تأدية دورها وتقديم الخدمات التي نعتمد عليها جميعًا. سوف يستدعي ذلك تخفيض التأثير البشري المباشر بل إيقافه، والمساعدة بنشاط في تعافي وإعادة إحياء الأنظمة البيئية المتضررة.

تنشط العديد من البرامج المماثلة في أستراليا وحول العالم في محاولة لزيادة قدرات التعافي لدى الشعاب المرجانية والحشائش البحرية وأشجار المنجروف وعشب البحر، ولكن هذه البرامج في حاجة ماسة لرفع مستواها لتصبح قادرة على تعويض الاضطراب الواسع الذي شهدناه هذا العقد.

اقرأ أيضًا:

قد ينهي التغير المناخي الحضارة البشرية كما نعرفها بحلول عام 2050 وفقًا لتحليل جديد

التغير المناخي سيغيّر قريبًا لون محيطاتنا، والجواب لدى الفيتوبلانكتون

ترجمة: شريف فضل

تدقيق: رزوق النجار

مراجعة: نغم رابي

المصدر