كم حضارة فضائية ذكية نشأت بين مئات المليارات من النجوم في الأذرع الحلزونية لمجرة درب التبانة؟ وفقًا لتعداد جديد، يبلغ عددها 36 حضارةً. تفترض تلك الأرقام أن الحياة على الأرض تمثل بشكل أو بآخر الطريقة التي تطورت بها الحياة في أي مكان آخر في الكون، كوكب صخري يبعد بمسافة مناسبة عن النجم المناسب، بعد نحو 5 مليارات سنة. إذا كانت تلك الفرضية صحيحة، قد لا يكون الجنس البشري وحيدًا في المجرة، ولكن ربما يكون جيراننا الأقرب بعيدين جدًا لتستحيل مقابلتهم في يوم ما.

من ناحية أخرى، يعتبر الافتراض بأن الحياة في كل مكان ستنشأ بنفس الإطار الزمني الذي نشأت به الحياة على كوكب الأرض افتراضًا مبالغًا فيه، وفقًا لما ذكره سيث شوستاك، عالم الفلك الكبير في معهد البحث عن الذكاء الخارجي الذي يقع في ماونتن فيو بكاليفورنيا، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة. يعني هذا الأمر أن الدقة الظاهرة في الحسابات مضللة.

«إذا تساهلت فإن تلك الافتراضات الهائلة وتلك الأرقام يمكن أن تكون أي شيء تريده» وفقًا لما صرح به شوستاك.

الجيران البعيدون

لا نعرف حتمًا إذا كان البشر وحيدين في الكون أم لا، لكن عالم الفلك فرانك دريك قدم عام 1961 طريقة جديدة للتفكير في تلك الاحتمالات، تحسب تلك الصيغة المعروفة بمعادلة دريك المتغيرات التي تحدد احتمالية عثور البشر على كائنات فضائية ذكية أو أن تعثر هي عليهم ، وتلك المتغيرات هي: المعدل المتوسط لتكون النجوم في المجرة، والجزء من تلك النجوم الذي يمتلك كواكب، والجزء من تلك الكواكب الذي يكون نظامًا إيكولوجيًا، والجزء الأصغر الذي يشير إلى تطور الحياة.

هل توجد 36 حضارة فضائية فعلًا - مئات المليارات من النجوم في الأذرع الحلزونية لمجرة درب التبانة - الحياة خارج كوكب الأرض - الحياة الذكية

يأتي بعد ذلك الجزء من الكواكب الصالحة للحياة الذي تنشأ به (حياة ذكية) وليس مجرد طحالب فضائية. يُقسّم ذلك بعدها إلى قسم الحياة الذكية القادرة على تطوير اتصالات يمكن اكتشافها من الفضاء (ينتمي البشر إلى تلك الفئة، إذ أن البشرية تستخدم موجات الراديو منذ قرن تقريبًا) وتلك التي لا تستطيع.

المتغير الأخير هو المدة الزمنية المتوسطة التي تستمر فيها الحضارات الفضائية بالتواصل، يبلغ عمر مجرة درب التبانة قرابة 14 مليون سنة، إذا افترضنا أن غالبية الحضارات الذكية المتواصلة تستمر بضع مئات من السنوات على الأكثر، فإن احتمالية أن يتقاطع سكان الأرض مع تلك الاتصالات ضئيلة في أفضل التقديرات.

لا يمكن حل معادلة دريك، إذ إن غالبية المتغيرات في تلك المعادلة مجهولة، لكن عالم الفيزياء الفلكية بجامعة نوتنغهام كريستوفر كونزليس وزملاءه أبدوا اهتمامًا بالتعمق فيها عن طريق بيانات تكون النجوم ووجود الكواكب الخارجية الجديدة، أو الكواكب التي تدور حول النجوم خارج نظامنا الشمسي، ونُشِرَت نتائجهم في الخامس عشر من يونيو في المجلة الفيزيائية الفلكية.

صرح كونزليس: «لم نكن لنستطيع كتابة تلك الورقة منذ عدة أعوام».

حسب الفريق التوزيع العمري للنجوم في مجرة درب التبانة، باحثين عن تلك التي يبلغ عمرها 5 مليارات سنة على الأقل والتي يُفترض أنها من القدم بما يسمح باستضافة حضارة شبيهة بالبشر، وجد الفريق أن 97% من النجوم في مجرة درب التبانة يزيد عمرها عن 5 مليارات سنة، يعد نظامنا الشمسي البالغ من العمر 4.5 مليار سنة حديثًا نسبيًا في المجرة، لذلك من المنطقي أن العديد من النجوم في مجرة درب التبانة يزيد عمرها عن عمر نظامنا الشمسي، حسب ما ذكر كونزليس.

حسب الباحثون لاحقًا عدد تلك النجوم التي تتمتع بالكثافة والاستقرار الكافيين لتكوين نظام كوكبي -الشرط الذي حققته ثلث النجوم تقريبًا التي يزيد عمرها عن 5 مليارات سنة- باستخدام المعلومات التي يعرفها علماء الفلك في الوقت الحالي عن توزيع الكواكب الخارجية.

قدّر الباحثون عدد الكواكب الصخرية داخل المناطق الصالحة للحياة لتلك النجوم، وقدر العلماء أيضًا النجوم الغنية بالمعادن بما يكفي لتحتوي كواكبها الدوارة على ما يلزم لبناء جهاز للإرسال اللا سلكي. وأخيرًا حددوا الحد الأدنى للمدى العمري للحضارات المتواصلة بقيمة 100 سنة، استنادًا على الفترة الزمنية منذ بدء استخدام موجات الراديو على كوكب الأرض.

بافتراض أن الكواكب الأخرى تتبع نفس المسار الزمني لما يحدث على كوكب الأرض، يصبح لدينا 36 حضارة فضائية تشاركنا مجرة درب التبانة، هناك شك في هذا التقدير، فقد تكون هناك حضارات أخرى يتراوح عددها بين 4 و211. إذا كانت الحضارات الفضائية مُوزعة بالتساوي عبر مجرة درب التبانة، ستكون الحضارة المجاورة الأقرب على بعد 17,000 سنة ضوئية تقريبًا.

يعني هذا أن تواصلنا معها مستبعد ، يفترض أن الحضارة الفضائية قد تحتاج إلى الاستمرار في بث الموجات القابلة للاستكشاف لمدة 3,060 سنة تقريبًا حتى نتمكن من اكتشافها، ما يعني أيضًا أن التواصل المتبادل بين البشر وتلك الحضارة الفضائية قد يحتاج إلى 6,120 سنة.

التحقق من الافتراضات

بعض السيناريوهات أكثر تفاؤلًا لمحاولة العثور على حيوات خارج كوكب الأرض، فمثلاً إذا كانت الحياة تتطور في أي مدة تتخطى 5 مليارات سنة، وليس بالضرورة بعد 5 مليارات سنة مباشرة، قد يرتفع رقم الحضارات المحتملة في مجرة درب التبانة إلى 928، حينئذ ستحتاج الحضارة إلى التواصل لمدة 1,030 سنة للوصول إلينا.

تكمن مشكلة تلك الأرقام في أن مؤلفي الدراسة -حسب ما ذكر شوستاك- استخدموا بعض البيانات الفلكية بينما طبّق المعادلة على المتغيرات الأكثر تعقيدًا وجدلية دون ما يكفي من المناقشة.

هل تتطور الحياة بالفعل على أي كوكب صخري داخل المنطقة الصالحة للحياة؟ هل تظهر الحياة الذكية بالفعل بعد ما يقرب من 4.5 مليار سنة؟ هل كان سيختلف تطور الحياة الذكية على كوكب الأرض إذا لم يضربه كويكب قضى على الديناصورات منذ نحو 66 مليون سنة؟.

ربما يكون المتغير الأكثر تقييدًا-حسب ما ذكر شوستاك- هو افتراض أن الحضارة المتواصلة تبث إشارات منذ قرن مضى، إذ يبدو ذلك افتراضًا متشائمًا حتى بالنسبة للحضارة البشرية التي قد لا تتوقف عن استخدام موجات الراديو خلال الشهرين القادمين بالرغم مما تعانيه البشرية.

«تعتمد الإجابة على معادلة دريك بالأساس على احتمالية تطور الحياة في عالم ما، وتطور [ الحياة الذكية ] في عالم ما، وعلى عمر الذكاء» وفقًا لما ذكره شوستر، «تلك هي الأمور الرئيسة التي قد تغير الجواب كليًا».

صرح كونزليس أن الحسابات وسيلة جيدة لفهم وجود البشرية ومستقبلها، إذا تبين وجود حضارات في المجرة أكثر مما توقعته الحسابات الجديدة، فمعنى ذلك أن الحياة قد تتطور في ظروف تختلف كثيرًا عن الظروف المشابهة لكوكب الأرض، وربما يعني أيضًا أن هناك حضارات قد عاشت أطول بكثير من حضارتنا، وأن عثورنا على عدد من تلك الحضارات إشارة جيدة إلى أن حضارتنا قد تتمتع بحياة طويلة للغاية، لكن إن ظل البحث عن الحياة خارج الأرض دون نتائج، فقد يعني ذلك أن الحياة نادرًا ما تنشأ خارج كوكب الأرض، أو أن الحضارات حين تنشأ فإنها سريعًا ما تدمر ذاتها، ربما كانت مجرة درب التبانة تعج بالحياة منذ بضع مليارات من السنين، لكن تلك الحيوات اختفت، ولا نملك سوى طريقة واحدة لمعرفة الجواب.

يقول شوستر: «لن نستطيع كتابة أي ورقة بحثية تحاول تقدير أعداد الحضارات الفضائية حتى نجد واحدة أو اثنتين منها».

اقرأ أيضًا:

العثور على كوكب صالح للحياة مماثل لحجم الأرض

العلماء يحددون جانبًا آخر من قابلية الكواكب لاستضافة الحياة

ترجمة: شريف فضل

تدقيق: سمية المهدي

مراجعة: آية فحماوي

المصدر