قد نعتقد أن ارتفاع مستوى سطح البحر له القيمة نفسها في كل مكان على سطح الأرض، في حال تجاهلنا الأمواج واختلاف ارتفاع وانخفاض حركة المد والجزر. ولكننا مخطئون في ذلك. يجب أن أعترف أنه أثناء إجراء الأبحاث الخاصة بكتابي حول ارتفاع مستوى ماء البحر و المحيط ؛ كانت الحقائق المتعلقة بهذا الارتفاع من أكثر الأمور المذهلة التي فهمتها، إذ علمْت بوجود بعض التغيرات في ارتفاع مستوى سطح البحر لكنني لم أعرف مدى ضخامتها. لنلقِ نظرة على ثلاثة أسباب لهذه التغيرات التي من المحتمل أن تكون على دراية بأحدها. دعنا نفترض أن سطح البحر مستوٍ بدون أي أمواج، لكي نهمل الاضطرابات المتعلقة بتغير ارتفاع الأمواج؛ بغرض توضيح هذه الفكرة.

لنبدأ بحركة المد المعروفة إلى حد ما لأننا بفهمنا لهذه الظاهرة سيصبح من السهل أن نفهم الفكرة التالية. يتغير وقت المد قليلًا كل يوم كلّما تغيّر طور القمر. تدفع كتلة كل من الشمس والقمر المحيط وتسبب بروز المد والجزر. بمعنى آخر، مثلما تسبب كتلة الكواكب الجاذبية والتأثيرات المختلفة؛ تسبب الكتلة الناتجة عن الشمس والقمر تأثيرًا على المحيطات مؤدية إلى حدوث تأثير الجاذبية على حركة المد والجزر، ونلاحظ هذا التأثير على شكل أمواج ترتفع وتنخفض وتقترب وتبتعد بحسب الموقع الذي نراقب منه.

هل مستوى سطح البحر ثابت في جميع أنحاء الكرة الأرضية مستوى سطح الماء حول العالم ماء البحر ماء المحيط المستويات المرتفعة للمياه

كما يظهر الرسم التوضيحي، عندما تكون الشمس على استقامة مع القمر يزداد تأثير المد وهو ما يسمى مد الربيع – spring tide. وكما نعلم، تختلف أمواج المد بحسب الدورة القمرية، فعندما تكون الشمس والقمر على استقامة واحدة، يصبح التأثير أكبر وتتحرك أمواج المد بأعلى وأخفض ما يمكن. عندما تكون الشمس والقمر بزاوية مستقيمة بالنسبة للأرض يحدث المد المنخفض، إذ تخضع مياه المحيطات لتأثير قوى متعاكسة.

الاختلاف الثاني في ارتفاع مستوى سطح البحر هو الأغرب. إن الأرض ليست كروية. فهي أقرب إلى شكل الإجاصة مع أن هذه الفرضية تقريبية بشدة. هناك السلاسل الجبلية، وأعماق المحيطات، والتراكم أو الترسب الطبيعي للحديد والمواد الثقيلة الأخرى. كل ذلك يجعل الأرض وعرة وغير مستوية ما يجعل كتلة الأرض مختلفة من مكان لآخر.

إذا استدعينا من الحقائق المتعلقة بالمد أن للماء كتلة، والكتلة تجذب، فإن ذلك سيفسر انجذاب الماء إلى المناطق الأعلى كتلةً على سطح الأرض أو الأعلى كثافة. هل هناك المزيد من الاختلاف بارتفاع وانخفاض مياه المحيطات؟ لقد أدهشني وجود اختلاف يصل إلى 300 قدم ( 90 مترًا).

سيتغير هذا الرقم خلال القرون القادمة عندما تذوب الصفائح الجليدية الضخمة في Greenland والقارة القطبية الجنوبية بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض. ستسبب هذه الأوزان الضخمة من الثلوج المرتفعة لعدة أمتار إعادة توزيع هائلة لمياه المحيطات حول العالم. (لا داعي للقلق فإن الأمر يحتاج مئات بل آلاف السنوات).

إن عملية إعادة توزيع كتلة الكوكب، ستغير توزع مياه المحيطات، ما سيغير الارتفاع النسبي لتلك المحيطات. التغيير الثالث الذي سنناقشه هو تغيير من وجهة نظر مراقب خارجي. تخيّل من أجل توضيح الفكرة أنك على شاطئ ولديك عصا عمودية لقياس ارتفاع ماء البحر. وبفرض أننا أهملنا الأمواج وحركة المد لتبسيط الأمر. لنفترض أنك في غضون قرن قد سجلت ارتفاعًا بمستوى الماء قدره 3 أقدام أي متر تقريبًا.

ولكن ماذا لو أن الأرض اليابسة التي تقف عليها قد ارتفعت أو انخفضت بمقدار قدم خلال نفس القرن. لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار مقدار تغير ارتفاع المحيط. بمعنى آخر، إذا تبين أن مستوى الماء قد ارتفع بمقدار 3 وحدات قياس خلال مدة من الزمن ولكن نقطة وقوف المراقب الخارجي قد ارتفعت بمقدار وحدة قياس فإن مستوى سطح البحر قد ارتفع بمقدار 4 وحدات قياس. يبدو الأمر مربكًا. مثلًا في منتزه يلستون الوطني؛ سبّب النشاط البركاني بروز الأرض للأعلى. ( يعتقد العلماء أن الأمر يشير إلى ثورة بركانية قادمة).

من جهة أخرى، تنخفض مدينة نيو أورلينز الأمريكية نتيجة ثلاثة عوامل أساسية. تتراكم الرواسب الناعمة القادمة من نهر ميسيسيبي بمرور الوقت. ويسبب ضخ المياه الجوفية من الطبقات العليا والتراكم الهائل للنفط من الطبقات السفلى ارتصاص القشرة الأرضية وبالتالي يقل الارتفاع. سيزيد هذا الأمر من سوء تأثير ارتفاع مستوى ماء البحر.

تخضع ألاسكا لوضع معاكس تمامًا. فهي ترتفع كردّة فعل على ذوبان الصفائح الجليدية منذ العصر الجليدي الأخير بالإضافة إلى ذوبان الكتل الجليدية. ترتفع اليابسة بصورة أسرع من ارتفاع مستوى ماء البحر فيبدو المحيط وكأنه ينخفض في العصر الحالي. كلما ارتفع معدل ارتفاع مياه البحر فإنه سيسيطر على معدل الارتفاع خلال هذا القرن وسيلاحظ سكان ألاسكا ارتفاع مستوى سطح البحر على شواطئهم.

اقرأ أيضًا:

اكتشاف كائنات مجهرية تستهلك الميثان على عمق 600 متر تحت سطح البحر

العلماء يكشفون عن المحيط الحيوي الجوفي – الحياة تحت سطح الأرض

ترجمة: كارينا معوض

تدقيق: رزان حميدة

المصدر