إحساس الجوع هو أحد أقوى الأحاسيس التي نشعر بها، وحتى الجوع الخفيف يمكنه أن يؤثر على مشاعرنا وأفكارنا وتصرفاتنا. لكن كيف يمكنه ذلك؟ هل يجعلنا الجوع أنانيين؟

لم يتلق هذا السؤال سوى القليل من الاهتمام من ناحية التجارب العلمية، إذ ليس من الواضح ما إذا كان هناك تأثير ثابت وقوي. وبالتالي، أجرى الباحثون سلسلة تجارب (مكونة من أربع تجارب) استخدموا فيها العديد من الأساليب والعمليات.

كشفت الدراسات أن الجوع لا يجعلك أنانيًا في كل الأوقات، إذ ما يهم هو حالة الترابط (أي عندما يكون بإمكانك أن تعطي طعامًا وتتلقى غيره في نفس الوقت).

في بعض الحالات التي يكون بإمكانك فيها عرض الطعام على شخص آخر (وعدم تلقي الطعام منه) يوجد تأثير بسيط للجوع وهو أنه يخفف من كمية الطعام التي تقدمها للآخرين. ولكن في حالات الترابط يغيب دور الجوع في تصرفاتك الاجتماعية.

استخدمت تلاعبات وتوجيهات متنوعة في هذه التجارب. كان الاختبار الأكبر حينما لم يستطع المشاركون الأكل لمدة 14 ساعة قبل بدء الدراسة. فور الوصول، تلقى نصف عدد المشاركين طعامًا ومشروبًا (يحتوي 42 غرامًا من السكريات) في حين لم يتلق النصف الآخر شيئًا وذلك لخلق إحساس بالجوع في ظروف يمكن للباحثين التحكم بها.

أثر ذلك بشكل واضح على معدلات الغلوكوز في الدم ما بين المجموعتين ولكنها لم تؤثر على التصرفات الاجتماعية. وفي الحقيقة في ثلاث من أربع تجارب صُممت لتقييم التصرف الاجتماعي، كان المشاركون في المجموعتين متساويين في التصرف الاجتماعي الإيجابي.

سأل الباحثون المشاركين عن ما يعتقدون أنه سيحصل في تجربة كهذه، وبشكل مثير للاهتمام تنبأ العديد من الناس بأن الجوع سيجعل الأشخاص أنانيين وبالغوا في تقدير تأثيراته. تشبثت الأكثرية (ما يساوي 79%) بإيمانهم بأن الجوع يجعل الناس أنانيين.

 هل يجعلك الجوع أنانيًا الجوع الخفيف يمكنه أن يؤثر على مشاعرنا وأفكارنا وتصرفاتنا نوعية العلاقات الاجتماعية أو الشبكات الاجتماعية

لكن لم يتشبث الناس بهذه الآراء؟ ذلك بسبب مغالاة قوة المصلحة الشخصية. كشفت أبحاث سابقة أن الناس يؤمنون بأن أكثر الأشخاص تقودهم قوة المصلحة الشخصية بدلًا من الأهداف النبيلة كمساعدة الآخرين وتحقيق العدالة.

تبدو هذه المغالاة في قوة المصلحة الشخصية قوية ومنتشرة. معظمنا يؤمن أن الناس لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية. يبدو أن الناس يفكرون أيضًا بأن حقيقة أنانيتهم وتفضيلهم لمصلحتهم الشخصية تظهر عندما تكون المخاطرة أكبر أو عندما يكونون محتاجين وذلك حين يختبرون الجوع.

يمكن أن يعتقد الناس أن المصلحة الشخصية هي المؤثر الوحيد عند مواجهتهم ظروفًا صعبة، ومثال عن ذلك هو عندما تكون المصادر قليلة في أثناء الحروب أو عند حدوث كارثة طبيعية.

يبقى السؤال عما إذا كانت فكرة النفس الأنانية هذه صحيحة. اقترحت الدراسة عن الجوع أنه في كل ظرف تكون فيه الموارد شحيحة يبقى الناس مركزين على الأشخاص المحيطين بهم؛ عائلتهم وأصدقائهم وربما مجتمعهم.

هناك أبحاث تُظهر أننا نرى أشكالًا قوية من التصرفات الأنانية في أوقات الخطر أو القلة وأيضًا أشكالًا قوية من التصرفات التعاونية. قد تجعل تجربة القدر المحتوم -الذي قد يكون كارثة طبيعية أو عدوًا مشتركًا- الناس يتقربون من بعضهم ويساعدون بعضهم.

لكن لماذا يظن معظمنا أن الناس يهتمون بمصلحتهم الشخصية؟ السبب الأكثر أهمية هو أن معظمنا يؤمن بمعتقد “من الأفضل أن تكون بأمان عوضًا عن كونك آسفًا على نفسك”. قد يدعم إيماننا بأن الناس الآخرين أنانيون بطبيعتهم أفعالنا الأنانية للدفاع عن أنفسنا من الاستغلال. في النهاية إن الناس مكرهون على المخاطرة وبذلك فإنهم يأخذون الطريق الأسهل. يمكن تفهم ذلك ويمكن أن ينصح به في بعض الحالات.

لكن الإيمان بأن معظم الناس أو كلهم أنانيون يصبح عقبة في النهاية. قد تؤدي طريقة التفكير هذه إلى التخلي عن فرص تبادل مثمرة. إن قدمت الثقة في تواصلك مع الناس وأبعدتهم عن الشك فمن المحتم أنك ستتلقى وتبني وتحافظ على هذه الثقة. وذلك أساسي في ترويج العلاقات التعاونية مع الآخرين من حولنا.

يعرف معظمنا أن نوعية العلاقات الاجتماعية أو الشبكات الاجتماعية -أي امتلاك أصدقاء جيدين- ترتبط بقوة بالصحة ومتوسط العمر المتوقع. نعيش بكل بساطة بشكل أكثر صحة وارتياحًا عندما نُحاط بأشخاص نحبهم ونثق بهم.

إننا “حيوانات” اجتماعية. وبالتالي حتى وإن كنا نؤمن بالمصلحة الشخصية، من غير المرجح أن نعكس إيماننا هذا على كل شخص نلتقي به. يمكن للمبادرات الصغيرة الإيجابية أن تكون مهمة.

في النهاية، فإن إثباتنا للآخرين أننا أهل للثقة سيزيد من فرص تكوين صداقات جيدة يمكننا الوثوق بها، وأولئك هم الأصدقاء ذاتهم الذين يمكنك الاعتماد عليهم عندما تكون بأمس الحاجة لهم وربما حتى في أوقات الشح و الجوع.

اقرأ أيضًا:

ماذا تعرف عن اللامفرداتية (أليكسيثيميا)؟

عشرة أعراض خفية لمن يعانون من الذهان

النظرة الفرويدية تجاه اضطراب الشخصية الفصامية

ترجمة: إيلي عساف

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر