يُقال إن الذرات يُعاد تدويرها في كوكبنا لدرجة أنه قد يحتوي كل منا قليلًا من شكسبير، فهل هذا ممكن؟ ومن أين تأتي الذرات أساسًا؟ لا يمكن الجزم على وجه اليقين ما إذا كانت قطعة منك جاءت من وليام شكسبير، لكن ما هو أكيد: أننا جميعًا أتينا من النجوم.

قد يحتوي جسم إنسان بوزن 68 كيلوغرام على 6.5 أوكتليون (أي 65 وعلى يمينها 24 صفر) ذرة، وذلك بحسب تقدير سوزان بيل عالمة الكيمياء التحليلية في جامعة ويست فيرجينيا، وأغلب هذه الذرات من الهيدروجين لأن معظم الجسم البشري ماء متكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين.

صُنع كل هذا الهيدروجين في الأيام الأولى للكون، أي بعد نحو 380 ألف سنة من الانفجار العظيم، في تلك المرحلة، بردت العوامل الأولية إلى حد يكفي لانحصار الإلكترونات في مدار حول النواة لتشكيل الذرات الأولى، فكوَّن إلكترون واحد يدور حول بروتون واحد ذرة الهيدروجين، وصنع إلكترونان حول نواة بها بروتونين ونيوترونين ذرة الهيليوم.

تشكلت من هذه المواد النجوم الأولى التي تكثفت من سحب الهيليوم وغاز الهيدروجين، إذ امتلأ الكون بهما بعد أكثر من مليون سنة من تكونه، وتعد النجوم بمثابة مصانع اندماج، تندمج الذرات ببعضها في مساحاتها الداخلية الساخنة الكثيفة، ففي النجوم الأصغر عمرًا وحجمًا مثل شمسنا، يحترق الهيدروجين إلى هيليوم، أما النجوم الأقدم والأضخم تكون ساخنة بما يكفي لتحويل ثلاث ذرات هيليوم إلى كربون، أو أربع ذرات هيليوم إلى أكسجين، وبهذه الطريقة تتكون العناصر التالية من الجدول الدوري حتى الحديد.

من هنا تأتي معظم ذراتنا المتبقية أيضًا، فوفقًا لحسابات بيل، يشكل الأكسجين 25% تقريبًا من ذرات الجسم، ونحو 10% كربون ثم %1 نيتروجين، وجميعها عناصر تتكون في الأجزاء الداخلية من النجوم.

ومع استمرار النجوم في دورات حياتها تصبح أكثف وأسخن، فتمتلئ نواتها بالعناصر الأثقل، وعند 528 مليون درجة مئوية يندمج الكربون مكونًا النيون، وعند تضاعف درجة الحرارة يتحول الأكسجين إلى سيليكون، وأخيرًا عند 3982 مليون درجة مئوية يندمج السيليكون في الحديد.

وفي هذه المرحلة ينفذ الوقود النجمي، وينهار النجم المثقل بلبه الحديدي الثقيل على ذاته، ثم ينفجر وتتشتت العناصر الموجودة في داخله وتُخلق عناصر جديدة.

تعد المستعرات العظمي مصادر كل العناصر بعد الحديد، وهذه العناصر موجودة في البشر بكميات ضئيلة فقط، ولكن بالوسع رصدها بسهولة إذا كانت لديك حشوات ذهبية في أسنانك، فهذه الذرات جاءت من انفجار نجمي، وكذلك الزنك الذي يحتاج إليه جسمك لصنع الإنزيمات، واليود في هرمونات الغدة الدرقية والمنغنيز اللازم لعظامك.

إذن، فكل جزء صغير من جسدك إما كان داخل نجم ذات مرة، وإما نتج من سكرات موت النجم، فنحن غبار النجوم على حد تعبير جوني ميتشل وكارل ساجان. ولكن إذا ظلت تراودك تساؤلات إزاء شكسبير، فسنلقي نظرة على ما سيحدث بعد ذلك.

أُنتجت ذرة ما -كربون مثلًا- في نجم ما، وبعد عدة مليارات من السنين انفجر النجم، وتحررت في الفراغ المظلم للفضاء لتنضم في النهاية إلى سحابة من الغاز والغبار في ركن بعيد من مجرة درب التبانة، وهذه بداية نظامنا الشمسي، ثم منذ 4.5 مليار سنة تقريبًا تسبب شيء ما في دفع سحابة الغاز إلى الانهيار والبدء في الدوران، ليشكل المركز شمسنا بينما بدأت الأشياء الموجودة في الخارج تتراكم في الكواكب والكويكبات والمذنبات.

انتهى الأمر بذرة الكربون الصغيرة على مذنب -كرات الجليد والصخور والمركبات العضوية التي تدور حول نظامنا الشمسي- وفي مرحلة اصطدم بالأرض وتحطم، وربما قضت هذه الذرة بضع مئات من الملايين من السنين محبوسة داخل صخرة في القشرة الأرضية، حتى ثار بركان واخترق القشرة وقذف الذرة في الغلاف الجوي، فانضمت مع جزيئين من الأكسجين لتكوين ثاني أكسيد الكربون، ثم انتُزع الجزيء من الهواء وجُرد الكربون ما حوله، وأجبرته الظروف على تكوين جزيء جديد هو الجلوكوز، ربما سار أباتوصور جائع إلى النبتة وقضمها، وعالج السكر ثم زفر الكربون مرة أخرى في الهواء بهيئة ثاني أكسيد الكربون.

مر الوقت ودارت ذرة الكربون خلال هذه العملية عدة مليارات من المرات حتى عام 1616، عندما انتهى بها الأمر في جزرة نمت في مزرعة في ستراتفورد أبون آفون. أكل الجزرة ويليام شكسبير الذي كان مريضًا، وعندما توفي شكسبير بعد ذلك بوقت قصير دُفن مع ذرة الكربون تلك أسفل كنيسة الثالوث المقدس، فاستمرت ذرتنا بالتحرك في دورة الكربون هذه (الهواء والنبات والحيوان والأرض والهواء مرة أخرى)، وربما انجرفت بعدها عبر البحار والمحيطات لترتبط بنبات أكلته أنت في النهاية.

عندما سُئلت بيل عن إمكانية أن تكون ذرة كربون في شخص ما في واشنطن عام 2016، جزءًا من شكسبير قبل 400 عام، قالت إنه أمر معقول.

ولكن من المعقول أيضًا أن ذرات الكربون كانت ذات يوم جزءًا من البراكين والأخشاب الحمراء العملاقة والأباتوصورات والألماس والقوارير البلاستيكية والثعابين والحلزونات والأشنات والديدان الخيطية والطحالب الضوئية -أي الخلايا الأولى-، فمن المؤكد أن ذرة الكربون في جسدك شاهدت الجزء الداخلي من النجم، ونجت من مستعر أعظم، وأبحرت عبر النظام الشمسي وتناثرت على الأرض قبل وقت طويل من وصولها إليك، وهذه الحقيقة تستحق التعجب. ومع كل زفير منك ستترك ذرة كربون جسدك مع سحابة غير مرئية من ثاني أكسيد الكربون، متجهة إلى مغامرتها العظيمة التالية، وقد لا يكون لهذه الحقيقة نفس وقع سونيت لشكسبير، لكنها بالتأكيد أمر شاعري.

اقرأ أيضًا:

متى بدأت النجوم بالتكون في الكون ؟

دراسة جديدة: الكالسيوم في عظامك وأسنانك تشكل من النجوم المتفجرة

ترجمة: مي مالك

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: عون حدّاد

المصدر