شكلت أبحاث وتقنيات الذكاء الاصطناعي منذ نشأتها إضافةً كبيرة لمختلف العلوم، وطورت العديد من الخوارزميات القادرة على تشخيص الكثير من الأمراض مثل الأمراض النفسية وأمراض القلب والسرطان.

يُجري باحثون اليوم أبحاثًا لتطوير خوارزميات قادرة على اكتشاف فيروس كورونا أو كوفيد-19 استنادًا إلى أنماط في التصوير الطبقي المحوري والأشعة السينية للرئتين.

تهدف النماذج الجديدة إلى اكتشاف المرضى ذوي الحالات الأخطر وقد يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعي، وفي حال كانت النتائج دقيقة وجيدة فستساعد الأطباء كثيرًا في فحص المصابين وعلاجهم. لكن مجموعة من العلماء حول العالم أبدت قلقها بشأن معظم نماذج التعلم الآلي والخطورة التي قد تسببها إذا اعتمدت عليها المشافي قريبًا.

يقول الباحث في جامعة أوتريخت في هولندا مارتن فان سميدن: «يخيف هذا الأمر الكثير مننا ﻷننا نعلم أن النماذج قد تُستخدم لاتخاذ قرارات طبية، فإذا كان النموذج سيئًا سيكون القرار الطبي أسوأ وهذا قد يؤذي المرضى فعليًا».

يساهم فان سميدن في قيادة مشروع ضخم مع مجموعة واسعة من العلماء لتقييم نماذج تصنيف فيروس كوفيد-19 باستخدام معايير موحدة، وهو أول مشروع على موقع المجلة الطبية البريطانية (BMJ) يقدم مراجعات مباشرة وتتحدث باستمرار لدى صدور نماذج جديدة.

بعد مراجعة عدد كبير من نماذج التعلم الآلي الخاصة بفيروس كوفيد-19، تبين وجود نقص حاد في البيانات والخبرة المطلوبة، علمًا أن هذه المشاكل ليست جديدة وكثيرًا ما واجهت العلماء في العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي في الأبحاث الطبية.

تعذيب البيانات Data Torture

حتى قبل وباء كوفيد-19، كان فرانك هاريل -عالم البيولوجيا والإحصائي من جامعة فاندربلت- يستعير تعبير أحد علماء الاقتصاد المشهورين ليصف استخدام باحثي الطب لنماذج التعلم الآلي بأنهم يعذبون البيانات لانتزاع اعتراف منها. والأرقام تدعم ادعاءه، إذ لا تلبي معظم الخوارزميات الطبية معايير الجودة الأساسية.

وفي أكتوبر 2019، نشر باحثون من جامعة برمنجهام أول مراجعة لإجابة سؤال هام: هل تستطيع الآلات تشخيص المرضى مثل الأطباء أو ربما أفضل منهم؟ وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن خوارزميات التعلم الآلي تكافئ الأطباء في القدرة على كشف الأمراض باستخدام الصور الطبية، لكن الأمر الصادم هنا أنه من بين 20530 خورازمية لاكتشاف الأمراض، كانت 1% منها فقط تتبع منهجية صارمة بما يكفي لإدخالها في هذه الدراسة.

ويعزو الباحثون سوء هذا الوضع إلى ازدياد استثمار الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي كثيرًا مؤخرًا، وأنه أصبح موضوعًا رئيسيًا للمجلات، ومادة دسمة للباحثين لإضافتها إلى أبحاثهم ودراساتهم.

هل يساعد الذكاء الاصطناعي في تشخيص المصابين بكوفيد-19 - تشخيص الأمراض باستخدام الذكاء الصناعي - قدرة الحاسوب على الكشف عن الأمراض

يقول أحد ناشري تلك الدراسة: «إن نوعية الدراسات التي تصل مرحلة النشر ليست جيدة لدى مقارنتها بما نتوقعه عندما لا يحوي عنوانها الذكاء الاصطناعي». ما يعني باختصار أن المشكلات المتعلقة بفعالية هذه الخوارزميات ستظهر في نماذج تشخيص فيروس كوفيد-19، وزيادة عدد هذه النماذج سيجعلها تحت المجهر أكثر من أي وقت سبق.

التواصل الخاطئ

إن حال الخورازميات الخاصة بتشخيص كوفيد-19 يبدو كحال باقي الخورزميات المتعلقة بتشخيص الأمراض الأخرى، وذلك فيما يتعلق بموضوع الشفافية، إذ يواجه علماء الإحصاء صعوبة في معرفة الآلية التي استند عليها الباحثون في دراسات الذكاء الاصطناعي الخاصة بتشخيص كوفيد-19 ﻷنهم ﻻ يوثّقون معلوماتهم.
يقول فان سميدن: «كان التوثيق سيئًا لدرجة أني لم أفهم ما هي معلومات الدخل التي زودوا بها النموذج، ناهيك بما كانت عليه مخرجاته، كانت فظيعة». وبسبب ذلك، واجه فريق سميدن مشكلة في تقييم النموذج ﻷنهم غير متيقنين من أين جاءت البيانات التي بُني عليها النموذج أساسًا، ما يصعّب عليهم التوثق من صحة تشخيص المرض والتنبؤ بدرجة خطورته، ويصعب أيضًا بالنتيجة التنبؤ بفعالية هذا النموذج عند تطبيقه على المرضى الجدد.

ومن المشاكل الشائعة أيضًا أن تدريب خوارزميات التعلم الآلي يحتاج إلى كميات ضخمة من البيانات، وبحسب فريق سميدن فإن الخوارزميات التي راجعوها كانت تستخدم كميات قليلة جدًا من بيانات تصل لمئات المرضى، في حين قد تحتاج الخوارزمية الدقيقة والفعالة في التشخيص إلى ملايين المتغيرات من آلاف المرضى.

يشير فان سميدن إلى أن ضعف التنسيق والتواصل بين الباحثين حول العالم يسبب نقصًا في كمية البيانات واعتمادهم على بياناتهم الخاصة مع أن عدد المرضى المصابين بكوفيد-19 حول العالم كبير، ويؤدي عدم التنسيق والتعاون بين الباحثين في مختلف المجالات إلى صعوبة كبيرة في تطوير نماذج فعالة قد تساهم في تحسين العناية الطبية، فيقول: «ﻻ يحتاج الأمر لمنمذجين فقط، بل يجب تعاون علماء الإحصاء وتحليل البيانات مع علماء الأوبئة والأطباء وغيرهم لتحقيق شيء مفيد».

يشير فان سميدن في نهاية مراجعته إلى أهمية عاملي السرعة والجودة معًا في كل الأوقات، حتى في ظروف الأوبئة، مؤكدًا على عدم الجدوى من إنشاء خوارزميات بسرعة كبيرة دون مراعاة الدقة والجودة في إنشائها. ويختم: «ﻻ نريد أن نلعب دور الشرطي الإحصائي، ولكن يجب البحث عن النماذج الجيدة، وعند وجودها، ستشكل إضافة كبيرة ومساعدة عظيمة».

اقرأ أيضًا:

استغلال الذكاء الاصطناعي لجمع معلومات حول فيروس كوفيد 19

الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تشخيص سرطان الثدي

ترجمة: بيان علي عيزوقي

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر