يثير كوكب K2-18b الغامض كثيرًا من الجدل في هذه الأيام، وذلك لأنه قد يكون صالحًا للحياة، فهل يستطيع تلسكوب جيمس ويب الفضائي حسم الأمر؟

يدور الكوكب حول نجم صغير أحمر في كوكبة الأسد، ويبعد عن الأرض 124 سنة ضوئية، ولن يتمكن البشر من زيارته مطلقًا، لكن نظرة حديثة التقطها تلسكوب جيمس ويب الفضائي تُظهر أن الحياة الفضائية قد تكون مزدهرة هناك بالفعل في محيط دافئ وواسع.

وفقًا لدراسة نشرتها جامعة كامبريدج البريطانية أبريل 2025، أعلن العلماء الذين استخدموا تلسكوب جيمس ويب الفضائي عن رصد إشارات محتملة لوجود حياة في الغلاف الجوي لذلك الكوكب الغريب، ووصفت جامعة كامبريدج هذه النتائج بأنها أكثر أدلة واعدة على وجود حياة خارج كوكب الأرض حتى الآن. لكن خلال الأسبوع الذي تلا نشر الدراسة، بدأ عدد متزايد من العلماء بالتشكيك في هذا الادعاء الكبير.

قال إيدي شويترمان الأستاذ المساعد في علم الأحياء الفلكية في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد: «إن الأهمية الإحصائية لهذا الرصد ضعيفة. وعلى هذا، توجد عدة أسباب تدعو للتشكيك بها».

أكدت تيسا فيشر عالمة الأحياء الفلكية في جامعة أريزونا لموقع نيتشر دوت كوم أن الظواهر التي رصدها تليسكوب جيمس ويب الفضائي لا تدل على وجود حياة في الغالب. فما الذي كشفه تلسكوب جيمس ويب الفضائي فعلاً على كوكب K2-18b؟ وإلى أي مدى اقتربنا من حل اللغز الأعظم في الفضاء؟

ما الذي اكتشفه تلسكوب جيمس ويب الفضائي على كوكب K2-18b؟

خلافًا للتلسكوبات البصرية التقليدية مثل تلسكوب هابل، لا يتيح جيمس ويب الفضائي إمكانية تصوير أسطح الكواكب البعيدة بصورة مباشرة، بل تعتمد أجهزة تلسكوب جيمس ويب التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء على البحث عن العلامات الحيوية أو ما يعرف بالبصمة الحيوية في الأغلفة الجوية للكواكب بتتبع كيفية امتصاص ضوءَ النجم أو إعادة انبعاثه بفعل جزيئات هذا الغلاف، إذ ينشأ عن هذه العملية مخططات ضوئية تُسمى الأطياف قادرة على تحديد مكوّنات الغلاف الجوي للكوكب، ما يمنحنا إشارات مهمة عن ظروف أسطح الكواكب.

استخدم العلماء في الدراسة الجديدة ظ جهاز الأشعة تحت الحمراء المتوسطة MIRI الخاص بتلسكوب جيمس ويب الفضائي لاستكشاف غلاف K2-18b الجوي، والبحث عن آثار جزيئتين غنيتين بالكبريت هما كبريتيد ثنائي الميثيل DMS، وثنائي كبريتيد ثنائي الميثيل DMDS. هذان المركبان لا تنتجهما على الأرض سوى كائنات دقيقة مثل العوالق النباتية. إذا تبيّن أن كبريتيد ثنائي الميثيل يمكن تكوينه من خلال آلية طبيعية أخرى غير معروفة حتى الآن، فسيحتاج العلماء إلى إجراء تجارب موسعة للكشف عنها.

وبهذا تُضاف هذه النتائج إلى الملاحظات السابقة التي وجدها الفريق نفسه عام 2023 باستخدام جهازين مختلفين لتلسكوب جيمس ويب الفضائي، إذ سجّلت حينها أيضًا آثارًا محتملة لكبريتيد ثنائي الميثيل في الغلاف الجوي للكوكب.

مع إن فريق كامبريدج بالغوا بتشكيكهم بالنتائج التي توصلوا إليها، فقد احتفوا في بيانهم بهذه الاكتشافات التي لم نكن لنحصل عليها لولا تلسكوب جيمس ويب الفضائي، وعدوها أدلة واعدة على وجود حياة خارج الأرض؛ إذ إن تلسكوب جيمس ويب الفضائي قد رسم صورة لكوكب محيطي قد يكون مفعمًا بالحياة. إضافة إلى ذلك، رجحت دراسات أخرى أن محيط K2-18b قد يكون متشكلًا في الواقع من الصهارة.

شدد نيكو مادوسودان -أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة كامبريدج والمؤلف الرئيسي للدراستين- على عدم اكتشاف تلسكوب جيمس ويب أي شكل من أشكال الحياة فعليًا على كوكب K2-18b حتى الآن. وأضاف لموقع لايف ساينس: «هذا ليس ما ندعيه، لكن ما يهم فعلًا هو إمكانية الحياة على هذا الكوكب».

وصل اكتشاف الفريق لكبريتيد ثنائي الميثيل إلى مستوى الدلالة الإحصائية سيجما الثلاثية، أي أن هناك احتمالًا بنسبة 0.3% أن تكون هذه الإشارات حدثت صدفةً. لكن هذا ما يزال بعيدًا عن مستوى خمسة سيجما المطلوب الذي يشير إلى اكتشاف علمي ذو دلالة إحصائية.

وفقًا لرد مادوسودان على الانتقادات التي تفيد بأن الفريق قد بالغ في تقدير أهمية دراسته، أوضح فيه أنه من مصلحة الجمهور متابعة تطوّر هذا البحث.

قال مادوسودان: «إن المواطنين الذين يدفعون الضرائب هم من يمولوننا، ولهم كل الحق في متابعة العملية والاستمتاع بها. إذا كنا سنرسل روبوتًا إلى المريخ، فلن ننتظر حتى يذهب ويكتشف الحياة لنحتفل بإرساله؛ إذ أعلنّا مسبقًا أننا سنرسل روبوتات إلى المريخ، ونحن متحمسون لما قد ينجزه. وهذا تمامًا ما نعيشه هنا».

غياب الأدلة القوية

بحسب الإذاعة الوطنية العامة، فإن الجمهور لا يملك خيارًا حتى الآن سوى مواصلة الدراسة التي أجراها فريق كامبريدج. ولذلك أتيحت المجموعة الكاملة من بيانات جهاز الأشعة تحت الحمراء المتوسطة التي استند إليها الفريق في اكتشافه للجمهور منذ 27 أبريل، وبهذا سيتمكن باحثون آخرون من البدء في فحصها وصياغة ردودهم استنادًا إلى التحكيم العلمي.

حاول عدد من الباحثين في هذه الأثناء إعادة إنتاج هذه النتائج باستخدام نماذج البيانات الخاصة بهم أكثر من مرة، لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك.

أجرى فريق من العلماء في يناير 2025 تحليلًا مستقلًا لغلاف K2-18b الجوي باستخدام أجهزة تلسكوب جيمس ويب ذاتها التي استُخدمت في دراسة 2023. وكتب الباحثون في ورقة نشرت في أرشيف أرخايف أنهم لم يجدوا أي أدلة إحصائية أو موثوقة على وجود كبريتيد ثنائي الميثيل على كوكب K2-18b.

أعاد عالم الفيزياء الفلكية في جامعة أكسفورد جيك تايلور تحليل أطياف تلسكوب جيمس ويب الفضائي التي نشرها فريق كامبريدج في الدراسة الجديدة، مستخدمًا نموذج بيانات بسيط يُستخدم عادةً في دراسات الكواكب الخارجية. خلص تحليل تايلور الذي نُشر أيضًا في أرشيف أرخايف إلى عدم وجود أي آثار لكبريتيد ثنائي الميثيل.

نشر تايلور: «لا توجد أدلة قوية فعلًا على اكتشاف أية ميزات طيفية في طيف انتقال جهاز الأشعة تحت الحمراء المتوسطة الخاص بكوكب K2-18b».

عند الاكتفاء بدراسة فريق كامبريدج وحدها، وجد شويترمان أيضًا ما يدعو للتحفّظ قبل إعلان وجود بصمات حيوية على كوكب K2-18b.

وفقًا لشويترمان: «عندما يتفاعل كبريتيد ثنائي الميثيل مع الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن النجم، ينفصل إلى مكونات يعيد تجميعها لتشكيل جزيئات أخرى مثل مركبي الإيثان والإيثيلين. على هذا، لم يورد البحث اكتشاف هذه الجزيئات، وهو أمر يثير الاستغراب؛ إذ كان من المتوقع أن تظهر هذه الغازات معًا».

ما الخطوة الآتية؟

اتفق الجميع بما فيهم فريق كامبريدج على أن فهم هذا اللغز يتطلب مزيدًا من الرصد لكوكب K2-18b. ما يعني أن الباحثين سيطلبون مزيدًا من الوقت لاستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي لمراقبة الكوكب الغريب في أثناء مروره أمام نجمه.

تحدث هذه الظاهرة كل شهر تقريبًا أي في نطاق زمني قصير ومتكرر؛ إذ يُكمل K2-18b عبوره أمام نجمه كل 33 يومًا. بحسب مادوسودان، فإن تخصيص مزيد من الوقت لمراقبة عملية العبور هذه يجب أن يكون أمرًا بديهيًا عند استخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي.

أضاف مادوسودان أيضًا: «يستغرق العبور الواحد نحو 8 ساعات تقريبًا؛ أي يحتاج قياسه بزمن تلسكوب جيمس ويب الفضائي نحو 16 إلى 24 ساعة فقط، في حين يعمل تلسكوب جيمس ويب الفضائي على آلاف الساعات الرصد سنويًا».

أكد شويترمان أنه إذا كانت الملاحظات الإضافية تزيد من الأهمية الإحصائية لاكتشاف الفريق لكبريتيد ثنائي الميثيل، فإن الخطوة اللاحقة ستكون بإثبات أن بعض العمليات الطبيعية غير المعروفة لا تنتج هذا الجزيء؛ إذ سيتطلب هذا الأمر إجراء تجارب صارمة وبعض التفكير الإبداعي على الأرض. إضافة إلى ذلك، سيحتاج العلماء إلى النظر إلى الكواكب المشابهة لكوكب K2-18b ليعرفوا إذا كان كبريتيد ثنائي الميثيل سمة عامة في الكون.

اقرأ أيضًا:

الخط الزمني لنشوء الكون: العصور المظلمة.. كيف نجا الكون ؟

كيف غير التلسكوب حياتنا؟ نافذة على الاختراع الذي غير رؤيتنا للكون

ترجمة: أمير المريمي

تدقيق: ريمي سليمان

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر