وكالة ناسا تطور نظامًا إلكترونيًّا يمكنه تحمل الظروف شديدة القساوة على كوكب الزهرة


من المعروف أن رحلة الوصول إلى الزهرة قد تكون أقصر بحوالي 30% إلى 50% من الرحلة إلى المريخ، ولربما تتعجب كيف تنصب معظم الجهود العلمية حول أخذنا إلى الكوكب الأحمر بدلًا من استكشاف ثاني كواكب المجموعة الشمسية بعدًا عن الشمس (كوكب الزهرة).

في الحقيقة، إن أطول عملية أقيمت على سطح الزهرة استمرت لمدة زمنية قدرها ساعتين وسبع دقائق، قبل أن تحترق الدارات الإلكترونية للنظام المستخدم بسبب حرارة الكوكب الشديدة وغلافه الجوي الثقيل اللذان يجعلانه بيئة غير ملائمة للدراسة على الإطلاق.

لكن، إنَّ الإلكترونيات الجديدة التي طورتها ناسا يمكن أن تمنحنا الفرصة لدراسة وتفحص هذا الكوكب الشديد الحرارة عن قرب، فقد تمكن المهندسون في وكالة الفضاء(Glen) في مركز البحوث في كليفيلاند(Cleveland) من التوصل إلى دارات إلكترونية قادرة على الصمود لمدة أطول بمئة مرة من الدارات الإلكترونية المستخدمة في البعثة السابقة نحو الزهرة، ما يعني أننا نمتلك أخيرًا الأساسيات التقنية للقيام بفحوصات علمية مطولة فوق الكوكب الأكثر حرارة في النظام الشمسي بمعدل درجة حرارة 462درجة سيليسوس (863فهرينهايت) على سطحه.

” إذا نظرنا إلى جميع بعثات المريخ ، نجد أن هناك العديد من الروبوتات الجوالة فوق سطحه بحيث تعمل للحصول على كافة أنواع المعطيات العلمية، بينما نفتقد فعليًّا هذا الكم من المعلومات على كوكب الزهرة لأن الإلكترونيات غير معرفة للعمل على سطحه ” يقول فيليب نيوديك مهندس الإلكترونيات في ناسا.

وبما أن الطبقات الجوية للزهرة مكونة من سحب من حمض الكبريتيك، فإن المشكلة الحقيقية التي ستواجه الحساسات التي ستوضع على سطح الكوكب هي درجة الحرارة الهائلة والضغط الجوي الكثيف للكوكب، حيث يمتلك الزهرة غلافًا جويًّا عالي الضغط من ثاني أوكسيد الكربون، ما يجعله أكبر من الضغط الجوي لسطح الأرض ب 90 مرة، وهذا يعني أن الوقوف على سطح الزهرة يعرضك لضغط يعادل الذي تتعرض له إذا وقفت تحت 900 متر (300 قدم) تحت سطح البحر على كوكب الأرض.

فإذًا، ومع التحدي المزدوج للضغط الجنوني والحرارة الشديدة، لن تعمل الإلكترونيات العادية على سطح الزهرة، لذا فإن البعثة السوفييتية السابقة قامت باستخدام أوعية مقاومة للحرارة والضغط مجهزة بعبوات محكمة الإغلاق كتيمة لإبقاء المعدات الإلكترونية معتدلة الحرارة قدر الإمكان.
ولكن، حقيقة أن 127 دقيقة فقط هي أطول مدة مسجلة حتى الآن لصلاحية عمل الإلكترونيات على سطح الزهرة، -والذي سجلته البعثة السوفييتية عام 1982 – تشير إلى ضرورة إيجاد مقاربة جديدة تمامًا.
من هنا، قام مهندسو مركز البحوث Glen بتطوير دارات متكاملة من أنصاف نواقل مكونة من مادة كربيد السيليكون المتينة للغاية، حيث أن شرائح كربيد السيليكون ذات مقاومة عالية جدًا للحرارة مقارنة مع شرائح السيليكون التقليدية التي تكون جيدة فقط عند درجة حرارة أعلى من 250 درجة سليسيوس (482 فهرينهايت)، فعند هذه النقطة يمتلك النظام طاقة كبيرة ما يجعل الإلكترونات تتصرف بشكل مختلف، وهنا يتوقف السليكون بشكل فعال عن العمل كنصف ناقل.

لاختبار الدارات الإلكترونية الجديدة، قام الباحثون بوضع زوج من شرائح السيليكون الكبريدي في جهاز للفحص يدعى(GEER) عبارة عن غرفة بسعة 800 ليتر تعمل كفرن شديد الحرارة لمحاكاة ضغط وحرارة الغلاف الجوي لكوكب الزهرة بدقة عالية.

استطاعت الدارات الإلكترونية المختبرة تحمل الظروف التي تمت محاكاتها لمدة 521 ساعة، وهي نتيجة أفضل بمئة مرة من التجارب السابقة لها.

” لقد تمكنا من التوصل إلى عملية إلكترونية أطول بكثير باستخدام شرائح معرضة بشكل مباشر-دون تبريد أو حماية أو تغطية- لظروف مطابقة بشكل كبير للظروف الفيزيائية والكيميائية الناتجة عن الغلاف الجوي لسطح الزهرة، وإنَّ كلًا من الدارتين المتكاملتين استمرتا بالعمل بعد انتهاء الاختبار.”

إنها لنتيجة رائعة مكملة للاختبارات السابقة التي قامت بها ناسا، وباستخدام دارات متكاملة مشابهة من السليكيون الكربيدي، حيث تظهر النتائج أن الشرائح تمكنت من البقاء لمدة 1000 ساعة عند درجة حرارة 500 درجة سيليسوس (932 فهرينهايت) مع تطبيق الضغط الجوي عند سطح الأرض.

وبينما تتصاعد تطلعات ناسا الحالية لاستكشاف كوكب الزهرة ليصبح في مقدمة بعثات البحوث الأخرى، من المشجع جدًا أن دراسة هذا الكوكب المشوق والمرعب معًا أصبحت على الأقل ممكنة تقنيًّا الآن.

“لم يقم أحد من قبل بصناعة دارات تعمل في هذه البيئة ذات درجة الحرارة العالية ولمدة زمنية طويلة!” يقول نيوديك، ويضيف: ” إن هذا حقًا يفتح طرقًا جديدة كليًّا للقيام ببعثات فضائية إلى الزهرة.”


ترجمة: ديالا الأحمدية
تدقيق: منار نعيم
المصدر