يكمن سرّ تغيير الزمرة الدمويّة في جراثيم القناة الهضميّة.

وجدت دراسةٌ جديدةٌ تشير إلى إمكانيّة إنزيمات الجراثيم المتواجدة في السبيل الهضميّ أن تشطر مختبريًا السكريات الموجودة على سطح كريات الدم الحمراء والتي تحدّد نمط الزمر الدمويّة لدى البشر.

يُعدّ ذلك أمرًا مهمًا لأنّ هذه السكريات أو المستضدات قد تسبّب ردَّ فعلٍ مناعيٍّ مُدمّرٍ في حال نُقِلَ الدم إلى أشخاصٍ بزمرٍ دمويّةٍ مغايرةٍ.

يمكن لبعض الإنزيمات المُكتشفَة سابقًا أن تحوّل الزمرة الدموية B إلى O، إلّا أنّ مجموعة الإنزيمات المُكتشفَة في الدراسة حديثة العهد هي الأسبق إلى تحويل الزمرة A إلى O بشكلٍ فعّالٍ ومُجدٍ.

يقول الرئيس والكاتب للدراسة ستيفن ويذرز وهو عالم كيمياء حيويّة في الجامعة الكولومبية البريطانية للصحفيين من خلال لقاءٍ أجري يوم 21/آب لهذا العام في مقر الجمعيّة الكيميائيّة الأمريكيّة (ACS) في بوسطن: «لقد كان ذلك التحدّي الأكبر دومًا».

الطلب على الدم

بوفق ما يشهد متبرعو الدم إلى الصليب الأحمر، فإنّ الطلب على الزمرة O في تزايد؛ ذلك لأنّها تفتقر للمستضدات على سطح الكرية الحمراء ما يجعل صاحبها أو (المعطي العام) عالميًّا، إذ يمكن للأشخاص ذوي الزمر الدموية المختلفة تلقي الدم من الزمرة O دون إحداثهم أيّ ردّ فعلٍ مناعيٍّ.

وعلى نقيض ذلك فإنّ خلايا الدم الحمراء من النمط A و B و AB تمتلك مستضدات معينة على سطحها، مما يعني أنّ الأشخاص ذوي الزمرة A لا يستطيعون التبرّع إلّا للزمرة A أو للمستلم العام أي الزمرة AB، وبالمثل يمكن للأشخاص ذوي الزمرة B التبرّع فقط للزمرة B أو للمستلم العام أي الزمرة AB.

يمكن تجريد زمر الدم هذه من مستضداتها قبل نقل الدم بتحويل جميع الزمر الدمويّة إلى متبرّعين عالميين أي (معطين عامّين)، إلّا أنّ الباحثين لم يتوصلوا بعد لإنزيماتٍ آمنةٍ وفعّالةٍ بما يكفي للقيام بهذه المهمّة.

يعتقد الآن ويذرز وزملاؤه مع كل المعطيات أنّهم وجدوا مرشحّين جيّدين لهذه المهمّة، حيث شارك ويذرز نتائج دراسته خلال عرضٍ تقديميٍّ أقيم في مقر الجمعيّة الكيميائيّة الأمريكيّة موضحًا أنّ الإنزيمات المُصّنعة من الحمض النووي المستخلص من جراثيم السبيل الهضميّ قادرةٌ على إزالة المستضدات من النمط A و B من على سطح كريات الدم الحمراء.

وجد العلماء هذه الإنزيمات بتقنياتٍ تُدعَى (علوم الجينوم البيئية – Metagenomics) فبدلًا من زراعة جرثومٍ تلو الآخر في إجراءٍ مضنٍ، قام الباحثون باستخلاص الحمض النووي لجميع الأحياء الدقيقة الموجودة في السبيل الهضمي.

استطاع العلماء من خلال ذلك سحب جميع المخطّطات لما يمكن لهذه الأحياء أن تصنعه بما في ذلك الإنزيمات القادرة على نزع البروتينات الموسومة بالسكريات والتي تُدعَى ميوسينات والموجودة على جدار السبيل الهضمي.

يمكن الاعتبار من منطلق جزيئي أن الميوسينات شبيهةٌ إلى حدٍّ كبيرٍ بمستضدات كريات الدم الحمراء، وهذا ما دفع ويذرز وزملاءه لاستنتاج إمكانية لعب هذه الإنزيمات دورًا مزدوجًا. علاوةً على ذلك، فقد تبين أن هذه الإنزيمات – بالمقارنة مع مثيلاتها المكتشفة سابقًا – فائقة القدرة على شطر مستضدات الزمرة A، وبعد استكمال شطر المستضدات يمكن إزالة ما تبقى من الإنزيمات في كريات الدم الحمراء بإجراءٍ سهلٍ.

استخدام عملي؟

اختبر الباحثون الدم المعدّل إنزيميًا – المذكور سابقًا – ضمن دراسةٍ سريريّةٍ صغيرةٍ على البشر ونشرت تلك الدراسة في دورية (Transfusion) عام 2000.

تلقّى الأشخاص في تلك الدراسة نقل الدم إمّا من النمط O أو من الدم المعدّل إنزيميًا.

إلّا أن الإنزيم الذي يمكن أن يحوّل الزمرة الدموية من الزمرة B فقط كان مكلفًا للغاية وغير ملائمٍ للاستخدامات الحقيقية، وفقًا لملخصٍ مذكورٍ في الدورية البريطانية لأمراض الدم عام 2008.

قالت الدكتورة أليسا زيمان مديرة طب نقل الدم بجامعة كاليفورنيا للصحة في لوس أنجلوس لدورية (Live Science): «إنّ التحدّي في تغيير الزمر الدموية يكمن بوجوب الجدوى الاقتصادية من هذا الإجراء، ففي بعض المواقف حيث يكون التبرع بالدم ذو الزمرة O شحيحًا، قد تكون القدرة على تحويل زمرةٍ ما إلى زمرةٍ أخرى مفيدةً. إلّا أنّ هذه العمليّة ستقتصر بالضرورة على كميّة الدم التي يمكن تحويلها بشكلٍ مُجدٍ».

وأضافت: «من أجل تقليل خطر انتشار الأمراض المعدية، لا تقوم مراكز التبرع أبدًا بخلط العينات المُتَبَرَع بها من خلايا الدم الحمراء. أي أنّها لا تضع كل عينات الزمرة A على سبيل المثال سويةً، لذا فإنّ كل وحدة دم بحاجة إلى تحويل الزمرة، فتجرى عليها العملية لوحدها، ما يعني زيادة عدد الخطوات وزيادة الكلفة».

هنا أشار ويذرز إلى أنّ الإنزيمات التي اكتشفها فريقه قابلة للاستخدام في العيادات، ويمكن إجراء هذا التحويل في وحدات الدم كلًا على حدى.

وقد قال خلال اللقاء الصحفي: «بإمكانك وضع هذه الإنزيمات في وحدة الدم قبل سحب الدم إليها ومن ثمّ مراقبتها تتمّ عملها ضمن الوحدة».

ستكون الخطوة التالية التحري عن مأمونية هذه الطريقة، الأمر الذي عقد وايذرز وزملاؤه على عمله بالتعاون مع أطباء أمراض الدم والخدمات الكندية للدم، وهي منظمّة غير ربحيّةٍ تدير إمدادات كندا من الدم المتبرع به.


  • ترجمة: مريم عيسى
  • تدقيق: رند عصام
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر