هل راودتك من قبل رغبة عارمة في تحطيم الأشياء؟ ربما مررت بيوم عصيب على نحو خاص، أو قال لك مديرك شيئًا أثار حفيظتك، فشعرت بحاجة ملحة إلى التنفيس عن غضبك.

تروج الحكمة التقليدية لفكرة أن التعبير عن الغضب وإطلاقه بعنف قد يعد وسيلة علاجية فعالة. وقد ترسخت هذه الفكرة في أذهان كثيرين إلى أن تحولت إلى نشاط تجاري رائج. فقد انتشرت غرف الغضب في العديد من المدن داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها، وتقوم فكرتها على تمكين الأشخاص من تفريغ مشاعرهم الغاضبة بتحطيم الأشياء، غالبًا باستخدام مطرقة أو أداة مشابهة. تَعِد هذه الغرف زوارها بمجموعة من الفوائد التنفيسية، لا تقتصر على كونها ممتعة ومسلية، بل تُقدم أيضًا وسيلةً علاجية.

بالمنطق ذاته، يجد من يفضلون العالم الرقمي متنفسًا بديلًا عبر الإنترنت، من خلال مواقع إلكترونية مخصصة للتنفيس، تتيح للمستخدمين التعبير عن غضبهم بحرية عبر الكلمات أو حتى الشتائم. وتوفر هذه المنصات أيضًا إمكانية قراءة تجارب الغضب التي يشاركها الآخرون والتعليق عليها.

لكن هل يستحق هذا النوع من التنفيس كل هذا الاحتفاء؟

في السنوات الأخيرة، بدأ عدد من علماء النفس والمتخصصين في الصحة النفسية التشكيك في الأسس التي تقوم عليها هذه الفرضيات. فعلى عكس ما تروجه بعض الأساطير الشائعة في علم النفس، يبدو أن تفريغ الغضب قد يلحق ضررًا أكبر مما ينفع، بل قد يعزز من احتمالية السلوك العدواني لاحقًا.

فمن أين جاءت هذه الفكرة؟ وكيف أصبحت متجذرة بهذا الشكل؟

تراكم الضغط والتنفيـس:

كما هو الحال مع العديد من المفاهيم النفسية المتداولة، يمكن إرجاع الاعتقاد بأن الغضب يحتاج إلى تفريغ إلى أواخر القرن التاسع عشر. في تلك الحقبة، عبّر مفكرون مهتمون بآليات عمل العقل، من بينهم سيغموند فرويد، عن التراكم العاطفي بمصطلحات مستمدة من السوائل والأنظمة الواقعة تحت الضغط. وفقًا لهذا النمط الفكري، الذي أطلق عليه البعض اسم النموذج الهيدروليكي للعواطف، فإن الضغط العاطفي قد يتراكم في أذهاننا إلى أن يسبب توترًا نفسيًا أو أعراضًا عصبية.

في كتابهما الصادر عام 1895 بعنوان دراسات في الهستيريا، شرح فرويد وزميله جوزيف بروير طرقًا لمعالجة هذه الإثارة العاطفية عبر التنفيس، وهي عملية تخفف من حدة المشاعر المتراكمة بوسائل مباشرة أو غير مباشرة. وفقًا لفرويد، فإن إطلاق هذه المشاعر يجب أن يمنح الفرد شيئًا من الراحة النفسية. مع أن هذا يُعد تبسيطًا مخلًا، فإنه يوضح كيف تسللت الفكرة إلى الوعي الجمعي.

طوال القرن العشرين، واصل المحللون النفسيون وغيرهم ممن تأثروا بفرويد، استكشاف مفهوم التنفيس، لا سيما في ما يتصل بالغضب، ضمن إطار العلاج النفسي. وقد أسس هذا العمل لانتشار الفكرة في الثقافة الشعبية، وساهمت لاحقًا بعض الصيحات الصحية المثيرة للجدل، التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة في ترسيخها.

الصراخ البدائي وعالم المساعدة الذاتية:

في مطلع السبعينيات، ظهرت موجة جديدة في علم النفس الشعبي بالولايات المتحدة بثت حياة جديدة في فكرة قديمة. قدم عالم النفس آرثر جانوف، المحلل النفسي المتأثر بفرويد، ما يعرف بـالعلاج بالصراخ البدائي، وهو منهج يرى أن العصاب يعود إلى آلام عاطفية مكبوتة منذ الطفولة المبكرة. وفقًا لهذا الطرح، فإن الصدمة لا يمكن تجاوزها إلا من خلال تنفيس قوي ودرامي، مثل الصراخ.

بحسب كتابه الشهير الصراخ البدائي الصادر عام 1970، توصل جانوف إلى هذا الاكتشاف بعد جلسة علاجية عام 1967 مع مريض شاب يدعى داني ويلسون، تأثر بمسرحية شاهدها في لندن يظهر فيها رجل بالغ ينادي والديه. فشجعه جانوف على أن يفعل الشيء نفسه، وبعد بعض التردد، استجاب ويلسون وبدأ يصرخ «أمي! أبي!» وسط تنفس متسارع وتشنج، قبل أن يطلق صرخة مدوية، وصفها جانوف بأنها تشبه صرخة الموت، هزت جدران مكتبه.

يبدو أن هذه الصرخة كانت بمنزلة خلاص عاطفي لويلسون، الذي لم يتمكن سوى من القول: «لقد فعلتها! لا أعرف ماذا فعلت، لكنني أشعر!»

تحولت هذه الحادثة إلى حجر الأساس لمنهج جانوف، الذي ادعى أنه الوسيلة الوحيدة لتخفيف الصدمة العاطفية. صحيح أن التعبير عنها قد يكون عبر البكاء أو التحدث، وليس الصراخ فقط، إلا أن العلاج يقتضي – بحسبه- العودة إلى اللحظة الصادمة واستعادتها بكل ما تحمله من ألم.

زخر الكتاب بشهادات داعمة، وسرعان ما راج هذا الاتجاه بين عدد من المشاهير مثل جيمس إيرل جونز، وروجر ويليامز، وجون لينون، ويوكو أونو. وقد تماهت هذه الفكرة مع حركات الثقافة المضادة في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، وأصبح جانوف شخصية عامة تروج لهذا النمط العلاجي الذي نال شهرة واسعة. لكن رغم هذه الشعبية، لا توجد أدلة علمية تُذكر تدعم مزاعمه.

اليوم، يجمع علماء النفس تقريبًا على رفض العلاج بالصراخ البدائي، معتبرين إياه، في أحسن الأحوال، مجرد علم زائف.

اقرأ أيضًا:

قد تعرض نوبات الغضب قلب بعض الأشخاص للخطر

ما هي أفضل الطرق للسيطرة على الغضب؟

ترجمة: حسن السعيد

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

المصدر