طريقٌ مختصرة تفصل بين عظمة الجمجمة والدماغ قد تشكل ممرًا ممكنًا للخلايا المناعيّة لعبوره متجاوزة الحاجز الدماغي الدموي. اكتشف الباحثون مؤخرًا سلسلة من القنوات الصغيرة في جماجم الفئران والإنسان. وفي فئران المختبر، على أقل تقدير، تشكل هذه الممرات القليلة مصدرًا غير متوقع لحماية الدماغ.

افترض العلماء سابقًا أن الجهاز المناعي يتصل بالدماغ من طريق العبور عبر نوع من البوابات العصبيّة وهي حواجز تفصل القنوات الدمويّة عن النسيج العصبي الهام.

يبدو أنه لا حاجة لعبور هذا الطريق الطويل بعد الآن إذ تبيّن أن الخلايا المناعيّة الموجودة بداخل العظم الكثيف المحيط بالدماغ تمتلك طريقاً أسهل.

في العام الماضي، اكتشف الباحثون مجموعة كاملة من الخلايا المناعية المضيفة المخبئة في نقي عظم القحف لفئران التجارب. وعندما تتواجه هذه الخلايا مع فيروس أو ورم في الدماغ، فهي تمر عبر القنوات القحفية داخل السائل الدماغي الشوكي. والآن، يبدو أن الممر السري هو في الحقيقة طريق باتجاهين.

ليست فقط الخلايا المناعيّة وحدها التي تتمكن من عبور القبّة العظمية والتدفق باتجاه الدماغ، فقد وجد الباحثون أنه بإمكان السائل الدماغي الشوكي التسرب أيضًا من خلال عظم الجمجمة. يصف العلماء الحالة أنها مثل توقف الجهاز المناعي لأخذ استراحة.

وبالنسبة للسائل النقي الذي يحيط بدماغ الثدييات ويتدفق عبر الشقوق القحفية، فيُفحص ويُراقب عن قرب بواسطة الخلايا الموجودة في نقي العظم درءًا للأمراض. وفي حال رُصدت بدء الآليّة المرضيّة، يستجيب لها نقي العظم بإنتاج خلايا مناعية لمحاربة الخمج.

يظهر التصوير الفلوري المشع بوضوح عند حقنه داخل السائل الدماغي الشوكي عبوره القنوات الميليمترية في قحف الجمجمة إلى نقي العظم.

عندما حقن الباحثون البكتيريا المسببة لالتهاب السحايا داخل دماغ الفئران، حرّضت البكتيريا بدء العملية الالتهابية للأغشية الدماغية أو السحايا، ومن ثم أخذ هذا الخمج بالانتقال محمولًا بالسائل الدماغي الشوكي.

ينتشر السائل الدماغي الشوكي والبكتيريا في عظام الجمجمة عبر هذه القنوات الصغيرة ويُحرّضان الجهاز المناعي على الاستجابة.

بعد ساعة من حقن البكتيريا داخل دماغ الفأر، 99% من الخلايا الجذعية الموجودة في نقي عظم الجمجمة تنقسم لتعطي الأجسام المضادة الخاصة بها.

يقول ماتياس نايندروف العامل في مستشفى ماساتشوستس العام وجامعة هارفارد: «نعلم الآن أن باستطاعة الدماغ إرسال إشارات لمركز المناعة، وبمعنى آخر فإن الدماغ يطلب المساعدة في حال حدوث خطأ ما، مثل الخمج والالتهاب».

تراقب الخلايا الموجودة في نقي عظم الجمجمة السائل الدماغي الشوكي الذي يخرج من القنوات القحفية التي اكتشفت مؤخرًا.

في عام 2018، أدرك نايندروف وزملاؤه أن نقي العظم في جمجمة الثدييات يتصل مباشرة بالسحايا عبر قنوات وعائيّة صغيرة في العظم، ومنذ ذلك الوقت، أصبح من الواضح أن عظم الجمجمة مصدر مهمل للمراقبة المناعيّة. قبل ذلك، افترض أن صحّة الدماغ عند الثدييات تراقب من مواقع مناعيّة بعيدة في مكانٍ ما في الجسم.

ولكن البحث الجديد كشف أن هذه المواقع غير معنية بذلك، فبعد ساعة من حقن الباحثين للعوامل الممرضة داخل دماغ الفئران، لم تظهر خلايا نقي العظم المحيطي الموجود في عظم الساق عند الفأر أي أجسام مضادة متوقعة، في حين أن نقي عظم الجمجمة كان قد بدأ بذلك، ما يشير إلى أن الجهاز المناعي الموجود في عظم الجمجمة هو المعني للاستجابة الأوليّة للأخماج العصبيّة.

كتب المؤلفون في ورقة بحثهم الجديدة: «عامةً، يضمن نقي العظم الفحص بدقة بسبب قربه وتشابكه مع السحايا والجهاز العصبي المركزي».

يشير فحص العينات المستمر من السائل الدماغي الشوكي المرشح إلى أن حالة نقي العظم قد تعكس صحّة الدماغ وأن لنقي العظم دور رئيسي في تنظيم العمليّة الالتهابيّة في الجهاز العصبي المركزي.

وكشفت نظرة دقيقة للطاقة المناعيّة أن نقي العظم في عظم جمجمة الفأر تملك مركب من الخلايا المناعية يختلف بشكل بسيط عن نقي العظم في عظم الظنبوب في ساق الفأر.

تزداد أعداد العدلات التي تعد في عظم الجمجمة خط الدفاع الأول للجهاز المناعي، والوحيدات التي تهاجم العوامل الممرضة أو تنبه خلايا الدم الأخرى لتقوم بالفعل المناسب، بشكل ملحوظ بعد حقن البكتيريا بدماغ الفأر. تتجمع الخلايا المناعية أيضًا بالقرب من الجيوب الأنفية فهي غنيّة بنقي العظم والسائل الدماغي الشوكي.

تقترح النتائج وجود ممر مباشر للسائل الدماغي الشوكي في نخاع عظم الجمجمة. ومن خلاله تَعبُر الخلايا المناعية لنخاع الجمجمة استجابةً للإشارات من السائل الدماغي الشوكي. وغالبًا، يكون الممر مفيدًا، إذ يساعد الجهاز المناعي للجمجمة بالحفاظ على صحة الدماغ عند الثدييات من خلال فحص السائل الدماغي الشوكي باستمرار والتأكد من خلوّه من العوامل الممرضة و الاستجابة المناعية عليها بانتظام.

إذن ماذا سيحدث إذا تفاقمت الاستجابة المناعية؟

يقول ناريندروف: «من المحتمل أن يكون لهذا الأمر تأثير واضح على حالات مرضية مثل الخرف ومرض ألزهايمر بسبب مكوّن التهابي يدخل في آليتها».

ربمّا لا تظهر هذه النتائج بين جميع البشر حتى الآن، فإنه من المحتمل أن تظهر أدمغتنا أنظمة مشابهة تتجاوز الحاجز الدموي الدماغي. وباستخدام جهاز التصوير المقطعي المحوسب، وجد الباحثون قنوات صغيرة مشابهة تصل عظام جمجمة الإنسان بسحايا الدماغ، يقدّر قطر كلٌّ منها ب 1.5 ملم.

ليس واضحًا حتى الآن ما إذا كان بإمكان كريات الدم البيضاء والسائل الدموي الدماغي العبور من خلال هذه الممرات عند البشر أيضًا أم لا.

تُعرف جميع الأمراض العصبية كالتصلب المتعدد والوهن العضلي الوخيم ومتلازمة غيلان باريه، على أنها ردة فعل مناعية مفرطة ولكن الطريقة التي تثار بها هذه الاستجابة ما زالت قيد الدراسة حتى الآن.

يقول ناريندروف: «قد يكون عملنا مفيد لدراسة الحالات التي تكون فيها الاستجابة المناعيّة ضارة، مثلًا: عندما تسبب الخلايا المناعية المُستمدة من نخاع عظم الجمجمة أذية في الدماغ والأعصاب المحيطة».

فهم الآلية التي تثير عمليّة الالتهاب في النسيج العصبي هي الخطوة الأولى لتعديلها بنجاح.

اقرأ أيضًا:

ماهي البقعة الزرقاء الموجودة في الدماغ والتي تساعدك على تركيز انتباهك؟

طور علماء جسمًا مضادًا لفتح الحاجز الدموي الدماغي وإيصال الأدوية

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: دوري شديد

المصدر