أعد العلماء قائمة من الشروط التي قد تساعد شركات التنقيب عن مصادر الطاقة على تحديد أماكن خزانات عملاقة من الهيدروجين النظيف، ويُعد التنقيب عنه في القشرة الأرضية خطوة على الطريق الصحيح للانتقال إلى الطاقة النظيفة والابتعاد عن الوقود الأحفوري.

ترجح الدراسات أن خزانات الهيدروجين مدفونة بكميات كبيرة في عدة مناطق حول العالم، من ضمنها 30 ولاية أمريكية على الأقل. سيساعد الوصول إلى هذه الخزانات على تسريع عجلة التحول الإقليمي نحو الطاقة النظيفة، لكن ما يعوق الجيولوجيين هو معرفة كمية هذه التجمعات من الهيدروجين وكيفية تحديد مواقعها.

يقول كريس بالنتين رئيس قسم الكيمياء الجيولوجية بجامعة أكسفورد: «أهم ما يجب أن نعرفه الآن هو أين تكوّن الهيدروجين ثم معرفة أين تجمع وأين يُختَزَن».

نشر بالنتين دراسة جديدة في مايو 2025 في مجلة نيتشر في الجزء الخاص بأبحاث الأرض والبيئة، وقد أجاب البحث هذه التساؤلات، إذ يصف المتخصصون أن القشرة الأرضية تنتج الهيدروجين منذ مليار عام تقريبًا بما يكفي أن يكون مصدر طاقة لنا في 170,000 عامًا المقبلة. لكن الذي يحتاج إلى توضيح هو كمية الهيدروجين القابلة للاستخراج بمردود اقتصادي مربح.

أعد العلماء قائمة الشروط أو الظروف الجيولوجية للأرض التي تساعد على تكوين غاز الهيدروجين الطبيعي في باطن الأرض، والنظر في هذه الشروط يسهل عملية التنقيب عن الخزانات الأرضية. أضاف بالنتين: «برز اهتمام شديد لعدد من شركات الاستكشاف في الشروط المحددة التي تُراكم غاز الهيدروجين وتنتجه لأنها تختلف باختلاف البيئة الجيولوجية، ومن هذه الشركات: كولوما وهاي تيرا وسنوفوكس وريو تينتو».

يتطلب نشوء خزان الهيدروجين الطبيعي ثلاثة شروط وهي: مصدر لغاز الهيدروجين، وتجويفات صخرية تستطيع حجز كميات من الغاز، وموانع التسرب لتحجز الغاز في باطن الأرض. توجد عمليات طبيعية كثيرة قادرة على تكوين الهيدروجين، من أبسطها مثلًا التفاعل الكيميائي الذي يؤدي إلى انقسام جزئ الماء إلى هيدروجين وأكسجين، وأي صخرة تحتضن هذا النوع من التفاعلات تُعد مصدرًا محتملًا لتكوّن غاز الهيدروجين.

يقول بالنتين: «أكثر الأماكن جذبًا للانتباه في تكوين الغاز هي كانساس، حيث توجد خاصية تصدع منتصف القارة تكونت منذ مليار عام تقريبًا، فكونت كميات ضخمة من الصخور -خصوصًا البازلت- التي تستطيع التفاعل مع الماء لتكوين الهيدروجين. إن عمليات البحث والتنقيب قائمة هنا في كانساس على قدمٍ وساق لاكتشاف هياكل جيولوجية قد راكمت كميات الهيدروجين المُخَزنة».

بناءً على ما يعرفه العلماء عن كيفية تكوين الغازات الأخرى داخل الصخور بباطن الأرض، من المرجح أن الضغط التكتوني وتدفق درجات الحرارة المرتفعة قد تطلق غاز الهيدروجين داخل القشرة الأرضية، يقول بالنتين: «يساعد هذا على اقتراب الهيدروجين من السطح حيث يتجمع ويشكل مصدرًا اقتصاديًا».

توجد داخل القشرة الأرضية مجموعة متنوعة من التفاصيل الجيولوجية التي قد تكون واعدة لشركات التنقيب عن مصادر الطاقة، حتى إن البحث وجد تفاوتًا في المكونات الجيولوجية بدايةً من مركبات معدن الأفيوليت مرورًا بالأقاليم البركانية وصولًا إلى أحزمة الأحجار الخضراء الأركية.

يعد الأفيوليت جزءًا من قشرة الأرض والوشاح العلوي في التكوين الأرضي تحت المحيط، لكنها اندفعت لاحقًا إلى اليابسة. عام 2024، اكتشف الباحثون خزانًا ضخمًا من الهيدروجين داخل مجمع أوفيولايت في ألبانيا.

تُعد الصخور البركانية نوعًا من الصخور التي تكونت في الأصل من الماجما أو اللاڤا، أما أحزمة الأحجار الخضراء الأركية فهي مكونات تصلبت على مدى 4 مليار عام تقريبًا وتمتاز بالمعادن الخضراء مثل معدن الكلوريت والأكتنوليت.

تُعد الظروف التي تطرق البحث لها من الشروط الأساسية لاستخراج غاز الهيدروجين، وهذا ما أكده جون جلياس بوصفه الباحث الثاني المشارك في هذه الدراسة وأستاذ الطاقة الجيولوجية والمتخصص في دراسة احتجاز وتخزين الكربون في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة.

تعرض الدراسة الخطوط العريضة للظروف المسببة لتكون الغاز، وهي ما يجب أن تأخذه الشركات المنقبة عن الغاز بالحسبان عند وضع خططها، ويتضمن ذلك العمليات التي قد ينتقل فيها الهيدروجين أو يتبدد بمكانه بباطن الأرض.

تقول باربرا شيروود الباحثة المشاركة في الدراسة: «نعلم مثلًا أن الميكروبات الموجودة تحت الأرض تتغذى بسهولة على الهيدروجين. والبيئات التي قد تتلامس فيها البكتيريا مع الصخور المُنتِجة للهيدروجين قد لا تكون أماكن مناسبة للبحث عن خزانات الهيدروجين».

يُستخدم الهيدروجين في صناعة مواد كيميائية أساسية مثل الميثانول والأمونيا التي تُعد مكونًا رئيسيًا في معظم أنواع الأسمدة. قد يُساهم هذا الغاز في الابتعاد عن الوقود الأحفوري، فيمكن استخدام الهيدروجين لتشغيل السيارات ومحطات الطاقة. لكن الهيدروجين المتوفر حاليًا يُنتَج من الهيدروكربونات، ما يعني أن تصنيعه يسبب انبعاثات كربونية ضخمة. أما الهيدروجين النظيف المستخرج من الخزانات الطبيعية تحت الأرض، فيمتلك بصمة كربونية أقل بكثير لأنه يتكوَّن طبيعيًا.

«تُنتِج قشرة الأرض الكثير من الهيدروجين، والسؤال الآن هو كيفية الاستفادة من قائمة الشروط للوصول إليه».

اقرأ أيضًا:

قد تشكل المحيطات على كوكبنا مصدرًا هائلًا للطاقة المتجددة

مستقبل النقل: وقود صناعي يعتمد على الطاقة الشمسية

ترجمة: أحمد صبري عبد الحكيم

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر