ماذا لو افترضنا عدم وجود القنابل النووية في عالمنا؟ ربما تكون فرضية من ضرب الخيال ويستحيل تحقيقها الآن، خاصةً بعد انتشار التكنولوجيا انتشارًا مهولًا، وغدت جزءًا يصعب فصله عن المنظومات الدفاعية للدول. لكن ربما كان ذلك ممكنًا في وقت ما، إن وُجدت خوارزمية واحدة لفك تشفير الإشارة الأحادية بطريقة ما، ربما كان ذلك من شأنه منع سباق التسلح النووي القائم اليوم.

وقف الاختبارات النووية:

انتهت الحرب العالمية الثانية بإلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على اليابان، ما سبب دمارًا هائلًا ما زال تأثيره ملحوظًا على الأجيال الحالية. رغم كونها مأساة فقد نبهت البشرية إلى الخطر المحدق، نتيجة قوة هذه القنابل التي لم يسبقها مثيل في التاريخ البشري في أثرها المدمر. في الوقت ذاته، أثبتت تلك الواقعة للعالم أجمع قدرة الولايات المتحدة على إلقاء القنابل النووية أينما كان وقتما تشاء.

أدركت الولايات المتحدة انفرادها بامتلاك هذا السلاح، وأن التسلح النووي سيصبح حديث الساحة العسكرية لدى الدول الكبرى، ما قد يسبب افتعال حرب نووية تقضي على الوجود البشري. نتيجةً لذلك، بادرت الولايات المتحدة بإجراء مباحثات مع الاتحاد السوفييتي والدول الأخرى ذات القدرات النووية، بهدف وضع حد للتطوير النووي، لكن كما هو متوقع لم تستطع تلك الدول تبادل الثقة للتقيد بالاتفاقيات. إذ واصلوا اختباراتهم النووية للوصول إلى قدرات نووية كبيرة وخطرة يصعب ضبطها.

تُعد عملية اختبار السلاح النووي في جزيرة بيكيني ضمن جزر مارشال من أشهر التجارب النووية للولايات المتحدة، إذ أمطرت السماء المادة المشعة على الجزر المجاورة وسفن الصيد، وأدت إلى تسمم إشعاعي حاد، ما أجبر الدول النووية على الجلوس إلى طاولة المحادثات مرةً أخرى، واتفقوا على وقف إجراء الاختبارات النووية. ولضمان ذلك أصبح بوسع كل دولة معرفة إن كانت دولة أخرى تجري اختبارات نووية، وذلك بواسطة أجهزة الهيدروفون، التي تكشف العملية سواءً أُجريت تحت البحر أو في السماء، لكن من الصعب تحديدها لو كانت في أعماق الأرض، وهي مشكلة ظلوا يحاولون إيجاد حل لها.

تحويل فورييه المتقطع:

هذه التقنية هي من أهم الخوارزميات في تاريخ التكنولوجيا، إذ فتحت الأبواب لتطويرات مهمة، مثل إشارة الهاتف الجوال والشبكات اللاسلكية «واي فاي»، وأهم من ذلك قدرتها على رصد أي نشاط نووي تحت سطح الأرض، وذلك بتتبع الإشارات المعقدة بواسطة أجهزة رصد الزلازل. تتكون هذه الإشارات من العديد من الأمواج الجيبية بترددات مختلفة، تساهم في تشكيل نتيجة الرصد النهائية، ويمكن فك تشفيرها بفصل كل تردد على حدة. لتقريب الفكرة يمكن تشبيهها بأغنية، إذ تكون الأغاني عادةً نتاج تكامل بين أصوات آلات موسيقية عديدة ومفردات لغوية يمكن فصلها.

«تحويل فورييه المتقطع»، اختصارًا (DFT)، أول خوارزمية قادرة على فصل الإشارات المعقدة، بأخذ عدد من العينات ثم ضربها في ترددات إشارة جيبية أو تجيبية تبعًا لطبيعة الإشارة نفسها. يزداد تعقيد هذه العملية، إذ يمكن الوصول إلى دقة أفضل بأخذ عينات أكبر، لكن يرافق ذلك تعقيد أكبر في إجراء العمليات الحسابية المرافقة.

مثلًا، عند أخذ 8 عينات من الإشارة ذاتها، فكل عينة تحتاج إلى مضاعفتها 8 مرات، من ثم نحصل على 64 عملية حسابية. يُسمى ذلك الخوارزمية ذات التعقيد من رتبة O(N2)، حيث Nهي عدد العينات. هذه الرتبة عادةً غير فعالة كفاية وذات تعقيد كبير عندما يتعلق الأمر بعدد عينات كبير، مثلًا في نطاق الملايين وحتى الآلاف، في هذه الحالة يصبح عدد الحسابات اللازمة مهول. أيضًا فإن حتى الحواسيب اليوم قد تفشل في إجراء تلك الحسابات، فماذا عن الحواسيب في منتصف القرن الماضي؟

لكن ما علاقة ذلك بالاختبارات النووية؟ ذكرنا سابقًا إنه يمكن الكشف عن الاختبارات النووية تحت سطح الأرض بواسطة أجهزة رصد الزلازل، لكن ذلك ليس كافيًا إذ يجب عزل الضجيج الصادر عن الزلازل الصغيرة التي تحدث تحت سطح الأرض يوميًا، الأمر الذي يمكن تحقيقه بوساطة «تحويل فورييه المتقطع»، لكن يبقى موضوع ضعف قدرات الحواسيب آنذاك عائقًا، إذ قد يستغرق فك تشفير إشارة ما عدة سنوات.

تحويل فورييه السريع: خوارزمية للتاريخ

طور جيمس كولي وجون تاكي، مستشارا الرياضيات لرئيس الولايات المتحدة آنذاك- إصدارًا جديدًا من خوارزمية تحويل فورييه المتقطع، وأسموها «تحويل فورييه السريع»، اختصارًا (FFT). كما يدل الاسم فهي أسرع من «تحويل فورييه المتقطع» بمراحل، استنادًا إلى أن الموجات المأخوذة من العينات تتداخل عند نقطة محددة، ما يؤدي إلى حذف العمليات الحسابية غير المجدية. على هذا، تتحول الرتبة O(N2) إلى Nlog2(N) في حالة «تحويل فورييه السريع»، ما يعني تسريعها أُسيًا. مثلًا، في الحالات التي تتطلب من خوارزمية «تحويل فورييه المتقطع» إجراء 64 عملية حسابية، يمكن إجراؤها بواسطة «تحويل فورييه السريع» عبر 24 عملية حسابية فقط للوصول إلى النتيجة ذاتها، وكل زيادة في عدد العينات يرافقها تحسن في النتائج.

مع زيادة المخاوف النووية، قُدمت خوارزمية «تحويل فورييه السريع» في ورقة بحثية نشرها العالمان عام 1965، وفي الفترة ذاتها أصبحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي أكبر قوتان نوويتان. فأصبح من الصعب التوقيع على حظر شامل للتجارب النووية، لكنهم أُجبروا على إجراء تجاربهم تحت سطح الأرض، إذ تصاعد معدل إجرائها إلى نحو مرة أسبوعيًا.

مع ذلك، استفاد العالم من خوارزمية «تحويل فورييه السريع» في الاتصالات وتطبيقات نقل البيانات، إذ تُعد من أهم الخوارزميات في التاريخ البشري، وكان من المتوقع أن تكون أعظم بكثير لو استطاعت وقف سباق التسلح النووي، لو اكتُشفت قبل سنوات قليلة فقط.

اقرأ أيضًا:

الكشف عن مقاتلة حاملة للرؤوس النووية من الجيل السادس الأشد رعبًا على الإطلاق

ما هي تداعيات الحرب النووية؟

ترجمة: علي الذياب

تدقيق: حسام التهامي

المصدر