هل يمكن أن تنمو النباتات في تربة القمر؟ تذكر دراسة مثيرة نُشرت في مجلة (Communications Biology) تجربةً استُعملت فيها عينات التربة القمرية التي جمعتها بعثات أبولو لزراعة النباتات. للمرة الأولى، وعلى نحو مفاجئ، استطاعت نبتة أرضية العيش في عينات تربة القمر ضمن التجربة. الاسم العلمي لتلك النبتة هو «أرابيدوبسيس ثاليانا» وتُسمى «رشاد أذن الفأر».

استخدم الباحثون في جامعة فلوريدا 12 عينة من التربة القمرية التي جمعتها بعثات أبولو 11 و12 و17 بين عامي 1969 و1972. استعمل الباحثون إلى جانب تلك العينات القمرية 16 عينة من الرماد البركاني الأرضي، ثم قارنوا نمو نبتة رشاد أذن الفأر في نوعي العينات. استعمل الباحثون رمادًا بركانيًّا له المحتوى المعدني وحجم الجزيئات نفسيهما لتربة القمر لتجنب أي تناقضات.

درس الباحثون عينات التربة لأكثر من عام، وراقبوا بحذر نمو النباتات المزروعة في العينات وتركيبها الجيني، وخرجوا بنتائج مذهلة.

لماذا تلك النبتة بالذات؟

يقول الدكتور روبرت فيرل، الأستاذ البارز في جامعة فلوريدا وأحد مؤلفي الدراسة، إن هذه النبتة اختيرت تحديدًا لأسباب مهمة: «السبب الأول أن هذه النبتة دُرست باستفاضة شديدة على الأرض، إذ يرجح أن آلاف المختبرات حول العالم عملت أو تعمل على هذه النبتة، لذا فنحن نعرف الكثير عن هذه النبتة من كل نكليوتيد في خارطتها الجينية إلى الجينات التي يعبر عنها».

«السبب الثاني حجمها الصغير، وإمكانية نموها في كمية صغيرة من التربة. لقد زرعنا نبتة في كل غرام من التربة مبدئيًّا، يعادل غرام واحد من التربة القمرية مِلء ملعقة صغيرة، لذا على النبتة أن تكون صغيرة لتنمو جيدًا. أيضًا فإن لهذه النبتة مساهمة كبيرة في عشرين سنة الأخيرة من الأبحاث المتعلقة بالفضاء.

فقد زُرعت في محطة الفضاء الدولية وفي مكوك فضائي، لذا فنحن نملك ليس مجموعة من البيانات الأرضية فحسب، بل أيضًا بيانات متعلقة بالفضاء للمقارنة».

من هذه الميزات، استنتج الباحثون أن نبتة رشاد أذن الفأر ستكون النبتة المُثلى للزراعة في تربة القمر من أجل تجاربهم. زُرعت النبتة ضمن التجربة في عينات من تربة القمر ومن الرماد البركاني.

إلى أي مدى نمت النبتة في تربة القمر؟

رغم امتلاكهما تركيبة معدنية متشابهة، دعم كل من تربة القمر والرماد البركاني نمو النبتة بصورة مختلفة. نمت العديد من النباتات في التربة القمرية بالشكل واللون نفسيهما، لكن بعضها احتوى أصبغة سوداء محمرة. تبيّن تلك الأصبغة الإجهاد. نمت النباتات التي زُرعت في تربة القمر نموًّا بطيئًا وناقصًا وأظهرت مورثات إجهاد أكثر من نظيراتها المزروعة في الرماد البركاني.

أظهرت النباتات قاتمة اللون التي زُرعت في تربة القمر أكثر من 1000 مورثة إجهاد. أظهرت النباتات المزروعة في عينات أبولو 11: 465 مورثة، وأظهرت تلك المزروعة في عينات أبولو 17 و 12: 113 و265 مورثة إجهاد على التوالي. رُبط الإجهاد في 71% من هذه المورثات بوجود المعادن ومركبات الأكسجين عالية التفاعلية والأملاح. على نحو مثير للاهتمام، تمكنت النباتات المزروعة في عينات أبولو 12 وأبولو 17 فقط من النمو، أما نباتات أبولو 11 فلم تنمُ على الإطلاق.

يوضح الباحثون أن العينات أُخذت من طبقات مختلفة من التربة عبر بعثات أبولو. بقيت عينات أبولو 11 في تماس مع سطح القمر فترة أطول بكثير من عينات أبولو 12 و17. لذا فربما أضر التعرض المطول لسطح القمر بعينة التربة، لذلك لم تُظهر النباتات المزروعة في عينات أبولو 11 أي نمو.

خلص الباحثون إلى إمكانية زراعة النباتات في تربة القمر، لكن تربة القمر لا تدعم نمو النباتات بنحو كبير مقارنةً بالرماد البركاني، خاصةً إذا كانت معرضة لسطح القمر.

ينمو النبات بصورة أفضل في تربة القمر الأقل تعرضًا للبيئة الخارجية للقمر، يعود ذلك إلى تعرض سطح القمر للرياح الشمسية والأشعة الكونية التي تؤذي التربة.

الاكتشاف الأهم في تجربة تربة القمر

يقلل التركيب الكيميائي لتربة القمر ووجود بقايا معدنية فيها من ملاءمتها لنمو النبات مقارنةً بالرماد البركاني. لكن يبقى نجاح العلماء في زراعة نبتة ضمن عينات من تربة القمر المكسب الأكبر لهذه التجربة.

يقول عالم الجيولوجيا والكاتب المشارك للدراسة ستيفن إيلاردو، مؤكدًا أهمية هذه النتائج: «من وجهة نظر جيولوجية، تُعد هذه التربة مختلفة جدًا عن أي تربة موجودة على الأرض. نمو النبتة مع ذلك أمر مذهل. إنها تجهد لكن لا تموت، ولا تفشل في النمو على الإطلاق، إنها تتأقلم».

يشير الباحثون أيضًا إلى أن المزيد من البحث قد يمكننا من معرفة كيفية زراعة النباتات بكفاءة على القمر. لذلك علينا أن نفهم كيفية تفاعل النباتات الأرضية مع تربة القمر بواسطة دراسات مماثلة.

اقرأ أيضًا:

باحثون يقترحون استعمال مدار القمر لرصد موجات الجاذبية

العثور على كرات زجاجية غامضة على سطح القمر

ترجمة: إيهاب عيسى

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر