ستكون الطرق القمرية تمهيدًا لوجود البشر لمدة أطول على القمر، ويبدأ الأمر بالخرسان المصنوعة من تربة القمر، وربما نستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء الأرصفة.

التخطيط المستقبلي لقاعدة تعدينية قمرية، بالإضافة إلى المهمات المخطط إطلاقها بحلول عام 2025 مثل مهمة Artemis III، كل ذلك سيقودنا في النهاية لإطلاق عصر جديد من الوجود البشري الواسع في نظامنا الشمسي.

يتمثل العاملان الرئيسيان للبنى التحتية طويلة المدى على القمر، مثل صناعة الطرق والمحطات العلمية، في:

  1. التصنيع المستدام للمواد اللازمة التي يمكن الحصول عليها من تربة القمر نفسه.
  2.  آلات مخصصة للتعامل مع تربة القمر، حتى تتمكن من إنشاء البنى التحتية عليه.

ومن أجل إنشاء التقنيات الضرورية، استثمرت ناسا في عدة ابتكارات هندسية أكاديمية وصناعية. والجدير بالذكر إلى جانب ذلك، منحت وكالة الفضاء عقدًا بقيمة 57.2 مليون دولار لشركة Icon للطباعة ثلاثية الأبعاد في عام 2022، من أجل بناء طرق قمرية وبنىً تحتية.

من ناحية أخرى، وفقًا لبرنامج فضائي معين، ستقوم مهمات أرتيميس الفضائية بوضع الأساس لوجود البشر على القمر، ويتضمن ذلك الأدوات اللازمة لاستخراج المعادن من القمر.

على الجانب الأكاديمي يتحقق مهندسون مثل سفين بيلين وهو أستاذ تابع لجامعة ولاية بنسلفانيا، من إمكانية عمل تصميمات لبنية القمر السطحية، بما في ذلك استعمال الطابعات ثلاثية الأبعاد لبناء مستوطنات وطرق، بالإضافة لذلك الاستفادة من الموجات الميكروية وتسخيرها بشكل طاقة يمكنها تشغيل تطبيقات قمرية متعددة.

لماذا نحن بحاجة لإنشاء طرق على القمر؟

لا يبدو إنشاء الطرق على القمر مجرد فكرة مثيرة تدفعنا للمستقبل، بل تجنبًا للمخاطر أيضًا. إذ إن القيادة على تربة القمر السطحية الناعمة والمكونة من الغبار والتربة والصخور المحطمة يمكن أن تسبب مشاكل خطيرةً.

استطاع رواد فضاء أبولو التجول بحذر بواسطة عرباتهم القمرية. ولكن سريعًا ما أدركوا أنهم يجلبون الغبار غير المرغوب به إلى عرباتهم الجوالة.

وفقًا لما قاله بيلين: «أولًا، لا تشبه تربة القمر الصخور والرمال الأرضية، إذ إن لها خصائص الأمواس الحادة، إذ يمكنها الدخول في كل مفصلات العربة وأجزائها المطاطية والإضرار بها. ثانيًا يتكون الغبار القمري من جسيمات صغيرة مشحونة إليكتروستاتيكًا التي لا تلتصق بالأشياء فحسب بل إذا استُنشقت سوف يصبح ذلك أمرًا خطيرًا جدًا على الصحة، لذلك فإن الطريق المسطح والمضغوط سوف يمنع تطاير ذلك الغبار».

تتطلب صناعة طريق مضغوط سطحًا صلبًا خاليًا من الجسيمات الناعمة، يقول بيلين: « لدينا طرق عديدة لتجربة صناعة ذلك على الأرض. أبسط طريقة تتمثل في دكّها وضغطها؛ كثيرًا ما تستخدم تلك الطريقة في صناعة الطرق الترابية طوال الوقت على الأرض».

أضاف بيلين: «المشكلة أنها ليست متينةً بما فيه الكفاية، أي إنها عند القيادة عليها، قد تتسبب في تمزيق الأشياء فوقها، لذلك هنالك طرق أخرى أكثر فاعليةً، مثل أخذ الحصى وخلطه مع القطران لصناعة الإسفلت، ثم تعبيدها بالطبقة السوداء».

على الأرض، يمكن صناعة الخرسانة بدمج الإسمنت ومادة تربط بين الماء والرمل مع كميات صغيرة من المكونات الأخرى التي تمر بعملية تصلب كيميائية. أما بالنسبة للقمر، فإنه علينا التعامل مع نقص المواد التي اعتدنا استخدامها على الأرض لصناعة الطرق.

ولصناعة الخرسانة بالطباعة ثلاثية الأبعاد سوف يكون من الضروري معرفة كيفية صناعة الخرسانة من تربة القمر.

كان بيلين مع زميلته أليكسندرا رادينيسكا -أستاذ الهندسة المدنية في جامعة ولاية بنسيلفانيا- جزءًا من فريق متعدد التخصصات ضم العديد من طلبة الكليات والمدارس، الذي فاز بالمركز الثاني في مسابقة نظمتها ناسا لصناعات الهياكل البنائية بالطباعة ثلاثية الأبعاد عام 2019.

أنشأت رادينيسكا وزملاؤها في الجامعة الخرسانة اللازمة لبناء مستوطنة مريخية مستقرة. وقد اعتمدوا في تصميمها على «المارسكريت»؛ وهي مادة تحتوي على الكبريت المذاب الممزوج بالرمل. لم تقتصر دراسة تلك المادة فقط على مهندسي جامعة ولاية بنسلفانيا، وإنما درستها العديد من الفرق البحثية حول العالم.

كان يجب على خرسانة فريق ولاية بنسيلفانيا أن تشابه تربة المريخ، مع استخدام قليل من الماء. لكن في منتصف المنافسة اكتشف العلماء ما يفيد بأن المريخ يحتوي على ماء، لذلك غيّر المهندسون الخليط حتى يتمكنوا من استخدام إسمنت بورتلاند؛ الذي يعد النوع الأنسب والأكثر شيوعًا للاستخدام في إنشاء البنى التحتية. يتكون ذلك الإسمنت من معادن الحجر الجيري والطين وبعض من الجبس، وبالتأكيد كان الماء جزءًا من الخليط.

سيتطلب القمر نوعًا مختلفًا من الخليط الإسمنتي؛ يعتمد على طبيعة تربة القمر. فأرسل فريق رادينيسكا مواد تحاكي تربة القمر إلى محطة الفضاء الدولية لاختبار كيفية خلطها مع الماء في مستويات مختلفة من الجاذبية. بعض من تلك العينات أُرفق بالجزء الخارجي للمحطة، ذلك لمحاكاة الحرارة والإشعاع على القمر.

في عام 2022 أخبرت رادينيسكا الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين أن صناعة الخرسانة في النهاية قد لا تتطلب أي ماء، لأن وجود أي كميات من الماء على القمر ستكون ثمينةً للغاية في سبيل استمرار الحياة والاستعمالات الأخرى. وهناك تحديات أخرى مثل إيجاد حل للشقوق والتصدعات الحادثة في الخرسانة نتيجة الجاذبية المنخفضة. هذا يحدث بسبب اختلاف توزيع الأحمال في الفضاء مقارنةً بالأرض، لذلك توازن شدة ضغط المواد التي سوف تُبنى منها خرسانات القمر، يجب أن يُعدّل.

وفقًا لما قدّمته رادينيسكا للجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين، فإن الحل قد يتمثل في مادة ألياف البازلت، الموجودة على القمر لتعزيز مزيج الخرسانة.

أيًا ما كان الشكل الذي ستتخذه مواد البناء الخام، فقد طرح فريق جامعة ولاية بنسلفانيا بعض تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي قد تكون الخيار الأفضل لطريقة البناء على القمر.

يؤمن بيلين بأن هذه الطريقة فعالة وأقل تكلفةً، مقارنةً بتكلفة نقل المواد 249500 ميل من الأرض إلى القمر. حاليًا تتجاوز تكلفة إطلاق صاروخ محمل إلى مدار الأرض الـ 10000 دولار لكل كيلو غرام. لذا يُعد استخدام المواد الموجودة على سطح القمر، حلًا أكثر قابليةً للتحقيق.

في مارس الماضي اختارت ناسا بيلين وفريقه البحثي لخوض مسابقة تحدي الأفكار الجديدة (IBG)، يقول بيلين: «إن المواد المعدنية الموجودة في تربة القمر يمكن أن تُستخدم لتعزيز خراسانات الطرق. أي ندعّم البِنى الخرسانية بحديد التسليح، وهي قضبان معدنية معينة مخصصة لغرضها. أما بالنسبة للقمر، فيمكننا استخراج الإلمنايت (ilmenite)؛ وهو معدن أسود يتكون من أُكسيد تيتانيوم الحديد، ويوجد في التربة القمرية. إذ إن صهر وتسخين الأكسيد يُنتج لنا مواده المعدنية، وبالتالي قد نتمكن من إنتاج حديد التسليح اللازم لطرق القمر».

توصل فريق آخر بجامعة مانشستر إلى ما يسمى «ستاركريت»؛ وهنا تُمزج تربة محاكية لتربة المريخ مع نشا البطاطا والقليل من الملح. كانت النتيجة خرسانةً أقوى ضعفَين من الخرسانة التقليدية، ما يجعلها خيارًا جيدًا للبناء خارج الكوكب.

تتوقع ناسا إجراء بعض تقنيات باحثين من مختلف الفرق العلمية حول العالم على القمر في السنوات القادمة. عقّب بيلين: «إن تلك ستكون خطوةً مهمةً، ولكننا مازلنا بعيدين عن إنشاء بنىً قمرية مستدامة، فهناك فرق بين تجربة شيء ما والبناء الفعلي واسع النطاق على القمر».

معالجة المعادن عن طريق الموجات الميكروية:

بجانب تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد وتصنيع الإسمنت القمري، فإن أحد المجالات التي تقوم ناسا بالاستثمار البحثي فيها هو عملية التصليد الحراري بواسطة الموجات الميكروية. إذ تعمل على استخدام قوة الموجات الميكروية لتسخين الأتربة المعدنية وضغطها إلى أن تصبح معادن صلبةً، وحينئذ يمكن تشكيلها في طوب، ودمجها في صناعة الطرق أو بعض الهياكل الأخرى.

يقول بيلين في شرحه للتقنيات المحتملة في تسخير قوة الموجات الميكروية في التقنيات على القمر: «يمكن أن تُحسّن الموجات الميكروية معالجة الخرسانة».

في مستقبلنا على القمر يمكن أن نخلق ما يسمى باقتصاد الموجات الميكروية، إذ يمكن أن تستخدم بوصفها طاقةً للعديد من التطبيقات على القمر بدءًا من تصنيع الطرق، وتصنيع موادها الخاصة.

يمكن أن يكون للموجات الميكروية العديد من الفوائد أيضًا؛ إذ يمكن استخدامها في المجالات الطبية والعمليات الهندسية وبالتأكيد في الطبخ. يمكن أن تغنينا الموجات الميكروية عن نظام الكابلات في نقل الطاقة.

يقول بيلين: «يمكنك استخدام تلك الموجات الميكروية في نقل الطاقة من مكان لآخر على القمر لتشغيل المركبات والأشياء الأخرى من ذلك القبيل».

يعمل أحد طلاب بيلين على استبدال الماء في تقنيات الدفع المعتمدة على الماء بالموجات الميكروية.

بناء الطرق حول الطبيعة:

وفقًا لبيلين فإن تضاريس القمر تُعد مصدرًا للبنى القمرية. على سبيل المثال يفكر العلماء في إمكانية استخدام الفوهات البركانية الفارغة للاستيطان أو مستودعات للمواد والمركبات اللازمة للبناء. الشيء اللطيف في ذلك أنك لن تكون مضطرًا لبنائها، كل ما عليك فعله هو جعلها صالحةً للاستيطان.

وبالمثل يمكن استخدام الحفر القمرية دروعًا ضد الانفجارات أو مواقع للهبوط أو يمكن بدلًا من ذلك استخدامها جدرانًا وقاعدةً يمكن استيطانها، ذاك مماثل لما يحدث على الأرض في بعض نهج بناء الطرق، إذ إنهم يستخدمون معالم الطبيعة وخصائصها. فإذا كان هناك جبل فإننا لا نكتفي بتسلقه فقط، بل بدلًا من ذلك والأكثر فاعليةً هو تشكيل طرق للسير فيه. وبطريقة مشابهة يمكننا بناء طرق ومناطق للعمل والمعيشة حول المعالم الجيوغرافية القمرية.

سيصبح القمر قفزةً مستقبليةً لمعرفتنا بالفضاء، فقد أعلنت ناسا في نهاية شهر مارس الماضي برنامجها الفضائي من القمر إلى المريخ، البرنامج المسمى باسم «تكنولوجيا البناء المستقلة من القمر إلى المريخ». يركز البرنامج على البنى التحتية للقمر، وتطبيق ما تعلمناه في القمر لاستيطان كوكب المريخ.

يشير بيلين إن رواد الفضاء الأوائل الذين سيعودون إلى القمر، لن يتمكنوا من الاستقرار لفترات طويلة عليه حتى عام 2030.

ما زلنا فقط في بداية الأعمال المطلوبة لجعل الوجود البشري المستمر حقيقةً واقعيةً، تلك التي ستحدث فقط بتعاون مختلف التخصصات، مثل الهندسة المعمارية والهندسية والكهربية.

يقول بيلين: «لحسن الحظ مثل ذلك التعاون يكون أكثر شيوعًا في المهمات الناشئة بين كواكب نظامنا الشمسي، إذ ستخرج لنا الابتكارات عندما نجمع بين أشخاص عدة ذوي خلفيات مختلفة، ويكون ذلك المكان حقًا بيئةً خصبةً لاستنباط حلول مبتكرة».

اقرأ أيضًا:

ناسا تعلن أسماء رواد الفضاء الذين سيهبطون على سطح القمر بنهاية عام 2023

اقتراب العثور على كميات هائلة من المياه على سطح القمر في مكان غير متوقع!

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر