لطالما أذهل العلماء وعشاق الخيال العلمي على حد سواء، فكرة أن ينقلنا محرك اعوجاج عبر مسافات شاسعة من الفضاء بسرعات أكبر من سرعة الضوء. ومع أننا لا نزال بعيدين عن تجاوز حدود السرعة الكونية، فإن هذا لا يعني أننا لن نستطيع امتطاء موجات الزمكان الملتوي. وضع مجموعة من الفيزيائيين أول مقترح لمحرك الاعوجاج، استنادًا إلى فكرة تعود إلى التسعينيات، ووفقًا لهم فإن هذا لا يتعارض مع أي من قوانين الفيزياء. نظريًا، تلوي «محركات الاعوجاج» الزمكان وتغير شكله لتضخيم الاختلافات في الزمان والمسافة، ما سيسمح -في ظل ظروف معينة- بالسفر بسرعات أكبر من سرعات الضوء.
حدد الفيزيائي النظري المكسيكي ميغيل ألكوبيري أحد هذه الظروف منذ ما يزيد على ربع قرن. تضمن اقتراحه الذي عُرض سنة 1994، مركبة فضائية يدفعها ما سُمي «محرك ألكوبيري»، الذي يمكننا من السفر بسرعات أكبر من سرعة الضوء، لكن المشكلة أنها تتطلب الكثير من الطاقة السلبية في مكان واحد، وهذا غير ممكن وفقًا لقوانين الفيزياء الحالية.
وجدت الدراسة الجديدة حلًا، وفقًا للباحثين في مجموعة البحث المستقلة للفيزياء التطبيقية في نيويورك، يمكن صنع محرك اعوجاج مع التخلي عن فكرة الطاقة السلبية، وإن كان ذلك أبطأ قليلًا مما نرغب.
قال الفيزيائي الفلكي أليكسي بوبريك من جامعة لوند في السويد: «درسنا الأمر من منظور مختلف عن ناسا والآخرين. يُظهر بحثنا أنه يوجد في الواقع عدة تصنيفات أخرى من محركات الاعوجاج في النظرية العامة. خصوصًا، صِغنا حلولًا جديدة لمحرك الاعوجاج، لا تتطلب طاقة سلبية، وبذلك تصبح ممكنة».
لماذا تُعد الطاقة السلبية قضية كبرى؟ تتغلب الحاجة إلى الطاقة السلبية على بعض مشكلات النسبية العامة للسفر بسرعات أكبر من سرعة الضوء، بواسطة السماح للفضاء بالتمدد والتقلص بسرعة أكبر من الضوء، مع الحفاظ على الحدود الكونية للسرعة.
لسوء الحظ، فإن ذلك ينتج مشكلات أخرى. مبدئيًا، فإن الطاقة السلبية المطلوبة توجد في الترددات على مقياس كمي. حتى نتمكن من جمع كتلة بحجم الشمس، فإن هذا النوع من المحركات غير ممكن.
وفقًا للبحث الجديد، فإن الطاقة السلبية ليست مطلوبة، بل سنحتاج إلى مجال جاذبية قوي للغاية، ستحمل الجاذبية ثقل الزمكان المنحني، وبهذا يصبح مرور الزمن داخل المحرك وخارجه مختلفًا بدرجة ملحوظة.
لكن تحقيق ذلك ما زال غير ممكن. ستكون الكتلة المطلوبة لإحداث تأثير ملحوظ في الزمكان بحجم كوكب على الأقل، ولا يزال هناك الكثير من الأسئلة للإجابة عنها.
قال بوبريك: «لو أخذنا كتلة كوكب الأرض كاملًا وضغطناها ضمن غلاف بحجم عشرة أمتار، سيكون التصحيح لمعدل الوقت داخله محدودًا جدًا، نحو ساعة لكل عام».
اكتشاف آخر مثير للاهتمام يتعلق بشكل محرك الاعوجاج. تحتاج المركبة الأطول والأعرض إلى طاقة أقل من المركبة الأطول والأرفع، فكر بطبق محمول عموديًا يُلقى تجاه الحائط، وسيكون لديك الفكرة الأمثل عن شكل محرك الاعوجاج.
مع أن واقع السفر إلى النجوم والكواكب البعيدة لا يزال حقيقة بعيدة جدًا، فإن الدراسة الجديدة تمثل إضافة إلى أبحاث سابقة، تقترح أن مبدأ محرك الاعوجاج ممكن علميًا.
أقر الباحثون أنهم غير متيقنين تمامًا من كيفية جمع التقنية التي أوضحوها في ورقتهم البحثية، لكن على الأقل أضيفت المزيد من البيانات، وهم واثقون من أن محرك الاعوجاج سيصبح واقعًا في المستقبل البعيد.
قال عضو الفريق جياني مارتير: «ما زلنا لا نستطيع تجاوز سرعة الضوء ، لكننا لسنا بحاجة إلى ذلك حتى نتنقل بين النجوم. يستطيع بحثنا المتعلق بمحرك الاعوجاج توحيد أهدافنا».
اقرأ أيضًا:
أربع طرق تتحدى بها فيزياء الكم الواقع
اكتشف العلماء أدلة لفيزياء جديدة وغريبة في إشعاع الخلفية الكونية
ترجمة: حلا بوبو
تدقيق: أكرم محيي الدين
