مدينة بغداد أو «مدينة السلام» عاصمة العراق ومركز محافظة بغداد في وسط البلاد، تقع في قلب بلاد الرافدين التاريخية على ضفاف نهر دجلة شمال الخليج العربي بنحو 530 كم، وهي أكبر مدن العراق وأحد أكبر التجمعات السكانية في الشرق الأوسط.

تأسست مدينة بغداد سنة 762 م لتكون عاصمة الإمبراطورية العباسية، وأصبحت خلال القرون الخمسة اللاحقة أهم مركز ثقافي في الحضارة العربية الإسلامية وإحدى أعظم المدن في العالم. غزاها القائد المغولي هولاكو سنة 1258 ما أدى إلى تضاؤل أهميتها، ثم صارت عاصمة إحدى ولايات الإمبراطورية العثمانية، قبل أن تستعيد مكانتها حين أصبحت عاصمة العراق الحديث سنة 1920، وفي السنوات الخمسين اللاحقة نمت المدينة وتضخمت وحازت كل صفات الحضارة الحديثة.

تضررت بغداد كثيرًا بالقصف الجوي الذي استهدفها إبان حرب الخليج (1990-1991)، ومجددًا إبان العمليات العسكرية البرية والجوية في حرب 2003، وتضررت بنية بغداد التحتية وبنيتها الخدمية أيضًا في الفترة بين الحربين نتيجة الإهمال والحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق.

قُدر عدد سكان بغداد بنحو 5,521,242 نسمة سنة 2009، وبلغ نحو 7,323,000 نسمة حسب تقديرات سنة 2021.

تاريخ مدينة بغداد

التأسيس والتاريخ المبكر

كشفت التنقيبات الأثرية في موقع بغداد عن مستوطنات قديمة تسبق السيطرة العربية على بلاد الرافدين سنة 637 م، إذ أنشأت إمبراطوريات قديمة عدة عواصم لها في نفس المنطقة، مثل بابل وسلوقية وطيسفون، لكن التأسيس الحقيقي لبغداد بدأ سنة 762 حين اختار أبو جعفر المنصور -الخليفة العباسي الثاني- قرية فارسية تُسمى بغداد تقع بين الكاظمية والكرخ الحاليتين لتكون نواة عاصمته الجديدة.

بنى المنصور مدينته وأطلق عليها اسم مدينة السلام، وأحاطها بأسوار دائرية لذا سُميت المدينة المدورة. كان الهدف الأول من إنشاء المدينة جعلها مجمعًا حكوميًا، فبلغ قطرها نحو 2700 متر، تحيطها ثلاثة أسوار أحادية المركز، وتكونت من أربعة أرباع متساوية المساحة سكنتها حاشية الخليفة.

توسطت بغداد أجزاء الإمبراطورية مترامية الأطراف، وفي مركزها انتصب قصر الخليفة والجامع الكبير، تقود إليهما أربعة شوارع رئيسية.

وبسبب حجم المدينة المحدود فقد توسعت الحياة خارج أسوارها سريعًا، إذ بنى التجار أسواقهم وبيوتهم حول البوابة الجنوبية وأسسوا ضاحية الكرخ، ورُبط طريق خراسان -الممتد من البوابة الشمالية الشرقية- بالضفة الشرقية لدجلة عبر جسر من القوارب، حيث أُقيم قصر المهدي -ابن المنصور وخليفته- ونمت حوله ثلاث ضواحٍ هي الرصافة والشماسية والمُخرِّم، شكلت نواة المدينة المعاصرة، ومنها ظهرت بغداد الحديثة لاحقًا. وبحلول سنة 946 م استقر كرسي الخلافة على الضفة الشرقية، ما جعل الرصافة مدينة منافسة للمدينة المدورة.

بلغت مدينة بغداد قمة ازدهارها الاقتصادي والثقافي خلال القرن الثامن وبداية القرن التاسع، إبان خلافتي المهدي (775-785) وهارون الرشيد (786-809). تعكس قصص ألف ليلة وليلة عظمة المدينة في هذه الحقبة، إذ بدأ الناس يشيرون إلى بغداد بوصفها المدينة الأغنى في العالم، وازدحمت أرصفة مينائها بسفن قادمة من الصين والهند وشرق إفريقيا. وعندما تولى المأمون الخلافة (813-833) شجع ترجمة الأعمال الإغريقية القديمة إلى العربية وبنى المستشفيات وأنشأ المراصد وجذب الشعراء والحرفيين إلى عاصمته.

بدأ الضعف يدب في جسد الخلافة العباسية بسبب الصراعات الداخلية وضعف المحاصيل الزراعية لإهمال نظام الري، ودُمر جزء كبير من المدينة المدورة نتيجة النزاع بين ابني هارون الرشيد: الأمين والمأمون، وفي القرن العاشر ساءت الأحوال أكثر بسبب تدخلات العناصر البدوية.

انتقلت الخلافة شمالًا إلى سامراء -محافظة صلاح الدين العراقية حاليًا- بين سنتي 836 و892 م، وتحكم في بغداد الأتراك الذين كان الخلفاء قد اشتروهم لحراستهم، وعندما عادت الخلافة إلى بغداد جعل الخلفاء عاصمتهم في الجانب الشرقي.

وأدت الحروب وتحكم العناصر الأجنبية في المدينة -مثل البويهيين بين 945 و1055 والسلاجقة بين 1055 و1152- إلى تدمير أجزاء إضافية من بغداد.

قرون من الانحدار

كان هذا الانحدار الطويل البطيء مقدمة للهجمات المدمرة التي لم تتعاف بغداد من آثارها حتى حلول القرن العشرين، ففي سنة 1258 اجتاح هولاكو -حفيد القائد المغولي جنكيز خان- بلاد الرافدين واحتل بغداد وقتل الخليفة ومئات الآلاف في مذبحة كبيرة.

دمر هولاكو الكثير من السدود ومنشآت الري الرئيسية، ما قضى على نظام الري ومن ثم على إمكانية الازدهار المستقبلي لبغداد. منذ ذلك الوقت أصبحت بغداد عاصمة إقليمية، لا عاصمة للإمبراطورية، فأُلحِقَت بأباطرة المغول الألخانيين في إيران أولًا (1258-1339) ثم بتابعيهم الجلائريين (1339-1410) قبل أن يجتاحها تيمورلنك سنة 1401.

بعد ذلك أصبحت السلطة في مدينة بغداد من نصيب السلالتين التركمانيتين المتعاقبتين: آق قوينلو وقرة قوينلو (1410-1508)، لكن الحكام لم يحققوا الكثير لإعادة المدينة إلى ازدهارها السابق.

شكلت بغداد سنة 1508 جزءًا من الإمبراطورية الفارسية الإيرانية الجديدة التي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي، لكن ذلك لم يدم طويلًا إذ استولى على المدينة الأتراك العثمانيون سنة 1534 م بقيادة السلطان سليمان الأول. ورغم الهجمات الفارسية المتكررة ظل العثمانيون يحكمون بغداد حتى الحرب العالمية الأولى، باستثناء حقبة قصيرة (1623-1638) حين حكمها الفرس.

بداية التحديث

ازداد التأثير الأوربي في بغداد في أثناء القرن التاسع عشر مع تأسيس الطوائف الدينية الفرنسية ونمو التجارة الأوروبية. وفي سنة 1798 تأسست الإقامة البريطانية الدائمة ببغداد وحاز المقيمون السياسيون البريطانيون على نفوذ فائق وسلطة كبيرة لا يتجاوزها أحد سوى الوالي.

بدأ الازدهار يعود إلى بغداد مع افتتاح النقل عبر السفن البخارية في دجلة في ستينيات القرن التاسع عشر. وبين سنتي 1860 و1914 حسّن عدد من الولاة العثمانيين النشطين المصلحين من وضع المدينة، ومنهم مدحت باشا (1869-1872) الذي أزال أسوار المدينة وأصلح الإدارة وأصدر جريدة وأقام مطبعة حديثة.

في هذه الحقبة ظهر التلغراف في بغداد أيضًا وأقيمت المصانع الحربية والمستشفيات الحديثة والمدارس، إضافةً إلى تأسيس مجلس محلي.

بغداد في العراق الحديث

أصبحت بغداد سنة 1920 عاصمة العراق الحديث. اعترفت عصبة الأمم بسيطرة بريطانيا على العراق إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ومنحتها حق الانتداب لتحكم بموجبه البلاد، واستمر الانتداب البريطاني حتى الاستقلال سنة 1932. لكن النفوذ البريطاني لم ينته بنهاية الانتداب بل بقي حتى سقوط الملكية الهاشمية -التي دعمت بريطانيا وصولها إلى السلطة- في انقلاب عسكري.

عانت بغداد اضطرابًا سياسيًا مدة عقد من الزمن منذ سنة 1958، إذ شهدت انقلابات متتالية وأنظمة حكم عسكرية متوالية. سنة 1968 استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة، فحققت حكومته استقرارًا وتطورًا داخليًا نسبيين، خصوصًا بعد سنة 1973 حين ارتفعت أسعار النفط العالمية ما زاد عائدات الحكومة وحسن أحوال الشعب كثيرًا. في هذه الحقبة شهدت بغداد توسعًا وتطورًا، لكنها انتهت بحرب مريرة مع إيران دامت 8 سنوات في ثمانينيات القرن العشرين.

قُصفت مدينة بغداد بشراسة في حرب الخليج (1990-1991) ما أدى إلى تدمير أكثر بنيتها التحتية، وأعاقت جهود إعادة بناء المدينة واقتصادها سلسلةٌ مستمرة من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأمم المتحدة لإجبار العراق على عدة أمور منها حل برنامجه لصنع أسلحة الدمار الشامل.

أُعيد بناء الكثير من جسور بغداد ومبانيها في تسعينيات القرن العشرين، لكن البنية التحتية ظلت متهالكة، إذ حدّدت عقوبات الأمم المتحدة مبيعات النفط العراقي -المورد الأساسي للعراق- وقيدت الاستيراد، ما جعل البلاد تفتقر إلى القدرة على إنتاج أو شراء قطع الغيار اللازمة لإعادة بناء أو صيانة منشآت توليد الكهرباء وتنقية المياه والمنشآت الصحية.

لحق التدهور بالمؤسسات التعليمية والصحية أيضًا، وارتفعت مستويات المرض وسوء التغذية والأميّة.

أدى استمرار التوتر بين الحكومتين الأمريكية والعراقية إلى حرب سنة 2003 ودخلت القوات الأمريكية بغداد في أبريل من تلك السنة، ولم تواجه إلا مقاومة ضعيفة من السكان مع أن الدول العربية الأخرى نددت بالحرب. أدى اندلاع أعمال العنف الطائفي والعصيان المسلح ضد القوات الأمريكية بالمدينة إلى الفوضى، فاستُشهد الآلاف من سكانها.

تراجعت أعمال العنف سنة 2007 وبدأت القوات الأمريكية الانسحاب التدريجي من العراق، وأقيمت احتفالية في بغداد في ديسمبر 2011 بانتهاء الوجود الأمريكي رسميًا في البلاد.

ظلت مدينة بغداد وباقي البلاد عمومًا تحت وطأة العنف الطائفي في السنوات التالية، واستفادت الميليشيات المتطرفة من الحرب الأهلية السورية التي سهلت حركة الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود، فأصبحت بغداد ضحية هجمات عديدة نفذها تنظيم القاعدة فرع العراق، وخليفته داعش.

نزل المتظاهرون إلى شوارع بغداد ومدن عراقية أخرى في نهاية 2019، احتجاجًا ضد غياب التحسن الاقتصادي والفساد الحكومي المستشري والتدخلات الأجنبية في شؤون العراق الداخلية، وتضاعف غضب العراقيين في 29 ديسمبر حين نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية في العراق ضد قائد مقرب من إيران، وبعد يومين هاجمت مجموعة من المحتجين السفارة الأمريكية في بغداد.

في 3 يناير 2020 استهدفت ضربة جوية أمريكية في مطار بغداد الدولي قائد الحرس الثوري الإيراني فيلق القدس، وقُتل قائد ميليشيا عراقي كان برفقته.

اقرأ أيضًا:

مدينة بابل: معلومات عن العاصمة البابلية

نهر دجلة: حقائق ومعلومات

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر