في منعطف مهم لفيزياء الكم، دُفعت آلاف الجزيئات لتتشارك الحالة الكمية ذاتها، والرقص معًا في انسجام مثل جزيء واحد كبير. سعى علماء الفيزياء لمثل ذلك الهدف منذ فترة طويلة، من أجل استخدام أنظمة الكم المعقدة في تطبيقات التكنولوجيا، لكن تسخير حزمة من الجزيئات الجامحة للعمل معًا أمر بالغ الصعوبة.

قال الفيزيائي تشينج تسين من جامعة شيكاغو: «حاولنا تحقيق ذلك منذ عقود، لذلك نحن متحمسون للغاية، آمل أن يفتح ذلك العديد من المجالات الجديدة في كيمياء الكم. ثمة أدلة تدعو للتفاؤل بوجود الكثير من الاكتشافات التي تنتظرنا في هذا المجال».

إن مفهوم وجود عدة جسيمات تعمل معًا بوصفها جزيئًا واحدًا ضخمًا، إذ تتشارك حالتها الكمومية، ليس مفهومًا جديدًا. لقد حققناه وجربناه عقودًا من الزمن بواسطة سحب الذرات المفردة في حالات المادة المسماة تكاثف بوز آينشتاين.

تكونت تلك الحالة من ذرات مبردة لدرجة أعلى قليلًا من الصفر المطلق -لكن دون أن تصل إلى الصفر المطلق، إذ إن عند تلك الدرجة تتوقف الذرات عن الحركة- ما يجعلها عند أدنى طاقة ممكنة، وتتحرك ببطء شديد، ما يزيل تباينات الطاقة بينها، وتتداخل فيما يسمى التراكب الكمي. والنتيجة سحابة كثيفة من الذرات، تتفاعل كأنها ذرة واحدة ضخمة.

لكن الجزيئات تتكون من العديد من الذرات المرتبطة معًا، ومن ثم يصعب ترويضها بتلك الطريقة.

أوضح شين: «تُعد الذرات أجسامًا كروية بسيطة، أما الجزيئات فتهتز وتدور وتحمل طاقات مغناطيسية صغيرة. الجزيئات يمكنها فعل العديد من الأشياء المختلفة، ما يجعلها أكثر فائدة، لكنها في الوقت ذاته أصعب في ترويضها والتحكم فيها».

لخلق تكاثف بوز آينشتاين الجزيئي، بدأ الفريق بقيادة الفيزيائي جندونج زانج من جامعة شيكاغو بإنشاء تكاثف بوز آينشتاين الذري، باستخدام غاز مكون من 60,000 ذرة سيزيوم.

بعد ذلك بردوا التكاثف وأثاروا المجالات المغناطيسية، إذ تتصادم نحو 15% من ذرات السيزيوم وترتبط معًا في أزواج لتكوّن جزيئات السيزيوم الثنائي. أُخرجت الجزيئات غير المرتبطة، ورُفع المجال المغناطيسي تدريجيًا لتقييد الجزيئات المتبقية في تكوينات ثنائية الأبعاد.

قال تشين: «تميل الجزيئات للتحرك في كل الاتجاهات، وإذا سمحت بذلك، ستكون أقل استقرارًا. لقد حرصنا على وضع الجزيئات على سطح ثنائي الأبعاد، حيث تتحرك في اتجاهين فقط».

يتكون الغاز الناتج من جزيئات تشغل الحالة الكمية ذاتها، واللف المغزلي واتجاه الدوران والاهتزاز ذاته.

لم نكتشف بعد ما يمكننا تحقيقه باستخدام تكاثف بوز آينشتاين الجزيئي، لكن لا شك أنها خطوة مهمة للبحث، ما يمهد الطريق للتجارب المستقبلية.

ليس فقط من أجل تكاثف بوز آينشتاين الجزيئي، بل من أجل الانتقال بين تكاثف بوز آينشتاين الجزيئي والذري، سيساعد استكشاف كيفية عمل ذلك العلماء لتنظيم العملية بسلاسة أكبر، حتى نتمكن من تطوير تكاثفات مع جزيئات أخري قد تكون أسهل في ترويضها أو أكثر كفاءة للتطبيقات التكنولوجية المختلفة.

قال تشين: «يدفعنا التفكير الكيميائي التقليدي إلى افتراض أن عددًا من الجزيئات والذرات قد تتصادم معًا لتكوّن جزيئات جديدة. لكن في النظام الكمومي، كل الجزيئات تتفاعل معًا في سلوك جماعي، ما يفتح طريقًا جديدًا لمعرفة كيفية تفاعل الجزيئات معًا لتصبح نوعًا جديدًا من الجزيئات».

اقرأ أيضًا:

هل اقتربنا من صناعة حواسيب كمية بمقاييس ضخمة؟

جوجل تعلن إطلاق المحاكاة الكمية الأولى من نوعها لتفاعل كيميائي

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر