بإلهام من الطبيعة، ابتكر الباحثون في المخبر الوطني شمال غرب المحيط الهادئ PNNL -بالتعاون مع بعض المساهمين من جامعة ولاية واشنطن- مادةً جديدةً تستطيع تجميع الطاقة الضوئية. تقدم هذه المادة نظامًا اصطناعيًا عالي الكفاءة لتجميع الضوء، إضافةً إلى تطبيقات محتملة في كل من مجالي الخلايا الكهرضوئية والتصوير الحيوي.

يقدم هذا البحث حجر الأساس للتغلب على التحديات التي ينطوي عليها بناء مواد وظيفية وهرمية هجينة بين مواد عضوية وغير عضوية. تقدم الطبيعة أمثلةً ممتازةً على مثل هذه المواد الهجينة ذات الهيكل الهرمي، مثل الأسنان والعظام. تملك هذه المواد عادةً ترتيبًا ذريًا دقيقًا يمكّنها من امتلاك العديد من السمات الاستثنائية، كالزيادة في القوة والصلابة.

ابتكر تشون لونغ تشن -عالم المواد في مخبر PNNL والباحث الرئيسي في هذه الدراسة- ومعاونوه مادةً جديدةً تعكس التعقيد الوظيفي والهيكلي للمواد الطبيعية الهجينة. تجمع هذه المادة بين كل من قابلية البرمجة لجزيء اصنطاعي شبيه بالبروتين، وتعقيد الكتلة النانوية المعتمدة على السيليكات، لبناء فئة جديدة من البلورات النانوية شديدة المتانة. ثم برمج العلماء هذه المادة الهجينة ثنائية الأبعاد لإنشاء نظام اصطناعي عالي الكفاءة للتجميع الضوئي.

يقول تشٍن: «إن الشمس أهم مصدر طاقة لدينا. أردنا أن نرى ما إذا كان بإمكاننا برمجة بلوراتنا النانوية الهجينة لتجميع الطاقة الضوئية -كما تفعل الكثير من النباتات الطبيعية والبكتيريا الضوئية- مع تحقيق كل من المتانة العالية وقابلية المعالجة الموجودة في الأنظمة الاصطناعية».

أحلام كبيرة لإنشاء بلورات صغيرة

على الرغم من الصعوبة الاستثنائية لبناء أنواع كهذه المواد ذات البنية الهرمية، دمج فريق تشن من العلماء متعددي الاختصاصات خبرتهم المعرفية لتركيب جزيء بتسلسل محدد قادر على تكوين بنية مشابهة.

ابتكر الباحثون بنيةً متبدلةً شبيهةً بالبروتين، تدعى بالبيبتويد peptoid، ووصلوا أحد طرفيه بهيكل دقيق شبيه بالقفص مبني من السيليكات (يدعى اختصارًا بـ POSS). ثم وجدوا أنه في الظروف المناسبة، يمكنهم حث هذه الجزيئات على تجميع نفسها بنفسها بشكل بلورات مثالية الشكل من الصفائح النانوية ثنائية الأبعاد. خلق هذا طبقةً معقدة أخرى شبيهة بالغشاء الخلوي ومماثلة لتلك التي تظهر في الهياكل الهرمية الطبيعية، مع الحفاظ على الثبات والخصائص الميكانيكية المعززة للجزيئات الفردية.

يقول تشن: «بصفتي عالم مواد، فإن الطبيعة تلهمني كثيرًا. عندما أرغب بتصميم جزيء لتنفيذ شيء معين، مثل العمل بمثابة وسيلة لنقل الأدوية، يمكنني دائمًا العثور على مثال طبيعي لنمذجة تصاميمي بناءً عليه».

تصميم مواد مستوحاة من الطبيعة

ما إن نجح الفريق في بناء هذه البلورات النانوية وإظهار خصائصها المميزة، بما فيها القابلية العالية للبرمجة، شرعوا بعدها باستغلال هذه الخصائص.

برمجوا المادة لتشمل مجموعات وظيفية خاصة في مواقع معينة ومسافات محددة بين الجزيئات. نظرًا لأن هذه البلورات النانوية تجمع بين قوة واستقرار الـ POSS وبين التنوع الذي تتميز به بنية البيبتويد، كانت إمكانيات برمجتها لا حصر لها.

مرةً أخرى يبحث العلماء عن الإلهام من الطبيعة، إذ بنوا نظامًا يمكنه تجميع الطاقة الضوئية بطريقة تشبه كثيرًا تلك التي تعمل بها الأصباغ الموجودة في النباتات.

أضاف الباحثون أزواجًا خاصة من الجزيئات المانحة والهياكل الشبيهة بالقفص التي يمكنها ربط الجزيء المستقبل في مواقع معينة داخل البلورة النانوية.

تمتص الجزيئات المانحة الضوء بطول موجي معين وتنقل الطاقة الضوئية إلى الجزيئات المستقبلة، ثم تبعث الجزيئات المستقبلة الضوء بطول موجي مختلف. أظهر هذا النظام الجديد كفاءةً بنقل الطاقة تزيد عن 96%، ما يجعله أحد أكثر أنظمة تجميع الضوء المائية كفاءةً حتى الآن.

توضيح استخدامات POSS-peptoids لتجميع الضوء

لعرض ما يفعله هذا النموذج، دمج الباحثون بعد ذلك البلورات النانوية في الخلايا البشرية بمثابة مجس متوافق حيويًا لتصوير الخلايا الحية. عندما يسطع ضوء بلون معين على الخلايا بوجود الجزيئات المستقبلة، فإن الخلايا تبعث اللون بضوء مختلف. عندما تغيب جزيئات المستقبل، لا يُلاحظ أي تغير في اللون.

على الرغم من أن الفريق، حتى الآن، أظهر فائدة هذا النظام من أجل التصوير الخلوي فقط، فإن الخصائص المحسنة والقابلية العالية للبرمجة في هذه المادة الهجينة ثنائية البعد تجعلهم يعتقدون أن هذا الاستخدام هو مجرد واحد من تطبيقات عديدة.

يقول تشن: «على الرغم من أن هذا البحث ما يزال في مراحله الأولى، فإن السمات الهيكلية الفريدة والقدرة على نقل الطاقة العالية لبلورات POSS-peptoid النانوية ثنائية البعد تملك الإمكانية لتُطبّق في العديد من الأنظمة المختلفة، من الخلايا الكهرضوئية إلى التحفيز الضوئي».

اقرأ أيضًا:

جسيمات نانوية توفر علاجًا بمورثة انتحارية لأورام دماغية طفلية في الفئران

منح الفئران القدرة على الرؤية الليلية عن طريق حقن جسيمات نانوية في أعينها

ترجمة: وائل المشنتف

تدقيق: آية فحماوي

المصدر