عندما تتبادر إلى ذهنك تكنولوجيا دقيقة أو نانوية، قد تفكر في الإلكترونيات الصغيرة مثل الهاتف أو روبوت صغير أو رقاقة. ولكن اختبارات كوفيد-19 أثبتت أنها أساسية للسيطرة على الوباء، هي أيضًا شكل من أشكال التكنولوجيا المصغرة. العديد من اختبارات كوفيد-19 قد تعطي النتائج خلال ساعات دون الحاجة إلى إرسال عينة إلى المختبر، ومعظم هذه الاختبارات تستخدم نهجًا يدعى الموائع الدقيقة.

كل شيء من اختبارات الحمل إلى شرائط الجلوكوز (شريط اختبار خاص بقياس نسبة السكر في الدم) إلى الطابعات النافثة للحبر إلى الاختبارات الجينية يعتمد على الموائع الدقيقة.

هذه التكنولوجيا، غير معروفة للعديد من الناس، هي في كل مكان وبالغة الأهمية للعديد من الأشياء التي تجعل العالم الحديث يستمر.

ما الموائع الدقيقة؟

الأنظمة الدقيقة هي أي جهاز يعالج كميات ضئيلة من السوائل. تنتقل السوائل عبر قنوات أرق من الشعر، ويمكن للصمامات الصغيرة أن تعمل على تشغيل وإيقاف التدفق. وهذه القنوات مصنوعة من مواد مثل الزجاج، أو البوليمرات، أو الورق، أو مواد هلامية.

إحدى طرق تحريك السوائل هي المضخة الميكانيكية، وهناك طريقة أخرى باستخدام الشحنات السطحية لمواد معينة، وأخرى باستخدام الخاصية الشعرية، المعروفة أكثر باسم الامتصاص. والامتصاص هو العملية التي تدفع بها الطاقة المخزنة داخل السائل السائل عبر مساحات ضيقة.

في المقاييس الصغيرة، تسلك السوائل سلوكًا نظريًا. فلا تكون مضطربة كخروج المياه من أنبوب الري أو رأس الدش، ففي الأحجام الضيقة للقنوات متناهية الصغر تكون التدفقات مستقرة بغرابة.

تتحرك السوائل أسفل القناة في تيارات متوازية منظمة، تدعى الجريان الصفحي وهو أحد عجائب أنظمة الموائع الدقيقة العظيمة. تتبع السوائل والجسيمات في الجريان الصفحي مسارات يمكن التنبؤ بها رياضيًا، وهي ضرورة للهندسة الدقيقة وتصميم الأجهزة الطبية.

هذه العمليات ملهمة للباحثين إذ كانت موجودة في الطبيعة منذ عصور. تنقل النباتات المواد الغذائية من جذورها إلى فروعها العليا باستخدام الخاصية الشعرية، وهي مصدر إلهام دارات الموائع الدقيقة التي تعمل باستقلال.

لمحاكاة الخواص الفيزيائية لقطرات المطر، صمم الكيميائيون أجهزة تُجزئ عينة إلى ملايين القطرات وتحللها بسرعات مذهلة.

كل قطرة في الأساس مختبر كيميائي صغير يسمح للكيميائيين بدراسة تطور الجزيئات الحيوية وإجراء تحليل جيني سريع ضمن أمور أخرى، وكل ركن من أركان جسم الإنسان عبارة عن موائع دقيقة.

لا يمكننا أن نولد أو نعمل دون الشعيرات الدموية المعقدة التي تجلب الطعام والأوكسجين وجزيئات الإشارة إلى كل خلية.

فوائد التكنولوجيا الصغيرة

مثل الإلكترونيات الدقيقة، الحجم هو المفتاح في الموائع الدقيقة. عندما تصبح المكونات أصغر يمكن للأجهزة أن تعتمد على الخصائص الغريبة للسوائل بمقاييس صغيرة، ويمكن أن تعمل بسرعة وكفاءة أكبر، وتصبح أرخص في التصنيع.

من الفوائد الأخرى لهذه الأجهزة أنها تحتاج كميات صغيرة جدًا من السائل، بالتالي يكون حجمها صغيرًا.

تفكر وكالة ناسا في استخدام أجهزة تحليل الموائع الدقيقة في مركباتها الجوالة على المريخ لفترة طويلة.

يفيد تحليل السوائل الثمينة مثل دم الإنسان في استخدام عينات صغيرة. على سبيل المثال أجهزة قياس السكر لا تتطلب سوى قطرة دم لقياس نسبة السكر في الدم لمريض السكري.

الموائع الدقيقة في التكنولوجيا والطب وعلم الأحياء

من المحتمل أنك تستخدم الموائع الدقيقة في حياتك، تقوم الطابعات النافثة للحبر بإطلاق قطرات حبر صغيرة. تقوم الطابعة ثلاثية الأبعاد بضغط البولمير المصهور عبر فوهة دقيقة.

يتدفق الحبر من أقلام الحبر الجافة وفق مبادئ الموائع الدقيقة. وكذلك بخاخات مرضى الربو تقوم برش الرزاز من قطرات الدواء المجهرية. كما يعتمد اختبار الحمل على تدفق البول داخل شريط ورقي.

في البحث العلمي، يمكن للموائع الدقيقة أن توجه الأدوية أو المواد الغذائية أو أي سائل إلى أجزاء محددة جدًا من الكائنات الحية لمحاكاة العملية البيولوجية بدقة أكبر.

على سبيل المثال: حبس الباحثون الديدان في قنوات وحفزوها بالروائح للتعرف على الدارات العصبية.

وجه فريق آخر المغذيات نحو مناطق محددة من جذر النبات لملاحظة التفاعلات المختلفة للمواد الكيميائية للنمو.

مجموعة أخرى ابتكرت مصائد للموائع الدقيقة تلتقط الخلايا السرطانية النادرة من الدم.

توفر العديد من الرقائق الجينية الدقيقة القدرة على تسلسل الجينوم البشري بسرعة وتجعل اختبارات الحمض النووي الشخصي حقيقة واقعة. لم يكن أي من هذا ممكنًا دون الموائع الدقيقة.

مستقبل علم الموائع الدقيقة

ستكون الموائع الدقيقة ضرورة لدخول الطب إلى عصر جديد سريع الخطى وبأسعار مقبولة.

الأجهزة التي يمكن ارتدائها وتقيس المواد الموجودة في العرق لمراقبة التمرينات والأجهزة القابلة للزرع التي توصل عقاقير السرطان إلى ورم المريض هي بعض من الحدود القادمة للموائع الدقيقة الطبية الحيوية.

يطور الباحثون أنظمة موائع دقيقة معقدة ورائعة تسمى “أعضاء على رقاقة” تهدف إلى محاكاة جوانب مختلفة من فيزيولوجيا الإنسان. وتعمل الفرق على تطوير منصات الأورام على رقاقة لاختبار عقاقير السرطان بكفاءة أكثر.

ستمكن هذه الصورة الرمزية للمرضى العلماء من اختبار علاجات جديدة بطريقة لا تنطوي على الكلفة والمعاناة والقضايا الأخلاقية المرتبطة بالاختبار على الحيوانات أو البشر.

قمنا بتشريح خزعة الورم من مريض سرطان إلى آلاف القطع المجهرية التي نبقيها على قيد الحياة بفضل صغر حجمها، يمكننا استخدام الموائع الدقيقة لحصر قطع الورم الدقيقة في أوعية متعددة، وعاء لكل دواء.

تحتفظ هذه العينات بالبيئة الخلوية المناسبة للورم والتي تسمح بالتنبؤ بدقة بكيفية عمل الدواء لشخص معين.

تخيل الذهاب إلى الطبيب عند أخذه خزعة منك، وفي أقل من أسبوع باستخدام جهاز الموائع الدقيقة يمكن للطبيب معرفة أفضل عقار لإزالة الورم.
هذا ما يزال في المستقبل ولكن ما نعرفه هو أن المستقبل سيكون للموائع الدقيقة.

اقرأ أيضًا:

ما هي الموائع الكمية؟

معادلات نافييه-ستوكس The Navier-Stokes Equations

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: مازن النفوري

المصدر