من المرجح أنك استخدمت كثيرًا من واجهات شاشات اللمس العامة لسحب النقود من أجهزة الصراف الآلي وتسجيل الوصول في المطارات وفي العديد من الأماكن الأخرى، وكما تعلمنا جميعًا خلال فترة جائحة كوفيد-19، قد تشكّل هذه الشاشات فُرصًا رئيسية لنقل المرض، لكن بحثًا جديدًا توصل إلى نتائج مفاجئة مفادها أن هذه الشاشات تكون أقل تلوثًا بالجراثيم إذا لُمِسَت أكثر في بعض الحالات.

يقول أندرو دي باتيستا، كبير علماء أبحاث الموجات فوق الصوتية في شركة (Ultraleap) في المملكة المتحدة المتخصصة بتصنيع شاشات وواجهات عديمة اللمس والمؤلف الأول لورقة علمية وصفت البحث ونشرت في مجلة (Royal Society Open Science): «كانت نتيجة مثيرة للاهتمام ومفاجئة في البداية. مع ذلك فور التفكير بالسيناريو الكامل فإن ذلك يعطي إحساسًا بديهيًا.

فبالأساس عندما تتلوث واجهة مستخدم تعمل باللمس (TUI) فإن عددًا ثابتًا من مسببات الأمراض (جراثيم وميكروبات) ستكون متاحة لعدوى المستخدمين الآخرين، فأوائل المستخدمين اللاحقين لهذه الشاشة سيلتقطون معظم مسببات الأمراض المتاحة (خصوصًا إذا كان عليهم أن يلمسوا الشاشة بمعدل أعلى)، وبالنتيجة سيرتفع الخطر على هؤلاء الأفراد بارتفاع معدلات اللمس، بينما سيحمي ذلك المستخدمين اللاحقين في نفس الوقت».

استخدم الباحثون المُعتمدون في (Ultraleap) وجامعة قبرص محاكاة حاسوبية لفحص مخاطر انتقال المرض من واجهات شاشات تعمل باللمس. يقول دي باتيستا: «يهدف النموذج ليكون إطار عمل تضع فيه قيمة عوامل محددة ثم تشغل المحاكاة وتشاهد ما يحدث. يتضح أن واجهات المستخدم التي تعمل باللمس لديها بعض الميزات المبسطة اللطيفة، فسطح الشاشة الزجاجي أو غير النفوذ له ارتباطات جيدة مع نتائج المختبر للأبحاث الأخرى مثل معدلات التراكم والترسب على طبقة اللمس أو أوقات نجاة مسببات الأمراض وغيرها…».

فحصوا حساسية النموذج بمحاكاة شاشات لمس في موقع واحد، مغيرين عوامل مثل القدرة على العدوى المرضية ومعدل الناس الذين يلمسون الشاشة، ثم شغلوا محاكاة مستندة على بيانات من شاشات تسجيل الوصول ونقاط وضع الأمتعة في مطار هيثرو في المملكة المتحدة، مع التركيز على معدل التنظيف ومقارنة استخدام الشاشات مع البدائل غير اللمسية.

استُخدمت المحاكاة للتنبؤ بتغيرات رقم الاستنساخ R، وهو عدد الأشخاص المتوقع أن يعديهم شخص يحمل مرضًا، فإذا وجد مثلًا مرض بقيمة 2.0 لرقم الاستنساخ R فذلك يعني أن شخصًا واحدًا حاملًا يستطيع أن ينقل العدوى إلى شخصين آخرين وسطيًا. ويختلف هذا الرقم للأمراض بالاعتماد على مدى انتقالها ومدى توفر الفرصة لنقلها، فمثلًا، تصبح قيم رقم الاستنساخ R أعلى في منطقة فيها كثير من الناس باتصال وثيق مقارنةً مع منطقة بمساحة أكبر.

ووجد الباحثون عدة نتائج يمكن التنبؤ بها، فمثلًا يؤثر وقت استخدام واجهات المستخدم التي تعمل باللمس في قيمة رقم الاستنساخ R، إذ نادرًا ما تعيش مسببات الأمراض فترة طويلة بلا مضيف، ويرتبط معدل التنظيف المرتفع للشاشات بنسبة نقل منخفضة أيضًا.

لكن المثير للدهشة أن النموذج اقترح أن اللمس المتعدد للشاشات يفعل الشيء نفسه الذي يفعله تنظيف الشاشة، ففي سيناريو اللمس المكثف، إذا استخدم شخص مصاب الشاشة وراكم عليها مسببات الأمراض فإن المستخدم أو المستخدمَين التاليين سيلتقطون كل هذه الجراثيم ويزيلونها من على الشاشة مانعين بذلك انتقالها مرة أخرى.

يقول دي باتيستا: «عمومًا، تنخفض قيمة رقم الاستنساخ R لأن ذلك يتناسب مع العدد الإجمالي للأشخاص المصابين في المحاكاة، لكن هذا فقط بسبب زيادة الخطر على المستخدمين الأولين غير المحظوظين بعد التلوث، لذلك فإن قيمة رقم الاستنساخ R لا تعبر بالكامل عن كل المخاطر».

يقول دي باتيستا أنه يمكن استخدام المحاكاة لفحص الأجهزة العامة الأخرى ذات عمليات اللمس المكثف، مثل لوحات المفاتيح، لكن هذه قد تكون صعبة التنبؤ لأنها مصنوعة من مجموعة مواد أكثر تنوعًا من الشاشات العاملة باللمس والتعامل معها مختلف.

يخطط الباحثون لاحقًا لتحسين نموذج الشاشة التي تعمل باللمس والتوثق من إمكانية استخدامه للتنبؤ بتفاعلات أكثر تعقيدًا مع شاشات اللمس. يقول دي باتيستا: «أحد الأشياء التي نرغب في تنفيذها هو قدرة النموذج على تقدير التلوث المتبادل، أي أن مسببات الأمراض الملتقطة من سطح واحد على الأصابع أو الأيدي يُعاد ترسيبها ومراكمتها على السطح التالي المعرض للمس».

اقرأ أيضًا:

البكتيريا الموجودة على هاتفك هي نفسها الموجودة بداخلك

هل تستطيع شاشات اللمس استشعار تلوث التربة والمياه؟

ترجمة: بشار منصور

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر