الجبنة، ذاك المنتج الممعن في القدم المحبوب لمذاقه الغني والدسم ولصفاته المشبِعة. اكتُشِفت الجبنة قديمًا جدًا في الحضارات الغابرة مع بدء انتشار الزراعة وتربية الأغنام والماعز من أجل حليبها. صدفة، عندما تُرك الحليب مكشوفًا في الشمس لساعات، انقلب طعمه حامضًا وتخثرت مكوناته البروتينية في كتل صلبة. ليكتشف المزارعون الطعم المدهش اللذيذ لهذه الكتل الصلبة عندما فصلوها عن القسم السائل، أو المسمى مصل الحليب.

منذ ذلك الحين، كان للعديد من البلدان حول العالم تجارب في صناعة الجبنة، مستخدمة أنواعًا مختلفة من الحليب، فترات متنوعة حتى تختمر الجبنة وتنضج، إضافات متعددة يختلف معها الطعم والقوام مثل الملح أو الحامض. تُعرف الهند بجبنة بانير الطرية متوسطة المذاق، بينما اكتشفت اليونان جبن فيتا الأبيض الهش المالح المصنوع من حليب الغنم أو الماعز، وطورت ساردينيا جبنة بيكورينو رومانو Pecorino Romano لاذعة الطعم المبشورة.

تعد الجبنة طعامًا غنيًا بالمغذيات وتوفر كمية كافية من البروتين والدسم والعناصر المعدنية. تحوي بعض كتل الجبنة الصلبة القليل من الرطوبة مثل جبنة بارميجيانو ريجيانو Parmigiano-Reggiano وجبنة شِدٓر المُعتّقة ما يسمح بسهولة تخزينها ونقلها من غير الحاجة للتبريد. يكون تحمل الجبنة عند بعض الأشخاص أفضل من تحمل الحليب لقلة غناه بسكر اللاكتوز صعب الهضم عند هؤلاء الأشخاص نتيجة عوزهم الخميرة المفككة له.

تعد الجبنة مصدرًا ل:

  •  الكالسيوم.
  •  البروتين.
  •  الفوسفات.
  •  فيتامين B12
  •  فيتامين A

تتنوع المغذيات الموجودة في الجبنة. إذ يملك أونص واحد «نحو 28 غراما» من الجبنة الصلبة أو قطعة بحجم إبهامك نحو 120 كالوري و8 غرام من البروتين و6 غرام من الدهون المشبعة و180 مليغرام من الكالسيوم. بينما يملك نصف كوب من الجبنة الطرية مثل 4% من جبنة كوتاج كاملة الدسم نحو 120 كالوري و14 غرام من البروتين و3 غرام من الدهون المشبعة و80 مليغرام من الكالسيوم.

تكون معظم أنواع الجبنة غنية بالصوديوم بنحو 300 إلى 450 مليغرام للقطعة الواحدة نظرًا إلى أن الملح يعد المكون الرئيسي في الحفاظ على الرطوبة ومنع فرط نمو الجراثيم. مع هذا، تكون بعض أنواع الجبنة فقيرة بالصوديوم، إذ تحوي نحو 50 إلى 100 ميلغرام للقطعة الواحدة مثل الجبنة المصنوعة من حليب الماعز وجبنة موزاريلا المصنوعة من الحليب كامل الدسم والجبنة السويسرية.

الجبنة والصحة

تحوي منتجات الألبان كاملة الدسم كمية عالية من الدهون المشبعة وبعض الكوليسترول. تكون دهون الحليب نحو 70% منها دهونًا مشبعة و25% منها دهونًا أحادية اللاتشبع و5% منها متعددة اللاتشبع. يُنصح عمومًا بتناول الجبنة بكميات محدودة لما تملك مكوناتها من تأثيرات سلبية في الصحة فالوارد العالي من الدهون المشبعة يرفع مستويات الكوليسترول وLDL، تملك الجبنة أيضًا كمية عالية من الصوديوم.

مع هذا، يبقى الجدل حول تأثير الجبنة في الصحة مستمرًا. إذ ينصح دليل التغذية الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية بتناول منتجات الألبان منخفضة الدسم -الحليب ولبن الزبادي والجبنة- لتجنب الأمراض القلبية الوعائية، بينما تشير بعض التقارير إلى انخفاض خطر الأمراض القلبية الوعائية والداء السكري من النمط الثاني عند تناول المنتجات اللبنية كاملة الدسم.

إذ تقترح هذه الدراسات امتلاك بعض المغذيات النوعية في الجبنة فائدة وقائية للقلب، مثل الكالسيوم وحمض اللينوليك «حمض الكتان» المقترن، وأن أنواع الدهون المشبعة الموجودة في الجبنة تملك تأثيرًا في القلب يختلف عن تأثير الدهون المشبعة الموجودة في اللحم الأحمر. أيضا تُغيّر الجراثيم المضافة في أثناء مرحلة التخمر من مراحل صناعة الجبنة من تأثير بعض المغذيات الموجودة في الجبنة على كوليسترول الدم. لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه النظرية ما زالت حديثة العهد وتمتلك القليل من الدلائل الداعمة لها ومصدرها أساسًا هو شركات تصنيع الجبنة مع المعينات الحيوية «بروبيوتيك».

ينبغي الإشارة إلى أن العديد من الدراسات التي تتحدث عن فائدة ما للجبنة على الصحة تكون ممولة من الصناعات المتعلقة بالمنتجات اللبنية أو الشركات التي تبيع هذه المنتجات. إذ لم تظهر الدراسات المذكورة فيما يلي تضارب في مصالح الصناعات اللبنية، بكل ما لدينا من معرفة.

يبدو من الدراسات أن الجبنة تمتلك بعض الفوائد فيما يخص السكتات الدماغية وتغيرات الوزن، خاصة عند استبدالها مكان اللحم الأحمر. مع ما سبق، يختلف تأثير الجبنة في الصحة باختلاف النمط الغذائي المتناولة فيه. إذ على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، تضاف الجبنة عادة للبيتزا أو البرغر الحاوي على الحبوب المنتقاة وللحم الغني بالدهون المشبعة وللصوديوم. ومن الأرجح أن يملك مثل هذا النمط الغذائي تأثيرًا سلبيًا في الصحة بغض النظر عن كمية الجبنة المستهلكة فيه.

النقطة الجوهرية: صحيح أن الجبنة غنية بالدهون المشبعة والصوديوم، إلا أنها غنية أيضًا بالكالسيوم والبروتين، وبعض الأنواع المتخمّرة تملك معينات حيوية. يستطيع الشخص تناول كمية معتدلة من الجبنة جزءًا من نظام غذائي صحي، لكن تبقى الآلية التي تؤكل فيها الجبنة ضرورية. إذ قد تنتفي تأثيرات الجبنة الصحية عند تناولها مع الحبوب المنتقاة -كالباستا البيضاء والخبز والبسكويت إلخ…- واللحوم المعالجة. بينما على الجانب المقابل، تمثل الجبنة خيارًا صحيًا جيدًا عند استبدالها للحوم الحمراء والمعالجة أو بتناولها بمثابة وجبة خفيفة بدلًا من رقائق البطاطس -تبقى المكسرات خيارًا خفيفًا صحيًا أيضًا-.

من أجل صحتك وصحة الكوكب

تضع صناعة المنتجات اللبنية حملًا ثقيلًا على كل من الأرض والماء والموارد الطبيعية. وتطلق الحيوانات المجترّة المنتجة للحليب من الأبقار والأغنام والماعز غاز الميثان ذا التأثير الحابس للحرارة القوي. في محاولة لإيجاد نمط غذائي صحي للبشر ومستدام للكوكب، يضع النظام الغذائي الصحي للكوكب هدفًا حول كمية المنتجات اللبنية المسموحة عند 250 غرامًا في اليوم الواحد، بمجال يتراوح من 0 إلى 500 غرام لليوم، ويعادل 250 غرامًا نحو كأس واحد من الحليب أو كمية مماثلة من الجبنة (لأن نحو 90% من الحليب ماء، وتعادل هذه الكمية نحو أونصة واحدة من الجبنة القاسية).

اقرأ أيضًا:

هل تضر الجبنة بصحتنا؟ الخبراء يعطون آراءهم.

الفئران تحب الجبنة: حقيقة أم خرافة؟

تناول الجبن والنبيذ يمكن أن يقي من الخرف!

هل يمكن لتناول الجبن أن يجعلك تحلم أحلامًا غريبة؟

المترجم: يونس الجنيدي

المدقق: نايا بطّاح

مراجعة: نغم رابي

المصدر