يُعد اكتشاف مقاومة المضادات الحيوية لدى دببة بنية من الغابات السويدية النائية مؤخرًا، مؤشرًا محزنًا يعكس مدى انتشار الضرر الذي يحدثه البشر في الطبيعة، غير أنه يُعد أيضًا مثالًا إيجابيًا لقدرتنا على قلب الموازين بأفعال بسيطة.

بدأت المشكلة في التفاقم بعد بدء إنتاج الأدوية المضادة للميكروبات على نطاق صناعي كبير في أربعينيات القرن الماضي. إضافةً إلى ذلك، وجد العلماء حديثًا أنه يمكن اقتفاء أثرها في أسنان الدببة البنية السويدية، إذ لوحظت زيادة مستمرة في مقاومة المضادات الحيوية لدى الدببة منذ الخمسينيات.

ولكن بعد أن فرضت السويد أنظمةً رقابيةً لاستعمال المضادات الحيوية في التسعينيات، انخفضت مقاومة المضادات الحيوية لدى الدببة، ما يبين فعالية هذه الأنظمة في تخفيف حدة الأضرار البيئية الناتجة عن البشر.

كانت مقاومة المضادات الحيوية مشكلةً متفاقمةً منذ عقود، تسخر الأدوية المضادة للميكروبات الأنظمة الدفاعية للعفن مثل البنسليوم لمصلحتها، ففي الظروف الطبيعية، يدافع العفن عن نفسه بإنتاج جزيئات مضادات حيوية ضد منافسيه من البكتيريا، واستُغلت هذه الجزيئات واستخدمت لمنفعتنا الخاصة.

وفي الطبيعة تتطور البكتيريا استجابةً لدفاعات العفن، فيطور العفن دفاعات جديدة بالنتيجة، ويحدث هذا أيضًا استجابةً لعقاقير المضادات الحيوية.
أصبحت البكتيريا مقاومة بازدياد عقاقير المضادات الحيوية التي طورناها، الأمر الذي سيجلب لنا عواقب وخيمة، فوفقًا لتقرير نُشر في عام 2019 من مراكز مكافحة الأمراض والوقاية (CDC)، يلقى أكثر من 35,000 شخص -في الولايات المتحدة فحسب- حتفهم كل سنة بسبب الإصابة ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية.

ليس من الواضح مدى تغلغل المضادات الحيوية في البيئة، ولكننا نعلم أن المضادات الحيوية والبكتيريا المقاومة لها قد تنفذ إلى البيئة عبر مياه الصرف الصحي -وهي مشكلة صحية لا تقتصر على المضادات الحيوية فقط-.

بحثت الدراسات تأثير ذلك في الكائنات البرية والمائية، إلا أن دراسة تأثيره الواسع على مدى فترة من الزمن كانت أمرًا صعبًا.

تمكن فريق بحثي -بقيادة عالمة الأحياء الدقيقة جيل بريلي من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا- حديثًا من التغلب على تلك الصعوبة بزيارة عدد من المتاحف؛ كان هدفهم فحص جماجم دببة بنية، واستطاعوا أخذ عينات من قلح الأسنان (جير الأسنان) لـ82 دبًا بنيًا عاشوا خلال الفترة الواقعة بين عامي 1842 و2016.

قلح الأسنان هو طبقة لويحية تراكمية تحتوي على عينات من المجتمعات البكتيرية التي تعيش في الفم. فحص الفريق التسلسلات الجينية الخاصة بالبكتيريا التي حصلوا عليها من العينات بحثًا عن الجينات المسؤولة عن مقاومة المضادات الحيوية.

وجد الباحثون ارتفاعًا مستمرًا في مستويات البكتيريا المقاومة لدى الدببة منذ الخمسينيات، ثم لاحظوا انخفاض ذلك بعد أن حظرت الحكومة السويدية استعمال المضادات الحيوية في الزراعة في الثمانينيات، وبعد أن طبقت نظامًا يهدف للقضاء على مقاومة المضادات الحيوية في عام 1995.

تقول بريلي: «وجدنا أن أعداد البكتيريا تعكس الاستعمال البشري للمضادات الحيوية في السويد بدقة، فهي زادت في القرن العشرين وانخفضت خلال العشرين سنة الأخيرة».

وتضيف: «وجدنا بالإضافة إلى ذلك تنوعًا أكبر في جينات مقاومة المضادات الحيوية خلال الآونة الأخيرة، وذلك على الأرجح نتيجةً لاستعمال أنواع مختلفة من المضادات الحيوية عند البشر مؤخرًا».

عاشت الدببة التي تضمنتها الدراسة في مناطق مختلفة من السويد، لذا فقد ظن الفريق أن العينات كانت ستُظهر انتشارًا متفاوتًا لمقاومة المضادات الحيوية بناءً على مدى قرب الدببة من مناطق سكن البشر.

مع أن الدببة البنية السويدية تميل إلى الابتعاد عن البشر عمومًا، فإن بعضها يعيش على مقربة منهم أكثر من غيره، لذا كان من المتوقع أن تكون لديها أعداد أكبر من البكتيريا المقاومة، ولكن بشكل مفاجئ لم يكن كذلك.

تقول عالمة الوراثة كاترينا غوشانسكي من جامعتي أوبسالا السويدية وإدنبرة الاسكتلندية: «وجدنا مستويات متماثلة من مقاومة المضادات الحيوية لدى الدببة التي عاشت في المناطق النائية وتلك التي وُجِدت في المناطق القريبة من السكن البشري. يشير هذا إلى أن تلوث البيئة بالمضادات الحيوية والبكتيريا المقاومة متفشٍ على نطاق واسع حقًا».

لوحظت مستويات منخفضة من البكتيريا المقاومة لدى الدببة المولودين بعد عام 1995، ما يُعد أمرًا مشجعًا.

صحيح أن تلك المستويات لم تكن بالانخفاض الذي كانت عليه قبل بدء إنتاج المضادات الحيوية على النطاق الصناعي، ولكنها تبين أننا قادرون على إحداث فرق بخصوص المشكلات البيئية التي نسببها.

كتب الباحثون: «تشير دراستنا إلى أن الأفعال البشرية السلبية منها والإيجابية بإمكانها التأثير على مختلف المجتمعات الميكروبية -من ضمنها المرتبطة بالحيوانات البرية- مباشرةً، وتقدم أدلةً على أن التطبيق الواسع للسياسات المقيدة لاستعمال مضادات الميكروبات عند البشر والماشية قد يكون فعالًا في الحد من انتشار المقاومة الميكروبية عبر السبل البيئية».

نُشِر البحث في مجلة Current Biology.

اقرأ أيضًا:

مقاومة المضادات الحيوية تزداد لدى الدلافين.. ويبدو أنه خطأ البشر

اكتشاف بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في طيور البطريق وغيرها من الطيور

مقاومة الأدوية : هل يؤثر استخدام المضادات الحيوية في الحيوانات على صحة الإنسان ؟

تضاعف نسبة الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية خلال السنوات العشرين الماضية

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: أحمد الحميّد

مراجعة: آية فحماوي

المصدر