يشير مصطلح تراجع التصنيع إلى العملية التي تنخفض فيها معدلات التصنيع بصفتها جزءًا من النشاط الاقتصادي الكلي في مجتمعٍ أو منطقة معينة، أي نقيض التصنيع، وبالتالي يشكل هذا تراجعًا في النمو الاقتصادي لذلك المجتمع.

أسباب تراجع التصنيع الاقتصادي

هنالك أسباب عدة قد تدفع مجتمعًا ما إلى المرور بتجربة تراجع التصنيع والصناعات الثقيلة الأخرى، نذكر منها:

  1.  الانخفاض المستمر لمعدلات التوظيف في القطاعات الإنتاجية بسبب عوامل اجتماعية تحول دون استمرارية هذه الأنشطة (حالات الحروب أو التقلبات البيئية)، إذ تتطلب عملية الإنتاج إمكانية الحصول على الثروات الطبيعية والمواد الخام التي تتعذر دونها عملية الإنتاج، وفي الوقت ذاته، ينتج عن زيادة الأنشطة الصناعية أضرار كبيرة بالنسبة للموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الصناعات المختلفة، مثلًا، كانت الأنشطة الصناعية في الصين مسؤولةً عن معدلات قياسية لاستنفاد وتلوث المياه، إذ إنه في عام 2014 كان أكثر من ربع الأنهار الرئيسية في الصين غير صالحة للاستهلاك البشري؛ لذلك صعبت هذه النتائج البيئية الكارثية على الصين المحافظة على استمرارية الإنتاج الصناعي، تحدث أيضًا مثل هذه الحالات في مناطق أخرى من العالم حيث معدلات التلوث المرتفعة.
  2.  نقل النشاط الاقتصادي من القطاعات الإنتاجية إلى القطاعات الخدمية، إذ إنه كلما تطورت البلدان تتناقص معها الأنشطة الصناعية بسبب تحويل الإنتاج إلى شركاء تجاريين حيث تكاليف اليد العاملة الأقل، وهذا ما حدث لقطاع صناعة الألبسة في الولايات المتحدة بحسب تقرير في عام 2016 لمكتب إحصائيات العمل، إذ شهد قطاع الألبسة الانخفاض الأكبر من بين كافة القطاعات الأخرى بانخفاض يقدر بنسبة 85% (على مدى السنوات الخمسة وعشرين الماضية)، فقد استمر الأمريكيون بشراء الملابس بالمعدلات الماضية نفسها ولكن انتقلت معظم مصانع الألبسة إلى بلدانٍ أخرى، ما نتج عنه انتقال ملحوظ لليد العاملة من القطاع الصناعي إلى الخدمي.
  3.  العجز التجاري الذي تعيق آثاره الاستثمار في القطاع الصناعي، فعندما تشتري دولة معينة سلعًا أكثر مما تبيع تحدث حالة عدم توازن في الميزان التجاري، الذي بدوره يقلل من نسبة الموارد الضرورية التي تدعم الصناعة المحلية وقطاعات الإنتاج الأخرى، وفي معظم الحالات يجب أن يصبح العجز التجاري حادًا قبل أن يؤثر سلبًا في القطاع الصناعي.

هل يعد دائمًا تراجع التصنيع مؤشرًا سلبيًا؟

من السهل النظر إلى مفهوم تراجع التصنيع على أنه نتيجة لاقتصادٍ يعاني، ولكن في بعض الحالات كانت هذه الظاهرة في الولايات المتحدة -مثلًا- نتيجةً لاقتصادٍ ناضج، ففي عام 2008 أدت فترة «انتعاش العاطلين عن العمل» إلى تراجع في التصنيع دون انخفاض في الأنشطة الاقتصادية.

يشير عالما الاقتصاد كريستوس بيتيليس ونيكولاس انتوناكيس إلى أن تحسين الإنتاجية في التصنيع (بسبب التكنولوجيات الحديثة والكفاءات الأخرى) يؤدي إلى انخفاض في تكلفة السلع، ثم تشكل هذه السلع أجزاءً أصغر من الاقتصاد فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي (GDP)، بمعنى آخر لا يعد دائمًا تراجع التصنيع مؤشرًا سلبيًا؛ لذلك يمكن أن يكون التخفيض الظاهري للتصنيع نتيجةً لازدياد الإنتاجية المتعلقة بقطاعات اقتصادية أخرى.

وبصورة مشابهة، تؤدي التغيرات في الاقتصاد التي تسببها اتفاقيات التجارة الحرة إلى انخفاض التصنيع المحلي، لكن لا تسبب هذه التغيرات آثارًا عكسية على ازدهار المؤسسات متعددة الجنسيات التي تستعين بمصادر خارجية لموارد التصنيع.

اقرأ أيضًا:

مؤشر الحرية الاقتصادية ما هي البلدان “الحرة اقتصاديًا”

مشكلة القصور الذاتي: لماذا تفشل الشركات الكبرى بعد نجاحها؟

ترجمة: لميس عبد الصمد

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: حسين جرود

المصدر