عندما بدأ السفر الجوّي التجاري ينتشر في ثلاثينيات القرن المنصرم، كان أحد أكبر عوامل الجذب لاستخدام خطوط الطيران فرصة رؤيةِ التضاريس من منظورٍ جديد تمامًا، من أعلى. كتب دانييل رست في كتابه «الطيران عبر أمريكا» -كتاب عن تاريخ رحلات الطيران عام 2012: «إن رؤية الأنهار والصحاري والمزارع وآفاق المدينة كان ترفيهًا رائعًا غير محدود».

ما زال بعضنا حتى اليوم يتأمل العالم بدهشة من تلك النوافذ الصغيرة. وجدت دراسة لمؤسسة كوارتز الإخبارية سنة 2014 أن نصف الأمريكيين يفضلون الجلوس بجانب النوافذ في الطائرات، وأن من يسافرون أكثر من مرة في السنة ينقسمون حول هذا الأمر بالتساوي.

لهذا ربما ليس غريبًا أن يفكر مصممو الطائرات في وضع شاشات فيديو بدلًا من نوافذ الركاب. سنة 2014 مثلًا، كشف المركز البريطاني للتكنولوجيا والابتكار عن تصميم لطائرة بلا نوافذ، إذ يُغطى الجانب الداخلي لقمرة الطائرة بشاشات عرض فيديو رفيعةً ومرنة ذات جودة عرض عالية، ستوفر هذه الشاشات الإضاءة والترفيه، إضافةً إلى رؤية أوسع لخارج الطائرة.

نوافذ دبي الافتراضية

في أبريل الماضي، أطلق طيران الإمارات من مقره في دبي طائرات طراز بوينغ 777 التي تحتوي على أجنحة (غُرف) خاصة معدة بنوافذ افتراضية لتوفر إطلالةً على الخارج من منتصف الطائرة.

يقول مسؤول العلاقات العامة لشركة طيران الإمارات جيروم ديمير: «رُكبت النوافذ الافتراضية لأجنحة الدرجة الأولى الموجودة في منتصف الطائرة، إذ إنها أجنحة مغلقة تمامًا بأبواب من الأرضية إلى السقف، ولن يتمكن الركاب من رؤية النوافذ في جوانب الطائرة. تنقل تلك النوافذ الافتراضية المشهد خارج الطائرة بواسطة تقنية كاميرات آنية تنقل لحظيًا ما يحدث بالخارج، وُضعت الكاميرات في أماكن استراتيجية لتوفر للركاب مشهدًا آنيًا من خارج الطائرة، ويتوقف مكان المشهد على أي جانب يقع مدخل الجناح في الطائرة، يمينًا أم يسارًا، وهو المشهد الذي سيظهر عند الأجنحة المركزية. إن الكاميرات ذات جودة عالية وبؤرة واسعة تنقل رؤيةً شاملة لخارج الطائرة، فتوفر النوافذ الافتراضية منظورًا واقعيًا واضحًا لما يحدث خارج الطائرة، ومع ذلك علّق الركاب عن تجربتهم الشخصية بأنهم يفضلون النظر من نوافذ حقيقية».

لاقت نوافذ طيران الإمارات الافتراضية تقييمًا رائعًا من موقع السفر The Points Guy.

في مقال بي بي سي، علق رئيس طيران الإمارات السير تيم كلارك على إمكانية إنتاج طائرات بلا نوافذ، على عكس تصريح ديمار الذي قال: «لا توجد خطط حالية لطائرة بلا نوافذ».

تخطط الشركة المصنعة للطائرات لأن تصبح بلا نوافذ على نطاق محدود، إذ طوّرت شركة سبايك إيروسبيس الخاصة من مقرها في بوسطن طائرة سبايك إس-512، وهي طائرة رجال أعمال أسرع من الصوت تتسع لـ 18 راكبًا، تحتوي أحدث التقنيات التي ستمكنّها من اختصار وقت السفر، دون استهلاك مفرط للوقود، ودون الدوي العالي لاختراق حاجز الصوت، إضافةً إلى عدم وجود نوافذ للركاب.

صرح فيك كاتشوريا، الرئيس التنفيذي لسبايك إيروسبيس، إن تصميم الطائرة سيشمل «مقصورة رقمية متعددة ومعقدة» بدلًا عن النوافذ الصغيرة المعتادة، وسيتمكن الركاب من مشاهدة زوجين من شاشات الفيديو الرقمية بطول ستة أمتار، تمتد بطول المقصورة على جانبي الطائرة. إذ إن عدة كاميرات فائقة الدقة مثبتة على السطح الخارجي للطائرة ستزودها بفيديو بدقة 4K، يُجمع باستخدام برنامج خاص طورته الشركة.

يقول كاتشوريا إن النظام «سيزود الطائرة بصورة جميلة ممتدة من مختلف الزوايا، ويمكن بذلك رؤية الصورة التي تريد من اليمين أو اليسار، أمام الطائرة أو خلفها، ويمكنك النظر إلى أسفل أو إلى أعلى نحو السماء، وهي رؤية بانورامية تفوق الرؤية المحدودة التي توفرها النافذة المعتادة».

مميزات الطائرات دون نوافذ

يقول كاتشوريا إن إزالة النوافذ الزجاجية التقليدية المصنوعة من الأكريليك من الطائرة لها مزايا أخرى، إذ يقلل عزل جسم الطائرة الضوضاء الصادرة عن المحركات، ويعزز حماية الطائرة ويجعلها أكثر أمانًا، وأضاف: «أينما وجدت فجوة يوجد ضعف هيكلي، وبإزالة النوافذ ستحد من نقاط الضعف».

(تُصمم نوافذ الطائرات لتكون متينة بما يكفي لتحمل ضغوط الطيران، كما هو مفصل في نشرة إدارة الطيران الفيدرالية لعام 2003).

إضافةً إلى توفير رؤية أشمل، سيمكِّن النظام الركاب من اختيار محتوى آخر، وسيكونون قادرين على الاستفادة من تحديد الموقع الجغرافي وعرض بيانات الواقع المعزز حول المعالم التي تحلق فوقها الطائرة. يقول كاتشوريا: «لدينا شركاء يعملون على محتوى الشاشات».

إن لم يكونوا مهتمين بالمنظر، فسيتاح للركاب أيضًا استخدام الشاشات لأغراض أخرى، يقول كاتشوريا: «يمكنك مشاهدة مقاطع الفيديو أو وضع فيلم إذا أردت، أو مشاهدة عرض تقديمي (PowerPoint)، أو خفض الأضواء».

وفقًا لـكاتشوريا، سيظل لدى الطيارين نافذة تقليدية في قمرة القيادة، إضافةً إلى تقنية الرؤية الاصطناعية.

يقول كاتشوريا أن شركة سبايك إيروسبيس ما زال أمامها عدة سنوات أخرى من الهندسة لإتمام رؤيتها على متن الطائرة، ومن ثم تخضع الطائرة لعمليتي الاختبار والاعتماد، ويُتوقع تسليم أول طائرة بلا نوافذ تقليدية للركاب عام 2025.

لن يستمتع بتجربة الطيران دون نوافذ في سبايك إيروسبيس مبدئيًا سوى المديرون التنفيذيون للشركات والأشخاص الأثرياء بما يكفي لشراء طائرة خاصة، لكن كاتشوريا يتوقع أن تجد التكنولوجيا المبتكرة طريقها في النهاية إلى الطائرات العامة أيضًا.

اقرأ أيضًا:

ما هو أسوأ مقعد على الطائرة؟

المكان الأكثر أمانًا للجلوس على متن الطائرة

ترجمة: مي مالك

تدقيق: أحمد الحميّد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر