أصبحت الكمامات مشهدًا مألوفًا في جميع أنحاء العالم منذ اجتاح سارس كوف-2 (الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19) حياتنا. شرعنا نحقق في تأثيره، بهدف معرفة كيفية انتقال الفيروس عبر الهواء، حتى نتمكن من فهم المزيد عن خطر العدوى المحمولة جوًا، وهل تساعد الكمامات على التحكم في انتشار الرذاذ التنفسي في الهواء، ومن ثم تقليل انتقال العدوى؟

حين نتكلم أو نسعل أو نتنفس، يندفع الهواء من الرئتين عبر الفم والأنف. في هذه العملية يتجمع السائل التنفسي من الرئتين والحلق والفم، ما يخلق قطرات تنبعث في الهواء. الأنشطة الصوتية العالية، مثل الغناء والسعال، تزيد كمية القطرات، وتخلق قوة أكبر لدفعها في الهواء المحيط بنا.
معظم القطرات الناتجة صغيرة، بحجم أقل من خمسة ميكرون، ما يُسمى الهباء الجوي. أي شيء أكبر من هذا يسمى قطرة، التي قد تكون كبيرة حتى 100 ميكرون.

ينتج عن كل نفس أو كلمة أو سعلة عدة آلاف حتى ملايين من جسيمات الهباء الجوي والقطرات ضمن نطاق واسع من الأحجام. أيًا كان الحجم، تخرج تلك القطيرات من فمنا، ويحملها هواء أنفاسنا الرطب الدافئ نحو أشخاص آخرين ضمن مساحة مشتركة. تسقط القطرات الأكبر على الأرض سريعًا بفعل الجاذبية، أما القطرات الأصغر فتظل معلقةً في الهواء عدة ساعات.

على مدار 18 شهرًا الماضية، كُشف عن سارس كوف-2 (الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19) في عينات الهواء في العديد من الحالات المختلفة، غالبًا في أماكن مثل المستشفيات. عمومًا، استُخدم اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل للتحقق من وجود الحمض النووي الريبي لسارس كوف-2 (الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19). عُثر على جزيئات الحمض النووي الريبي للفيروس في الهباء الجوي الناتج من الزفير، بأعداد تتراوح من العشرات إلى مئات الآلاف لكل متر مكعب من هواء الغرفة.

الأشخاص المصابون هم المصدر

نعلم الآن أن الأشخاص المصابين دون أن تظهر عليهم أعراض ليس لديهم بالضرورة حمل فيروسي أقل مقارنةً بمن تظهر عليهم الأعراض. في كلتا الحالتين، قد تتراوح كمية الفيروس من بضعة آلاف إلى مئات المليارات من الجينومات الفيروسية لكل مليلتر من اللعاب أو المخاط، متضمنةً فيروسات نشطة.
حين تخرج جزيئات الفيروس من الجسم، فغالبًا يوجد عدد قليل من جزيئات الفيروس في معظم الهباء الجوي بحجم خمسة ميكرون، في حين يوجد من عشرات إلى عشرات الآلاف من جزيئات الفيروس في القطرات التي يبلغ حجمها نحو 100 ميكرون، ومع كل نفس أو كلمة أو سعلة سينتج عدة آلاف إلى ملايين من جسيمات الهباء الجوي والقطرات مختلفة الأحجام.
فور تعرضه للهواء الأقل رطوبةً خارج الجسم، يتبخر السائل من القطيرات الكبيرة المحملة بالفيروس، فتتحول إلى هباء. يبقى عدد من جزيئات الفيروسات كما هو، لكنها تتركز في هباء أصغر وأخف بكثير، ما يعني أنها تبقى معلقةً في الهواء لساعات، وتشكل خطر العدوى.

تتناسب كمية الفيروس التي يستنشقها شخص ما في غرفة معينة طرديًا مع كمية الفيروس المنبعثة في الهواء من شخص مصاب. ببساطة، كلما نفث الشخص المصاب بكوفيد-19 المزيد من الفيروس في الغرفة، يتنفسه المزيد من الأشخاص الآخرين.

تعتمد الكمية الدقيقة للفيروس الذي يستنشقه الشخص المعرض للإصابة على عدة عوامل، منها القرب من الشخص المصاب، والوقت الذي يقضيه في المكان المغلق. يزداد تركيز الفيروس قرب الشخص المصاب بكوفيد-19، وعلى مسافة أكبر من مترين، يتبدد الفيروس في هواء الزفير ويقل تركيزه ضمن جو الغرفة. يكمن الخطر الحقيقي في الأماكن سيئة التهوية، إذ يتراكم الفيروس، ما يؤدي إلى استنشاق المزيد منه.

الكمامات الواقية

من الصعب قياس الفائدة الحقيقية للكمامات على مجموعة سكانية بدقة، بسبب الاختلافات الشاسعة في الحمل الفيروسي بين الأشخاص، واختلاف العديد من العوامل، متضمنةً تنوع الأنشطة التي يفعلها الأشخاص، بين الحديث والصياح والغناء، ومساحات الغرف والوقت الذي يقضونه فيها. تحدث الكمامات فارقًا محدودًا نسبيًا عندما لا يطلق الشخص المصاب بكوفيد-19 ما يكفي من الفيروسات لإصابة شخص آخر. بالمقابل، فمع الحد من انبعاث الفيروس من شخص مصاب يطلق الكثير من الفيروسات، غالبًا يظل الانبعاث الكلي للفيروس مرتفعًا. يعني ذلك أن ارتداء كمامة يقلل بالفعل كمية الفيروس المنبعث، لكن مدى فائدتها يعتمد بالمقام الأول على مقدار انبعاث الفيروس.

لذلك لا يوجد حتى الآن دليل قاطع على فعالية الكمامات؛ لصعوبة التحكم في جميع المتغيرات المؤثرة في مستوى انتشار الفيروس.
لكن حتى من دون أن نتحقق من العدد الدقيق للحالات التي نتجنبها بواسطة ارتداء كمامة، فمن المؤكد أنها ستحجب بعض الهباء الجوي والقطرات المحملة بالفيروس، ما يساعد على تقليل عدد الإصابات بكوفيد-19.

الكملمة هي إحدى الأسلحة العديدة التي في جعبتنا، وتشمل أيضًا التطعيم والتباعد الاجتماعي والتهوية والنظافة. مع انتشار المتحور أوميكرون بسرعة، فإن أرقام الحالات مقلقة للغاية. من المهم أكثر من أي وقت مضى استخدام جميع الوسائل المتاحة للحد من انتشار سارس كوف-2، الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19.

اقرأ أيضًا:

دواء أزيثرومايسين وكوفيد-19: هل يفيد المرضى؟ وما خطر مقاومة المضادات الحيوية؟

الفيروس التنفسي المخلوي: طرق العدوى والأعراض والتشخيص والعلاج

ترجمة: علي خليل

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر