بينما ينتشر متحور أوميكرون في جميع أنحاء العالم ويتنافس منتجو لقاحات كوفيد-19 الرئيسيون على وصول لقاحاتهم إلى أكبر عدد ممكن من البشر عالميًا، فإن اللقاح الذي طوره مركز تطوير اللقاحات في مستشفى الأطفال في تكساس وكلية بايلور للطب أصبح جاهزًا للنشر. وفي الأسبوع الأخير من عام 2021، سمحت وكالة تنظيم الأدوية الهندية لمنتِج لقاح في البلاد بالبدء في توزيع لقاح كوفيد-19 يُسمى لقاح كوربيفاكس.

بعد مرور عامين على الجائحة، يُعد لقاح كوربيفاكس أول لقاح مضاد لكوفيد-19 مصمم خصيصًا للصحة العالمية، وهو بمنزلة حجر أساس لتحقيق العدالة العالمية في توزيع اللقاحات، ويرى فيه البعض الحل الذي يضع حدًّا لتردد البعض في تلقي اللقاحات، وسيكون بمنزلة مخطط عمل يبين كيفية تطوير لقاحٍ فعالٍ للاستخدام الوبائي، في ظل غياب التمويل السخي من القطاع العام.

بدايةً، طوَّر علماء في مركز تطوير اللقاحات بمستشفى تكساس للأطفال وكلية بايلور للطب النموذج الأولي للقاح قبل منح ترخيصه لشركة بيوإي (BioE بيولوجيكال إي. ليميتد) دون أي براءات اختراعٍ أو قيدٍ أو شرطٍ.

وقد طلبت الحكومة المركزية في الهند 300 مليون جرعة من هذا اللقاح بالفعل. وتخطط شركة بيوإي التي تصنعه إنتاج 100 مليون جرعة أو أكثر شهريًا بدءًا من شهر فبراير 2022، وقد أنتجت بالفعل 150 مليون جرعة تقريبًا جاهزة للتوزيع، تعتزم أيضًا توفير أكثر من مليار جرعة إضافية لدولٍ أخرى إلى جانب ما تزود به الهند من جرعات اللقاح.

ما يعنيه هذا أنَّ لقاح كوربيفاكس سيُستخدم قريبًا لتطعيم أشخاص أكثر عددًا بكثير من الأشخاص الذين تلقوا جرعات اللقاحات التي تبرعت بها حتى الآن الحكومة الأمريكية أو أي دولة أخرى ضمن مجموعة الدول الصناعية السبعة الكبار (G7).

للقاح كوربيفاكس الجديد كثير من الخصائص المميزة التي تجعله مناسبًا جدًّا للاستخدام في الأماكن التي تفتقر إلى الموارد، فهو آمن وفعال وقابل للإنتاج محليًّا بكميات كبيرة جدًّا، وإضافةً إلى ذلك، فإنه سهل التخزين وغير مكلف، ولذلك، نأمل أن يُقَرَّ استخدامه في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، تلك التي كان مستوى إتاحة اللقاحات فيها سيئًا جدًا عمومًا.

يُصنَّع لقاح كوربيفاكس بالاستعانة بتقنيةٍ قديمة استُخدمت سابقًا طوال عقود في جميع أنحاء العالم، ما يعني أنَّ عمليات التصنيع عمومًا معروفة بالفعل، ولذلك فهي لن تتطلب منحنى تعلّم شديد الانحدار كما يحدث عند توسيع نطاق التقنيات الجديدة، مثل اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA)، والفيروسات الغدانية ولقاحات الجسيمات البروتينية.

هذا فضلًا عن أنَّ لقاح كوربيفاكس يُصنَّع بالتخمر الميكروبي في الخميرة، أي على غرار العملية المستخدمة في إنتاج لقاح التهاب الكبدي الوبائي ب المأشوب الذي تصنعه وتستخدمه كثيرٌ من الدول ضعيفة الموارد، ما يفتح المجال أمام التصنيع المحلي للقاحات كوفيد-19 مماثلة للقاح كوربيفاكس.

من الجدير بالذكر أنًّ مركز تطوير اللقاحات بمستشفى تكساس للأطفال وكلية بايلور للطب قد منحا ترخيصًا لاستخدام تقنية لقاح كوربيفاكس لشركاتٍ في إندونيسيا وبنجلاديش، وكذلك منحا ترخيصًا للإنتاج لدولٍ أفريقية مثل بوتسوانا. وعليه فإن هذه الاتفاقيات لترخيص اللقاحات وتقنياتها، إلى جانب تطوير اللقاح مع شركاء آخرين، هي الطريقة المثلى التي يمكن أو ينبغي أن تُنتَج بها لقاحات كوفيد-19 محليًا، وعلى نطاقٍ واسع في الدول الواقعة في النصف الجنوبي للكرة الأرضية.

ويمتاز لقاح كوربيفاكس بخصائص أمانٍ ممتازة، تمامًا مثل لقاح التهاب الكبد الوبائي ب المأشوب الذي يُصنَّع باستخدام التقنية ذاتها؛ ففي تجربة المرحلة الثالثة التي أُجريت في الهند، لم ينجم عن لقاح كوربيفاكس سوى آثارٍ جانبيةٍ طفيفةٍ، ما يجعله من أكثر لقاحات كوفيد-19 المُستخدمة أمانًا.

عند مقارنته بجرعات لقاح شركة أسترازينيكا وجامعة أوكسفورد المُصنَّع بواسطة معهد الأمصال الهندي، أنتج لقاح كوربيفاكس أيضًا كميةً أكبر من الأجسام المضادة المُحيِّدة للمتحورين (دلتا وبيتا) من فيروس (سارس-كوف-2) المُسبب لمرض كوفيد-19، ومن المتوقع الحصول على البيانات الخاصة بالمُتحوِّر أوميكرون قريبًا. منح هذا اللقاح وقايةً أكثر استدامةً وأطول أمدًا؛ إذ استطاع تحييد هذين المُتحوِّرين المُقلقين في دراساتٍ مخبرية على الحيوانات، ومنح قدرًا كبيرًا من الوقاية في تجربتين من تجارب التحدي التي أُجريت على الرئيسيات غير البشرية.

ولأن لقاح كوفيد البروتيني المأشوب مُطَور من نطاق الارتباط بمستَقبِل البروتين الشوكي الموجود على سطح الفيروس، إضافةً إلى مادة من تطوير شركة (داينافاكس تكنولوجيز) وهي (CpG 1018) مع استخدام حجر الشَبّ بوصفه مساعدًا كيميائيًا، فإنه قابل للتخزين بتبريد غير مكلف. وحاله حال لقاح التهاب الكبد الوبائي ب، فهو كذلك أحد أرخص لقاحات مرض كوفيد-19 المتوافرة حتى يومنا هذا، إذ لم تُسجل أي براءات اختراع لتقنية هذا اللقاح، كما أن مركز تطوير اللقاحات بمستشفى تكساس للأطفال يساعد ويشارك في تطوير هذا اللقاح جنبًا إلى جنب مع شركة بيوإي وغيرها من الشركات المنتجة للقاحات في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، ما يُسهم في إبقاء التكلفة منخفضة.

وبما أنَّ مئات الملايين من الأشخاص قد تلقوا بالفعل لقاح الالتهاب الكبدي الوبائي ب المأشوب على مدار عدة أجيال، فمن المتوقع أن يقبل الناس بسهولة تلقي لقاح كوربيفاكس وما شابهه من لقاحات كوفيد-19 البروتينية المأشوبة ومن ضمنها لقاحات الأطفال، وتجري حاليًّا التجارب السريرية للقاح على الأطفال في الهند. ولربما يكون الآباء أكثر استعدادًا لقبول لقاح كوربيفاكس من اللقاحات المصنعة بتقنياتٍ أحدث، فإن وُجِد لقاحٌ لمرض كوفيد-19 قادرٌ على إنهاء تردد البعض في أخذ اللقاحات ورفضهم لها، فقد يكون لقاح كوربيفاكس.

لقد أصبحنا أخيرًا على مشارف بدايةٍ جديدةٍ وسبقٍ جديد لتطعيم العالم، ومن اللافت أنَّ مركز تطوير اللقاحات بمستشفى تكساس للأطفال حقق هذا الإنجاز دون أي دعمٍ يُذكر، سواءٌ من الحكومة الفيدرالية الأمريكية أو من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بل اعتمد عوضًا عن ذلك وعلى نحوٍ شبه حصري على التبرعات الخيرية الخاصة من تكساس ونيويورك وأماكن أخرى.

فهل كان واردًا أن يكون العالم بأكمله قد حصل على اللقاح الآن لو تلقى مطورو اللقاح ولو قدرًٍا يسيرًا من الدعم المقدم لشركات التكنولوجيا الحيوية أو الشركات متعددة الجنسيات التي تُنتج لقاحاتٍ باستخدام تقنيات جديدة؟ ربما كان باستطاعتهم منع ظهور مُتحوِّر أوميكرون، فمن المحتمل أن المُتحوِّرين (ألفا ودلتا) ظهرا من أشخاصٍ لم يتلقوا اللقاح. ولذا، صرح مطورو اللقاح بأنهم مستمرون في طلب المساعدة من الحكومة الفيدرالية الأمريكية ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، للمشاركة في تطوير لقاحهم البروتيني المأشوب، مع شركائهم الجدد في الدول الأخرى منخفضة الموارد، وهذا يشمل تمكينهم من الانضمام الآمن إلى مرافق كوفاكس لمشاركة اللقاحات؛ من أجل توزيع اللقاح في مختلف أنحاء العالم.

صرح مطورو اللقاح بأنهم يأملون أن يعقدوا شراكةً خلال العام المُقبل مع منظمة الصحة العالمية وغيرها من هيئات الأمم المتحدة، لتطعيم العالم كله أخيرًا. وبفضل لقاحهم البروتيني المأشوب الذي يمتاز بالأمان وقوة الفاعلية وسهولة التخزين والتوزيع رغم قلة تكلفته، فإنهم يرون أنهم قد يتمكنون أخيرًا من تحقيق العدالة في توزيع اللقاحات، ووضع حدٍّ للتردد في تلقي اللقاحات ورفضها على مستوى العالم، ولا شك أنَّ هذا يُعد خطوةً تاليةً حاسمة، يتعين اتخاذها من أجل إنهاء جائحة كوفيد-19 بالتطعيم.

اقرأ أيضًا:

كيف يمكن العلماء تحديث لقاح كورونا لمواجهة المتحور أوميكرون؟

كيف طورنا لقاحات كوفيد-19 بهذه السرعة دون المساس بأمانها؟

ترجمة: أسعد الأسعد

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر