ولد هنري كيسنجر في ألمانيا عام 1923. فر من النظام النازي ليصبح سياسيًّا أمريكيًّا فذًّا ومثيرًا للجدل. ذاع صيته للمرة الأولى عندما أصبح بروفيسورًا في جامعة هارفارد، ثم مستشارًا للرئيس كينيدي ثم لاحقًا نيكسون. عمل مستشارًا أمنيًا (1969-1975) ووزيرًا للخارجية (1973-1979) في عهد نيكسون ثم فورد، وفاوض الاتحاد السوفيتي بخصوص معاهدة الحد من الأسلحة، وحصل على جائزة نوبل لإنهائه التدخل العسكري الأمريكي في فيتنام. بعد تركه منصب الوزير، ترأس لجنة المفاوضة الوطنية بين الحزبين في أمريكا الوسطى، وعمل في المجلس الاستشاري للاستخبارات الخارجية.

ارتقى هنري كيسنجر من لاجئ يهودي هارب من الحكم النازي إلى بروفيسور في جامعة هارفرد، وأصبح الدبلوماسي الأشهر والأكثر إثارة للجدل منذ الحرب العالمية الثانية، خاصةً في فترة حكم نيكسون ثم فورد. غيَّر كيسنجر شكل السلطة في البيت الأبيض، وقلل من أهمية وزير الخارجية وليام روجرز والاستخبارات الخارجية، بفضل مفاوضاته السرية الشخصية في فيتنام الشمالية والاتحاد السوفيتي والصين. فاوض لإنهاء التدخل الأمريكي المباشر في حرب فيتنام بواسطة الاتفاقية الفرنسية عام 1973، وأسس حقبةً قصيرة الأمد من السلام مع الاتحاد السوفيتي، وشق سبل الوفاق والتعاون مع الصين. وتنقل بين عواصم إسرائيل ومصر وسوريا بعد حرب الشرق الأوسط عام 1973.

كان رجلًا اجتماعيًا لكنه مراوغ، سعى هنري كيسنجر إلى القوة والشهرة الإعلامية وتقرب من كبار المسؤولين والصحفيين المؤثرين. حقق فترةً من الزمن شعبيةً لم يحققها أحد من الدبلوماسيين اللاحقين. صُنف الرجل الأكثر شعبية في أمريكا حسب استفتاء غالوب عامي 1972 و1973. حصل هنري كيسنجر على جائرة نوبل للسلام عام 1973 بفضل مفاوضاته التي أدت إلى إتفاقية باريس للسلام، التي أنهت العمليات العسكرية الأمريكية في فيتنام. أطلق الصحفيون عليه لقب «العبقري» و«الأذكى» في الساحة بعد رحلته السرية إلى بكين في يوليو 1971، التي مهدت الطريق لزيارة الرئيس نيكسون إلى الصين في فبراير 1972. سماه السياسيون المصريون «الساحر» لدوره في اتفاقيات فض الاشتباك التي أدت إلى إنهاء الحرب في الشرق الأوسط عام 1973.

تلوثت سمعة كيسنجر عام 1973 بسبب فضيحة ووترغيت. إذ اكتشف محققو الكونغرس تورطه في إصدار الأوامر لعناصر مكتب التحقيق الفيدرالي بالتنصت على هواتف المرؤوسين من موظفي جهاز الأمن القومي، وهي تهمة أنكرها سابقًا. توصل الكونغرس أيضًا إلى ضلوع كيسنجر في محاولة منع وصول رئيس تشيلي سلفادور أليندي إلى السلطة عام 1970، وعمله على زعزعة استقرار حكومة أليندي الاشتراكية لاحقًا.

تراجعت إنجازات كيسنجر في مجال السياسية الخارجية عامي 1975 و1976. إذ قضى انتصار الشيوعيين في فيتنام وكمبوديا على اتفاقية باريس للسلام، ولم تتحقق حقبة السلام مع الاتحاد السوفيتي كما كان يأمل. بحلول عام 1976، لم تكن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي قد حققتا ما هو أبعد من الاتفاق المؤقت للحد من الأسلحة الاستراتيجية، الموقع منذ عام 1972، لتنبثق محادثات شاملة للحد من الأسلحة الاستراتيجية.

تحول كيسنجر إلى عائق أمام الرئيس فورد خلال الانتخابات الرئاسية عام 1976. إذ هاجم كل من رونالد ريغان –منافس فورد في الترشح عن الحزب الجمهوري- والمرشح الديمقراطي جيمي كارتر سياسة كيسنجر للسلام مع الاتحاد السوفيتي، وذلك لتجاهله اعتداء السوفيت على حقوق الإنسان، ولتفوق موسكو في العلاقات الدولية. انتقد ريغان برنامج كيسنجر إذ وصفه بأنه يقدّم «سلام القبر»، واتهمه كارتر بانتهاج «دبلوماسية البطل الأوحد» بعزله الكونغرس والمتخصصين عن مسائل السياسة الخارجية.

جلب ميله إلى الإيماءات الدبلوماسية الدرامية له الشهرة، ما شجع الدبلوماسيين في إدارات الرؤساء كارتر وريغان وبوش على محاولة محاكاة ما أنجزه كيسنجر. إجمالًا، أخفق كيسنجر في «بناء السلام» كما وصفه ووعد بتحقيقه، وبحلول عام 1977 فقد سيطرته على السياسة الخارجية لأمريكا، لكن لم يحقق أي ممن خلفوه في منصبه السيطرة على سياسات بلاده الخارجية كما فعل بين عامي 1969 و1974.

اقرأ أيضًا:

أساسيات تطوير الأعمال

جاليليو و الثورة العلمية

المترجم: حاتم عبد الكريم

تدقيق: هاجر التُّهامي

المصدر