لطالما كان السفر إلى الماضي هو اللغز الأكبر، ولقد تكلمنا في مقالٍ سابق عن ماهية السفر إلى الماضي، فالماضي ثابت لا يتغير والزمن هو سهم ثابت يسير في اتجاهٍ واحد إلى الأمام بتعريف نيوتن، وهو نهر يجري للأمام -يتباطئ أحياناً ويتسارع أحياناً أخرى- طبقاً لتعريف آينشتاين.

ولقد عرَّفنا السفر إلى الماضي بأنه السفر بسرعة تزيد على سرعة الضوء وبالتالي نسبق الضوء الصادر عن انعكاس صورة حدث ما فنستطيع رؤية ذلك الحدث بعد وقوعه كشريط سينيمائي، أي أننا سنرى الحدث فقط دون تغيير ودون إمكانية إحداث تغيير به لأننا سنرى صورة الحدث فقط وليس الحدث ذاته الذي تم وانتهى، ولكن لرؤية أحداث منذ سنوات على سبيل المثال سنحتاج إلى السفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء أضعافاً كثيرة، لكن السفر حتى بسرعة الضوء هو أمرٌ مستحيل طبقاً للنظرية النسبية الخاصة لآينشتاين فلا يوجد جسم يمكنه السفر بسرعة تزيد على أو تساوي سرعة الضوء، ومن هنا يأتي الحديث عن الثقوب الدودية – wormholes.

في عام 1935 استخدم العالمان ألبرت آينشتاين وناثان روزن – Albert Einstein & Nathan Rosen النظرية النسبية العامة لافتراض وجود ممرات أو مسارات خلال الزمكان space-time يمكنها اختصار المسافة والزمن المطلوبين للسفر من نقطة إلى أخرى في الفضاء وأطلقوا عليها الثقوب الدودية.

ولكي نفهم الثقوب الدودية لنتخيل الفضاء كأنه مستوي مسطح مرسوم عليه نقطتين بينهما مسافة أفقية، فإذا قمنا بثني الورقة بحيث تكون النقطتين فوق بعضهما –أي بينهما مسافة رأسية- سيكون لدينا مسارين للوصول من أي نقطة للأخرى، المسار الأول هو المسار الأطول وهو السير أفقياً من نقطة إلى أخرى عبر انحناء الورقة -أي على الورقة نفسها- في مسار منحني.
والمسار الثاني هو السير رأسياً من نقطة إلى أخرى في الفراغ الواقع بين طرفي الورقة مستخدمين طريقاً مستقيماً مختصراً كما في الصورة المرفقة مع المقال فالمسار Y هو المسار التقليدي الطويل، أما المسار X فهو المسار المختصر وهذا هو بالضبط الثقب الدودي.

لنفترض أن شعاع الضوء المنعكس من حدثٍ ما في الماضي قد سار لمدة دقيقة واحدة أي قطع مسافة قدرها 18 مليون كم حتى وصل إلى نقطةٍ ما في الفضاء، لكي نرى ذلك الحدث مرة أخرى يجب أن نصل لنفس النقطة في زمن أقل من دقيقة واحدة، وبالطبع سنحتاج لسرعة تزيد على سرعة الضوء وهو أمر مستحيل فيزيائياً، لكن إذا أمكننا استخدام ثقب دودي سنقطع تلك المسافة البالغة 18 مليون كم في زمن أقل، ليس لأننا سافرنا بسرعة تزيد على سرعة الضوء لكن لأننا استخدمنا طريقاً مختصراً أي مسافة أقل، وبالتالي سنسبق صورة الحدث وسنستطيع رؤيته بعد أن انتهى أي بعد أن أصبح ماضياً.

ولكن هل الثقوب الدودية موجودة بالفعل؟ .. هل هي مستقرة فيزيائياً و هل يمكننا استخدامها؟

الثقوب الدودية هي عبارة عن فوهتين يربط بينها مسار وهذا المسار هو الثقب الدودي أو المسار المختصر بين نقطتين في الفضاء، وبعض الافتراضات العلمية تقول أن الفوهتين هما عبارة عن ثقوب سوداء – Black holes.

ولكن الثقوب الدودية طبقاً للتوقعات العلمية الحالية تتواجد فقط على مستوى صغير جداً وهو 1033 سم فقط، ولكن لأنه من المعروف أن الكون يتمدد باستمرار منذ نشأته فقد تكون تلك الثقوب الدودية تمددت أيضاً لمساحات أكبر.

وعن الاستقرار البنائي أو الفيزيائي للثقوب الدودية فإن ثقوب آينشتين-روزن الدودية لا تصلح للاستخدام كمسار عبر الفضاء لأنها تنهار سريعاً، لكن بعض الأبحاث العلمية الحديثة توصلت إلى امكانية استقرار تلك الثقوب الدودية وإبقائها مفتوحة كمسار لمدة زمنية أطول إذا كانت تحتوي على المادة المجهولة – Exotic Matter .

المادة المجهولة هي مادة لم تُكتشف بشكل عملي، ونظرياً هي مادة ذات كتلة وضغط سالبين، مادة بتلك الخصائص ستجعل الجسم الذي يحتويها يسير في اتجاه عكس اتجاه القوى المؤثرة عليه وإذا كان ذلك الجسم يحمل شحنات موجبة مثلاً فهو سيتنافر مع الشحنات السالبة وليس العكس طبقاً للقاعدة المعروفة بأن الشحنات المختلفة تتجاذب، إنها مادة تكسر القوانين الفيزيائية، وتلك المادة هي الوحيدة القادرة على إبقاء الثقب الدودي مفتوحاً بدلاً من أن ينهار وينكمش داخلياً.

ولكن حتى مع اكتشاف تلك المادة الغريبة وإمكانية أن تُحافظ على الثقب الدودي مفتوحاً كمسار فإن استخدامها لإرسال بشر أو ماكينات هم في الأساس مكونون من مادة عادية -Regular Matter  قد يُعرض ذلك الثقب الدودي للانهيار.


المصدر الأول

المصدر الثاني