لا تستهن بهواة الفزياء, فالهواة المُهتمين بالعلوم، دائمًا ما كانوا مصدرًا هامًا للعديد من المعلومات التي غيرت مسار العلم في بعض الأحيان، ولا يوجد أفضل من الفيزياء كي يهواها الناس، فالطبيب الألماني «ماير»، وصانع البيرة الأنجليزي «جول»، كانا لهما نصيب الأسد في إمداد الفيزياء بالعديد من التجارب، ولعل أبرز هذه التجارب، هي محاولاتهم لإثبات أن الحرارة ما هي إلا شكل من أشكال الطاقة، مما ساهم باكتشاف مبدأ حفظ الطاقة لاحقاً.

عندما تشتد برودة الجو نقوم ببعض الحركات كي نمد جسمنا بالحرارة، مثل حك راحتي اليد بعضهما ببعض، ويُعد هذا مثال لكيفية تحويل الطاقة الميكانيكية الحركية لطاقة حرارية، وبالتالي نحن هنا أمام نسبة تحويل محددة من أحد أشكال الطاقة لشكل أخر، فأن علمنا تحديدًا مقدار الطاقة الميكانيكية، سنستطيع أن نحسب مقدار الطاقة الحرارية التي سيتم توليدها. وهذا ما عمل عليه كل من ماير وجول.

تجربة جول وأهميتها في مبدأ حفظ  الطاقة

أعدّ جول جهازًا معقدًا ليحسب كمية الطاقة الحرارية الناتجة من طاقة ميكانيكية، فأحضر حوض عازل للحرارة به ماء، ووضع به عصا مزودة بأجنحة، وغمر العصا بالماء، وجعل جزء من العصا ظاهر فوق الحوض، وأرفق بتلك العصا ذراع قوة، وربط تلك العصا بحبل يمتد على جانبي الحوض، وكل جانب مُعلق به ثقل.

وبدأ جول بتحريك ذراع القوة، فتحركت العصا لسحب الثقلين ورفعهما عن مستوى الأرض، وبالتالي اكتسب الثقلان طاقة وضع، وفجأة يترك جول ذراع القوة، فيبدأ الثقلان بالسقوط تجاه الأرض، مُحركين العصا في نفس الوقت بشكل دائري، مما يدفع الأجنحة المربوطة بالعصا من الأسفل ومغمورة في الماء بالحركة.

هذه التجربة خير مثال على تحويل الطاقية الميكانيكية الحركية المتمثلة في حركة الأجنحة المغمورة بالماء، إلى طاقة حرارية تتمثل في رفع درجة حرارة الماء، وبمعرفة الحرارة النوعية للماء، استطاع جول أن يحسب كمية الطاقة الحرارية التي اكتسبها الماء، وناتجة من الطاقة الميكانيكية الحركية.

استخلص جول من هذه التجربة استنتاج هام، وهو أن كمية الحرارة الناتجة من الاحتكاك بين الأجسام، سواء كانت صلبة أم غازية، تتناسب طرديًا مع القوة المبذولة أو الطاقة التي يتم التحويل منها، فكلما زادت الطاقة الحركية، زادت الطاقة الحرارية المتولدة منها.

ما فعله جول كان أمرًا عظيماً حقًا، فقد أكسبت هذه التجربة العلم خطوات سريعة للغاية، فالحركة والحرارة ما هما سوى شكلين من أشكال عديدة للطاقة، وكل أنواع الطاقة يمكنها أن تتحول لهذين النوعين، مثل الطاقة الضوئية المتمثلة في ضوء الشمس، تتحول إلى طاقة حرارية فتسبب الإحساس بالدفء.

ويمكن أن تتحول إلى طاقة كهربية عن طريق الخلايا الشمسية، والتيار الكهربي عندما يمر في السلك يصدر طاقة حرارية، والفحم يختزل طاقة كيميائية يمكن تحويلها لطاقة حرارية، وبالتالي كل الأحداث التي تحدث بحياتنا اليومية تتضمن تحول أحد أشكال الطاقة لشكل أخر، ولو أن هناك نظام معزول تمامًا عن كل التأثيرات الخارجية، فإن مجموع الطاقات المتواجدة بهذا النظام تظل ثابتة، مهما تحولت أي منهم إلى صورة أخرى.

ولو أفترضنا أن الكون عبارة عن نظام مادي معزول عن أي تأثيرات الخارجية، فيمكننا القول بأن كل الطاقات بكل الأشكال منذ الانفجار العظيم وحتى الآن تظل بنفس النسبة، ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى.

بالتأكيد عزيزي القارئ ما تبادر لذهنك الآن صحيح «الطاقة لا تَفنى ولا تُستحدث من العدم، ولكنها تتحول من صورة إلى أخرى»، فالكون لم يفقد أي طاقة، ولم يكتسب أي طاقة أضافية.

نحن الآن أمام كون يتكون من مادة وطاقة، وكلُ منهما ينطبق عليه نفس قانون الإنحفاظ، فلا يمكن فناؤهما ولا يُمكن استحداثهما، ولكن المادة يمكن وزنها، فهل أيضًا الطاقة تتمتع بوزن؟ هل ما توصل إليه ماير وجول صحيح؟ أم أن هناك خطأ ما أثبته العلم فيما بعد؟ هذا ما سنتعرف عليه في قادم المواعيد.