الثقوب السوداء هي الأشدّ سوادًا في الكون. وبسبب كتلتها الهائلة فإنّ الجاذبية ستحني الفضاء (الزّمكان)، وسيتمزق أيُّ شيءٍ يسقط داخل هذه الثقوب الى أشلاء ويختفي فورًا.

لم يتمكن العلماء من رؤية الثقوب السوداء لأنّه لا يمكن لشيءٍ الإفلات من جاذبية هذا الوحش حتى الضوء.
حسنًا، لا شيء تقريبًا.

يتعلم الطلبة المبتدئون في ميكانيكا الكمّ أنّه لا يوجد أيُّ حاجزٍ لا يمكن التغلّب عليه في عالم ما دون الذّرة.

فالجسيمات الأوّلية مثل (الفوتونات والإلكترونات) ليست مثل الكرات النطّاطة عندما تُرمى على الجدار لترتد عنه، بل إنّها أشبه بالأشباح الى حد كبير.

تشجع الحواجز هذه الجسيمات الشبحية على البقاء داخل منطقة معينة.

لكنّ الجسيمات في بعض الأحيان تمرّ من خلال الحاجز بشكل سليم.

وتسمى هذه الظاهرة الغريبة بـ (النفق الكمي)، وليست الثقوب السوداء مستثناة من ذلك.

كيف يهرب شعاع هوكينج من الثقوب السوداء

طبقًا لـ «أنديو هاميلتون-Andew Hamilton» عالم الفيزياء الفلكية من جامعة كولورادو، فإنّ أُفق الحدث للثقب الأسود يعتبر عائقًا لا يمكن تجاوزه بالنسبة لكائنات بحجم البشر، بل أيّ شيءٍ أكبر من الذرة لا يمكنه تجاوزه أيضًا، لكن الجسيمات دون الذرية تنجح في المرور من خلاله.

وعليه، فمن المعتقد أنّ جميع الثقوب السوداء تصدر وميضًا خافتًا للغاية يسمّى بـ «إشعاع هوكينغ» تيمّنًا بالعالم ستيفن هوكينغ.

ومن المعلوم أنّه لا توجد في الفيزياء الكلاسيكية أيُّ طريقةٍ تمكّن هذا الإشعاع من الهروب من الثقب الأسود لكنّ هاميلتون يقول: «إنّ الفضاء يسقط أسرع من الضوء داخل أفق الحدث، لذلك لا يمكن لأيّ شيءٍ أن ينبثق من داخله إلّا إذا كانت سرعته أشدّ من سرعة الضوء في الاتجاه الآخر، لكنّ ميكانيكا الكم تقول بأنّه من الممكن شق نفق للخروج».

بالإضافة إلى السماح بالأنفاق الكمومية فإنّ ميكانيكا الكم تسمح للجزيئات بأن تقفز بعشوائية إلى حيز الوجود.

وفي الحقيقة إنّ هذه «التقلبات الكمومية» تحدث دائما فتنشأ أزواج الجسيمات والجسيمات المضادة تلقائيًا من الفضاء وعادةً ما يبيد بعضها البعض.

ولكي تستطيع الجزيئات أن تهرب من الثقوب السوداء فيجب أن تحدث التقلبات الكمومية بالقرب من حافة الثقب، وحينما تحدث فإنّ واحدة من الجزيئات ستشق نفقًا للخروج قبل أن تفنى، بينما سيبتلع الثقب الأسود شريكتها على الفور لتغوص في أعماق هذا الثقب.

ولكي يحدثَ هذا الانفصال المثير يجب أن تكون الجزيئات التي تنتج بواسطة التقلبات الكمومية ذات طولٍ موجيّ طويلٍ جدًّا.

قد يبدو ذلك غريبًا، لكنّ ميكانيكا الكم تخبرنا بأنّ جميع الجزيئات التي أشرنا إليها هي أمواج، وعادةً ما يكون لها طول موجي يصف المسافة بين قممها المتعاقبة.

ويقول هاميلتون: «إنّ إشعاع هوكينغ المذكور آنفًا له خصائص الطول الموجي وهو مماثل لحجم أفق حدث الثقب الأسود».

وبالنسبة للثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا «درب اللبانة» فإنّ الجسيمات التي تنبثق منه لها طول موجي بأضعاف نصف قطر الشمس تصل الى 14 ضعفًا.

أمّا بالنسبة للثقوب السوداء هائلة الكتلة فيجب أن يكون للجزيئات طول موجي يعادل طول مليارات النجوم حتى تتمكن من شق ذلك النفق الكمومي.


  • إعداد: مرتضى قاسم
  • تدقيق: عبد السلام الطائي
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر