في عام 1930 طرح العالم “ولفجانج بولي – Wolfgang Pauli” فرضية وجود جسيم جديد متناهي الصغر لا يمتلك أي شحنات. وافترض أن هذا الجسيم خفيف الوزن جدًا أو ليس له وزن على الإطلاق. وهو نادرًا ما يتفاعل مع أي مادة وهذا الجسيم أطلق عليه العالم “انريكو فيرمي – Enrico Fermi” فيما بعد اسم “نيوترينو – neutrino”.
وبالرغم من تواجد النيوترينو بكثرة، إلا أن التأكد من وجوده استغرق نحو 26 عامًا. في خلال 60 عامًا بعد اكتشاف النيوترينو، كانت المعرفة به تزداد ببطء.
“كيث ريلاج – Keith Reilage” الباحث في مجال النيوترينو بمعمل “لوس ألاموس القومي – Los Alamos national laboratory” يقول: « في كل منعطف، يبدو أنها تأخذ عشرة أو عشرين عامًا من التجارب حتى يبدأ العلماء في الوصول إلى غايتهم في تحقيق الخاصية القادمة من النيوترينو، وما أن يقوموا بالتجربة حتى يزدادوا حيرةً لأن النيوترينو لا يتصرف كما يتوقعوا، لذا فهو جسيم شيق وممتع من البداية».
وقد اكتشفنا أن هناك ثلاثة أنواع من النيوترينو وهم (الإلكترون – Electron)، و (الموان- Muon) ، و (التاو – Tau).

لغز الطاقة المفقودة
عندما كان يفكر العالم “ولفجانج بولي” في حل مشكلة حفظ الطاقة في تفاعل يسمى (إشعاع بيتا -Beta decay ) وهو عبارة عن تحول الذرة من حالة غير مستقرة إلى حالة مستقرة عن طريق تحول (نيوترون -neutron ) إلى (بروتون -proton ) حيث ينبعث إلكترون في هذه الحالة.
إذا تحول نيوترون إلى بروتون أو الكترون فقط، عندها تتكون طاقة محددة بدقة. لكن التجارب أثبتت أن الإلكترون لا يبعث مقدارًا محددًا من الطاقة في كل مرة بل يبعث مقدارًا في نطاق من الطاقة، ولحساب هذا النطاق افترض “بولي” أن هناك جسيم متعادل غير معروف يدخل في عملية إشعاع بيتا.
“جينيفر راف – Jennifer Raaf” الباحثة في مجال النيوترينو في “معمل فيرمي القومي DOE’s Fermi National Accelerator Laboratory” تقول: «إذا كان هناك جسيم آخر يدخل في عملية اشعا بيتا، إذًا فإن جميع الجسيمات الثلاثة يتشاركون الطاقة، لكن ليس دائمًا بنفس الطريقة، فأحيانًا تكون طاقة الإلكترون عالية وأحيانًا أخرى تكون منخفضة».
في بدايات عام 1950 الفيزيائي “فريدريك رين – Frederick Reines” وزميله “كلايد كوان -Clyde Cowan” بدأوا رحلة البحث عن ذلك الجسيم المتناهي الصغر الذي نادراً ما يتداخل في التفاعلات ولا يحمل أي شحنات.
في ذلك الوقت، كان يطلق على النيوترينو لقب الشبح. ذلك الجسيم الذي يتواجد بوفرة في كل مكان حولنا ويمر عبر الأجسام والمواد آخذًا معه بعض الطاقة من إشعاع بيتا، وأطلق العالمان على مشروعه اسم “الروح الشريرة Project Poltergeist” ، وقد بدى الاسم منطقيًا لأنهم كانوا يبحثون عن جسيم موجود لكن لا يستطيعون رصده.
وقد استطاعوا رصد النيوترينو بعد 6 أعوام وبالتحديد في يونيو 1956.
لغزًا آخر في انتظار تجارب النيوترينو
في الستينات ظهر لغزًا آخر يتعلق بالنيوترينو، “راي ديفيز Ray Davis” عالم الكيمياء النووية بمعمل “بروكهافن القومي DOE’s Brookhaven National Laboratory” قام بتصميم تجربة لرصد النيوترينوات الصادرة من التفاعلات داخل الشمس والمعروفة باسم Solar neutrinos وكان الجهاز المستخدم هو مرصد قائم على عنصر الكلور والموضوع علي عمق ميل واحد (1.6 كيلومتر) تحت سطح الأرض مما يعمل كجدار حماية من الأشعة الكونية.
في عام 1968 رصدت تلك التجربة النيوترينو لأول مرة، لكن النتائج كانت محيرة.
عندما قام عالم الفيزياء الفلكية جون باهكال John Bahcall بحساب التدفق المتوقع للنيوتريونوات من الشمس وجده ثلاثة أضعاف القيمة التي تم رصدها من خلال التجربة.
وأطلقوا على تلك المعضلة اسم “معضلة النيوترينوات الشمسية -Solar neutrino problem”.

وضع العلماء فرضية بأن النيوترينو يقوم بحركة تذبذبية أو دورانية أو أنه يتحول من نوع إلى آخر خلال رحلته في الفضاء بينما كانت تجربة ديفيز ترصد فقط النيوترينو الالكتروني، لذا فان كانت النيوترينوات تصل الأرض كخليط من ثلاثة أنواع النيوترينوات فهذا يفسر لماذا رصدت التجربة ثلث القيمة المتوقعة فقط.
في عام 1998 قامت تجربة “كاميوكاند الفائقة – Super-Kamiokande” برصد أول حركات النيوترينو الدورانية، وبعد ذلك في عام 2001 أعلن “مرصد سادبر للنيتوترينوات Sudbury Neutrino Observatory” بكندا عن اكتشاف أول دليل على الحركة الدورانية للنيوترينو تبعه دليل آخر في عام 2002، وأخيرًا بعد أكثر من ثلاثون عامًا أثبت العلماء أن النيوترينو له حركة دورانية وبالتالي تم حل معضلة النيوترينوات الشمسية.
لكن الأهم من تلك المعضلة هو أن اثبات الحركة الدورانية للنيوترينو يخبرنا أنه لابد أن يكون له كتلة كما يقول الباحث”جابريال اوريبي جانن Gabriel Orebi Gann ” في مجال النيوترينو بجامعة “كاليفورنيا بيركلي ومعمل لورنس بيركلي القومي DOE’s Lawrence Berkley National Laboratory” : «إنه اكتشافٌ عظيم لأن النموذج القياسي لم يتوقع أن يكون للنيوترينو كتلة».

إعداد/ بيتر ميلاد Peter Millad
تدقيق/ عمار ياسر
المصدر