التضخم، الفقاعات الاقتصادية والزنبق

عندما نتكلم عن التضخم، يعتقد معظم الناس أن الأسعار ترتفع مع الوقت. لنفترض أنك حصلت على زيادة في راتبك قدرها 2%، ولكن في نفس الوقت الذي تحتفل به بهذه الزيادة، ارتفعت الأسعار بقيمة 5%. إن هذا يعني بأنك لم تحصل على زيادة في الواقع. بعد القيام بالتعديل من أجل التضخم، يتبين أنك في الحقيقة خسرت 3% من قدرتك الشرائية. ما نعنيه بالقدرة الشرائية هو قيمة الأشياء التي يمكن أن تستهلكها. يعني انخفاضها استهلاك أقل، أما ارتفاعها فيعني قدرة على الإستهلاك أكبر.

الشيء الأول الذي نحتاج أن نتعلمه هو كيفية قيام الإقتصاديين بقياس التضخم، أو مستويات الأسعار الكلية في دولة ما. باستخدام هذا المقياس، يمكنهم أن يعدلوا الأسعار من الماضي إلى الدولار الحالي، وإعطائنا قراءة شاملة عن كيفية ارتفاع الأسعار. ثانيا، سنلقي نظرة على التضخم ونتحدث عن ما يقود الدولة حتى تمتلك تضخم وبالمقابل أخرى تمتلك أسعارا منخفضة. أخيرا، سنلقي نظرة على الفقاعات التي عادة ما تحدث نتيجة ارتفاع سعر نوع واحد من البضائع نتيجة أوهام جماعية وضخامة غير منطقية.

نعلم كلنا بأن الأسعار تميل إلى أن ترتفع مع الوقت. لذا حتى نقوم بمقارنة الأسعار عبر الزمن يجب تعديلها بالنسبة إلى التضخم. ولكن كيف نقوم بذلك؟ حيث نعلم بأن أسعار بعض الأشياء ترتفع بسرعة كبيرة كتكاليف الرعاية الصحية، ولكن لأشياء اخرى فإنها ترتفع ببطء كالطعام والسيارات. ولكن من ناحية أخرى، أسعار الإلكترونيات تنخفض.

حتى يتم التعديل من أجل التضخم، يختار الإقتصادي قائمة بالبضائع التي ما قد يشتريها مستهلك عادي خلال سنة. لنقل 12 شهرا من الأجار، 300 غالون من الوقود، 50 رغيف خبز، 12 بيزا، و 7 بطاقات سينما. تدعى هذه القائمة بسلة المستهلك. يقوم بجمع سعر السلة لهذه السنة، ثم نفس الشيء للسنة الماضية والسنة التي تليها، حيث سيمتلك في النهاية قائمة طويلة لأسعار هذه السلة خلال السنين. ثم يختار سنة مبدئية أو سنة قاعدية. يمكن أن تكون أي سنة يرغب بها. ثم يقوم بتقسيم سعر السلة في كل سنة على سعر السلة في السنة القاعدية ثم يضرب النسبة ب 100. تعطي هذه العملية ما يسمى بمؤشر أسعار المستهلك أوCPI.
يظهر ال CPI كيف تختلف الأسعار بين السنين المختلفة. حتى الآن، يعتبر من أشهر الطرق المستخدمة لقياس التضخم. حيث يمكننا من اعتبار الإيرادات المختلفة بالنسبة لأسعار السنة القاعدية نفسها للقيام بالمقارنة.

ولكن علينا أن نعترف بأن ال CPI التقليدي لا يعتبر مقياسًا مثاليًا، لأنه علينا أن نبقي السلة ثابتة مع الوقت. CPI التقليدي لا يأخد بعين الاعتبار لا البضائع الجيدة ولا الزيادات في جودة المنتجات. الجدير بالملاحظة انه لمن الممكن للاقتصاديين استخدام عوامل محددة لاحتساب التقدم التكنولوجي عبر الزمن، ولكن هذه العملية صعبة جدا. يمكن استخدام CPI من ناحية أخرى لحساب معدل التضخم ، وحساب سرعة ازدياد الأسعار.

ولكن لماذا يحدث التضخم ؟

بشكل عام هنالك سببين رأسيين:

الأول يتمثل في تنافس المستهلكين على منتج معين وذلك لقلة توافره مما يدفعهم إل المزايدة على سعره مما يؤدي إلى ارتفاع هذا السعر أي حدوث تضخم. بمعنى آخر: الكثير من النقود، القليل من البضائع. يدعى هذا الحدث بالتضخم الناشئ عن زيادة الطلب.

السبب الثاني يتمثل في حدوث انخفاض بتوافر عامل إنتاجي مهم مثل النفط. يؤدي النقص في المعروض من النفط إلى ارتفاع سعر البنزين، الذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع سعر توصيل مواد مثل الطحين، الجبنة، أو الزيتون. يؤدي هذا بالنتيجة إلى ارتفاع سعر صنع البيتزا، مما يخفص كمية البيتزا التي يمكن إنتاجها. تدعى هذه الحادثة بالتضخم الناشئ عن ارتفاع التكلفة.

ولكن الأسعار ترتفع بشكل عام من دون التسبب بالتضخم في كل الأحيان. لنأخذ على سبيل المثال أسعار الشوكولاتة. إنها ترتفع مع الزمن، وقد يوهمك هذا بحدوث تضخم. ولكن في الحقيقة افتراضك خاطئ. في حال الشوكولاتة، السبب وراء ارتفاع سعرها هو قصة واضحة للطلب والعرض. مع تطور بلدان مثل الصين وغيرها، المزيد من سكانها يقومون باستهلاك مواد مثل الشوكولاتة. إن هذا يؤدي إلى ازدياد الطلب على حبوب الكاكاو المستخدمة في صناعة الشوكولا. بنفس الوقت، المرض والجفاف قاموا بحد المحصول وانخفاض العرض. طلب أعلى وعرض أقل يعنيان أسعارا أعلى للشوكولاتة.

الآن، السبب الآخر لارتفاع الأسعار الذي نريد أن نتحدث عنه هو الفقاعات. ولعل المثال الأفضل لشرح هذه الظاهرة هو حادثة التوليب الهولندية خلال ثلاثينيات القرن السابع عشر. حيث أصبحت زهرة التوليب عامل اجتماعي مهم لدى الطبقة الغنية الناشئة من التجار، والذي أدى إلى ارتفاع أسعار هذا النوع من الأزهار. المزيد والمزيد من الناس بدؤوا بالدخول في سوق أزهار التوليب محصلين ثروات خلال زمن قصير. أدى هذا بدوره إلى زيادة عدد الناس الراغبين في دخول السوق يائسين للحصول على زهرة توليب واحدة. في منتصف هذا الجنون، كان الناس مستعدين لمبادلة 12 فدان من الأراضي أو ما يعادل عشر سنين من الراتب الشهري مقابل زهرة توليب واحدة. بالمقابل اليوم سعر التوليب أقل حتى من دولار.

المشكلة في الفقاعات بأنها تعتمد على طلب متزايد للمشترين. حيث يراهن كل شخص بأنه قادر على البيع بسعر أعلى للشخص القادم. ولكن في النهاية، ينتهي عدد المشترين وتنفجر الفقاعة وهذا ما حصل أيضًأ في سوق العقارات الأمريكية وتسبب بالأزمة المالية العالمية.

وصلنا لختام هذه المقالة واقتربنا من ختام السلسلة التي لم يتبق فيها إلا جزء واحد. لقد قمنا بشرح بعض المبادئ الأساسية في الاقتصاد ولكن بالطبع هنالك الكثير والكثير من المتبقي. ولكننا نعتقد بأن ما قدمناه كان كافيا لإثارة بعض الاهتمام بهذه المادة الممتعة التي لن تكون لها نهاية مع ختام هذه السلسة في مبادرتنا.

المصدر