استصلاح القمر مفتاح غزو النظام الشمسي

بالعودة إلى بدايات عصر الفضاء، قام العلماء و المستقبليون باسكتشاف فكرة تحويل عوالم أخرى لتلبية احتياجات الإنسان. ويُعرفُ ذلكَ باستصلاحِ الكواكب، وتقومُ هذه العلميّة على استغلال تقنيات الهندسة البيئية من أجلِ تغيير حرارة، جو، طبوغرافيا أو بيئة كوكب أو قمرٍ مُعيّن (أو القيام بكلّ ما ذُكر معًا) وذلكَ من أجل جعلهِ شبيهًا بالأرض لأقصى حدّ مُمكن. وباعتبارهِ أقرب جُرمٍ سماويّ للأرض، كان القمر دائمًا الهدف المُحتمل.

إنّ استعمار القمر أو/و استصلاحه يبدُو أمرًا أسهل بكثير من استصلاح الأجرام السماويّة الأخرى. ونظرًا لقُربهِ من الأرض، ستستغرقُ عمليّة نقل المُعدّات والأشخاص منهُ وإليهِ وقتًا أقل بشكل كبير، وكذلكَ ستكون كلفة العمليّة. بالإضافة إلى ذلك، يعني قُربهُ من الأرض أنّ المواد المُستخرجة منه و المُصنّعة فيه ستصلُ إلى كوكبنا في وقت قصير للغاية، كمَا أنّ فُرص ازدهارالسياحة نحوهُ ستكون كبيرة.

استيطانُ القمر في الخيال العلمي :

a1
إنّ موضوع إنشاءْ قواعد بشريّة على سطح القمر يُعتبرُ من الأفكارِ الأكثرِ رواجًا في مجال الخيال العلمي. وعلى الرّغمِ من أنّ مُعظم تلك السيناريوهات كان ترى الحياة البشريّة على القمر داخل القبب المُوصدة بإحكام أو عبرَ بناء مُنشئات تحت سطحهِ، بعضُ الأمثلة قامت بتخيّلُ عمليّة تحويل القمر بذاتهِ بشكل كليّ من أجلِ جعل بيئتهِ مُلائمة لحياة الإنسان.
أقدمُ مثال معروف في هذا الصدد، ستكون القصّة القصيرة التي حملت عنوان « رِحلَةُ باريسيّ في القرن الـ21» للكاتب الفرنسيّ اوكتاف بيلار (Octave Béllard). وقد صدرت هذه القصّة سنة 1910، كما تضمّنت خلق غلافٍ جويّ للقمر بشكل تدريجي، مع تطوّرٍ للحياة النباتيّة عليه وذلك من أجل جعلهِ محميّة للأنواع المُهدّدة بالانقراض على الأرض، وكذلكِ ليُصبح وطنًا لللبشر.
في 1936، كتبَت الأمريكيّة كاثرين لوسيل مور (C.L. Moore) رواية «الجنّة المفقُودَة» وكانت من بين سلسلة روايات عالم “نورث-وست سميث”. وتتحدّثُ الرواية عن مُهرّب قائد لسفينة فضائيّة يعيشُ في نظام شمسيّ مُستَعْمَر. وقد صوَّرتِ الكاتبة القمر كمكان سبقَ لهُ وأن كانَ وطنًا خصبًا للبشر ليُصبحَ بعد ذلكَ أرضًا مهجورة و عديمَة الهواء. أمَّا في سنة 1945، فقد قام الروائيّ والأكاديميّ كليف لويس (C.S.Lewis) بإصدار رواية «تلكَ القوّة البَشِعَة» حيثُ نجدُ القمرَ كموطنٍ لسُلالة من عُلماء تحديد نسلٍ مُتطرّفين.

هذا وقد كتبَ آرثر كلارك (Arthur C. Clarke) عدّة روايات وقصص قصيرة تضمّنت استعمارَ القمر في اخمسينيات وسبعينيات القرن الماضي. ففي 1955، أصْدَرَ رواية «ضوءُ الأرضْ» حيثُ وقعت مستوطنة بشريّة على القمر بينَ نيرانِ حربٍ كانت أطرافها الأرض من جهة و تحالفٌ بين المرّيخ والزّهرة من جهة أخرى.
أمَّا إذا تقدّمنا بالسنوات إلى الأمام، فنجدُ عمل كيم ستانلي روبنسون (Kim Stanley Robinson) الصّادرِ في 1988 تحتَ عنوان «المَجَانِينْ»، وهي قصّة تحكي مسيرَة ثورة يقوم بها عُمّال مناجم مُستَعْبَدِين على القمر ضدّ السُلطة. ولا يَسَعُنا ذكرُ كلّ الأمثلة التي تضمّنت قصصًا حول استعمار القمر أو استصلاحهِ لجعلهِ قابلًا لاحتضان الحياة البشريّة، لأنها حقَّا بالمئات، إن لمْ تكُن بالآلاف.

دراسةُ استِصلاح القمر :

a1

خلال العقُود القليلة الماضية، تم تقديم العديد من الإقتراحات حولَ إنشاءْ مُستعمرة على القمر (أو مُستعمرات عديدة). ومُعظمها ظهرت مع انطلاق عصرِ استكشاف الفضاء و برنامج أبولو (Apollo). وفي السنوات الماضية، مع اقتراحات للعودة إلى القمر بحلول 2020 تم تجديد الإهتمام بانشاءِ قاعدة بشريّة دائمة عليه. على كل حال، بعض الإقتراحات العلميّة بهذا الشأن تسبِقُ حتّى القرن الـعشرين.
على سبيل المثال، سنة 1638 قام الأسقف جون ويلكينز (John Wilkins) ــ رجل دين إنجليزي، مُعتنق للمذهب الطبيعي، وعضو في الجمعيّة الملكيّة ـــ بكتابة خطابٍ يتعلّق بعالمٍ جديد و كوكبٍ آخر، حيثُ توقّعَ فيه إنشاءَ مُستعمرة بشريّة على القمر. من جهة أخرى، اقترح عالم الصواريخ والملاحَة الفضائيّة المشهور كونستانتين تسيولكوفسكي (Konstantin Tsiolkovsky) أنّ استيطان القمر سيكون بمثابة الخطوة العملاقة للبشريّة من أجل أن تغدُو فصيلة رائدةً للفضاء.

مع بداية الخمسينات والستّينات من القرن الماضي، بدأت الإقتراحات تتبلوَر مع تحقّق برنامج أبولو، حيثُ قادت الخُطط لإرسال روّاد الفضاء نحوَ القمر بشكل طبيعيّ إلى ظهور فكرة إنشاء قواعدَ دائمة عليه، أو حتّى بناء مستوطنات بشريّة هُناك. في 1954، قام آرثر كلارك باقتراح بناء قواعد قمريّة باستعمال وحدات قابلة للنفخ يتمّ تغطيتها بعد ذلك بغُبارِ القمر من أجل عزلها.
المستوطنة المبدئيّة تقتضي بناءَ هياكلَ تُشبه المباني القبانية ــ مثلَ التي يستعملها شعب الإسكيمو ــ وأعمدة راديو قابلة للنفخ، ويُتبعُ ذلكَ ببناءِ قبّة دائمة. ودعى الاقتراحُ أيضًا لادراجِ نظام تنقية للهواء مبني على مرشّح من الطحالب، مفاعل نووي لتوفير الطاقة، ومدافعَ كهرومغناطيسيّة تُرسلُ البضائعَ والوقُود إلى المركبات الموجودة في الفضاء.

أمّا في سنة 1959 فقد نشرَ جون رينهارت (John S.Rinehart) ــ مُدير مختبر أبحاث التعدين في مدرسة كولورادو للمناجم ــ اقتراحًا عنوانهُ «المعايير الأساسية لبناء القمر» في مجلّة جمعية الكواكب البريطانية. وحينها ظهرَ مفهوم “القاعدة العائمة” والتّي تتكوّن من نصفِ اسطوانة مع أنصافِ قببٍ في النهايتين، مع درعٍ يحمي من النيازك يُوضع فوق القاعدة. وكان هذا الإقتراحُ مبنيًّا على النظريّة المقبولة آنذاك والتي كانت تقضي بوجود مُحيطات من الغُبار القمريّ يصلُ عمقها إلى كيلومترٍ ونصف في بعض الأماكن.
ظهرت العديد من الخُطط كذلك خلال هذه الفترة من أجلِ بناء منشآت عسكرية على القمر. وهذه الخُطط تضمّنت “مشروع الأفق – Project Horizon” سنة 1959 للجيش الأمريكي الذي كان ينوي بناءَ حصن عسكريّ في القمر بحلول سنة 1967. كذلك قامت القوّات الجويّة الأمريكيّة باقتراح “مشروع لونكس – Lunex Project” سنة 1961 والذّي تضمّن بناءَ قاعدة جويّة تحت الأرض على القمر بحلول سنة 1968.
وفي 1962 قام كلّ من جون دينيك (John DeNike) مدير برنامج في البرامج المتقدمّة لوكالة ناسا و ستانلي زان (Stanlet Zahn) المدير التقني لدراسات القواعد القمريّة في قسم الفضاء الخاص بشركة مارتن، بنشرِ اقتراحٍ يحمل عنوان «الاستيطان القمري». ويقضي اقتراحُهما على بناء قاعدة تحت سطح القمر في مكان يُدعى ” بحر الهدوء”، وهذا يعتمدُ أيضًا على إدراج مفاعل نوويّ من أجل توفير الطّاقة و نظام تنقية الهواء مبني على مرشّح مكوّن من الطحالب كذلك.’

أمَّا في السنوات القليلة الماضية، قامت عدّة وكالات فضائيّة بصياغةِ اقتراحات لبناء مُستعمرات على القمر. في 2006، أعلنت اليابان عن خُطتها لبناء قاعدة قمريّة بحلول عام 2030. أمّا روسيا هيَ الأخرى قد طرحت اقتراحًا بعدها بعامٍ واحد، من أجل بناء قاعدة هُناك في أفق 2027-2032. وفي نفس السنة أيضًا، اقترحَ جيم بورك (Jim Burke) من الجامعة الدوليّة للفضاء بفرنسا بناءَ النُسخَةِ القمريّة لسفينة نوح من أجلِ ضمان نجاةِ الجنس البشريّ من حدث كارثيّ قد يُصيب الأرض.
في أغسطس من سنة 2014، اجتمعَ ممثّلُون عن ناسا مع قادةِ صناعيّين من أجل إيجادِ الطرق الأقلّ تكلفة لبناء قاعدة على سطح القمر في المنطقة القُطبيّة بحلول سنة 2022. في سنة 2015، قالت ناسا أنها ستعتمد على عُمّالٍ آليين من أجل العملِ في القواعد القمريّة، ويتم الإشارة إليهم باسم المتحولّون (Transformers). أمّا في السنة الحاليّة 2016، فقد قام جوهان فورنر (Johann-Dietrich Wörner) القائد الجديد للوكالة الفضائيّة الأوروبيّة باقتراحِ إنشاء قرية دولية على القمر لتكون خليفةً للمحطة الفضائيّة الدوليّة.

الطُرق المحتمل استعمالها :

a1
عندَ الحديث عن استصلاح القمر، فستكون الاحتمالات و التحديّات أقربَ لتلكَ التي قد نجدُها مع كوكب عُطارد. كبداية، يملكُ القمر غلافًا جويًّا رقيقًا للغاية يُمكن الإشارة إليه بمُصطلح الإكزوسفير (وهي الطبقة الخارجيّة من الغلاف الجويّ ـ exosphere). ماذا لدينا أيضًا؟ طبعًا، النُقص الحاد في العناصر الضروريّة للحياة، ونتحدث هنا عن الهيدروجين، النيتروجين والكربون على سبيل المثال.
بإمكاننا حلّ هذه المشاكل بالقبض على مذنّباتٍ تحمل مياهً مُتجمّدة و العناصر الضروريّة للحياة والقائِها فيما بعدُ على سطح القمر. تلك المُذنّبات ستتَسامَى (وهو تحوّل المادة من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية دون المرور بالحالة السائلة)، ناثرةً كلّ تلكَ الغازات و بُخارَ الماء من أجل خلقِ غلاف جويّ. تلكَ التصادُمات قد تحرّرُ كذلك المياه الحبيسةَ تحت طبقة التُربة القمريّة (Regolith)، والتي قد تتجمّعُ في النهاية على السطح مكوّنةً تجمّعاتُ مياه طبيعيّة.
بالإضافةِ إلى ذلك، تغيّراتُ الزخم الناتجة عن تلكِ المذنبات قد تجعلُ القمرُ يدُور بسرعةٍ أكبر، زيادة سُرعة دورانه سيحرّرُه من كونهِ حبيس قوى المد والجزر. القمر الذي هو سريعٌ كفاية لإكمال دورةٍ حول محوره كلّ 24 ساعة ستكونُ لهُ دورة يوميّة ثابتة، وهذا ما سيجعُل استيطان القمر وجعلهِ أكثرَ قابليّة للحياة أمرًا أسهل.
كما أننا نملكُ إمكانيّة القيام بعمليات “شبه استصلاحيّة” لبعض المناطق على القمر بطريقة أشبهَ بتلك التي سيكون بإمكاننا من خلالهَا استصلاحُ المنطقة القُطبيّة لكوكب عُطارد. في حالة القمر، سيكونُ مسرحَ ذلك منطقة تُسمّى شاكلتون كريتر (Shackleton Crater) في قُطبهِ الجنوبي. أينَ وجدُ العلماء بالفعل أدلّة على وجود جليد مائيّ، وباستعمالِ مرايَا شمسيّة و قُبة، بإمكاننا تحويلُ تلك المنطقة إلى مكان يتمتّعُ بمناخٍ محليّ، أينَ تزدهرُ النباتات و يُخلق هواءٌ قابل للتنفس.

المزايا المُحتملة :

a1
مُقارنةً بكواكب وأقمارَ أخرى في النظام الشمسيّ، هُناك العديد من المزايا التي تدفعُنا نحو استصلاح و استيطان القمر. أوضحُها دون شك هوَ قربه إلى الأرض. مُقارنةً بالمرّيخ، الزهرة وعُطارد، أو باقي أجزاءْ النظام الشمسيّ، كُلفة وزمن نقل الأشخاصُ والمواد من و إلى القمر سيكونان أقلّ بنسبة مُعتبرة.
بالإضافة إلى ذلك، قصفُ سطح القمر بالمذّنبات سيجعلُ كلّ من الغلاف الجوّي و الزخم في الحدود المعقولة لجعلِ دورة الكوكب أقرب إلى أبعدِ حدّ ممكن من دورة الأرض. ومُقارنةً بكواكبَ مثل المرّيخ والزّهرة، سيتطلّبُ ذلكَ عددًا أقل من المذّنبات من أجل إتمام المُهمة، ويُقدّر العدد اللازم بـ100 مذنّب، مُقارنةً بآلاف المذنّبات بالنسبة للكواكب الأخرى.
وُجود الجليد المائي في التربة القمريّة، بالإضافة للمخابىءِ الواسعَة الموجودة في منطقة القطب الجنوبي، كذلك ستسمحُ بخلق مياه سطحيّة (عندَ بداية تأثير الإحتباس الحراري). ومعَ قصف السطح بالمذنّبات، يُمكن إتمام ذلك بإضافة غاز الميثان و جليد الأمونيا، وهي المواد التي يُمكن الحصول عليها من أقمارٍ أخرى مثل “تيتان” أو من ” حزام كويبر”. مُراقبة أعمال الاستصلاح ستكون أسهلَ بكثير نظرًا لموقع القمر القريب من الأرض، وسيتطلّبُ ذلكَ منشآت أقل.
في نفس الوقت، المستوطنات على القمر ستمنحُ لنا عدة مزايا. قواعد استخلاص المواد المحليّة ستمنحُ فرص لاستخدامها في نفس الموقع، وكذلكَ من أجل استخلاص المواد الخام الضروريّة من أجل مهام استكشاف الفضاء البعيد. وعلى سبيل المثال، بما أنّ القمر شبيهٌ بالأرض في تكوينه، فهوَ يملكُ في باطنهِ معادن بوفرة كبيرة التي سيكون بإمكاننا استراجُها من أجل استعمالها على الأرض. التُراب القمريّ الذي سيُختخلص من السّطح بالإمكان استعماله لصناعة أدرعٍ حامية من الإشعاعات و قواعدَ مُقبّبة على السطح.
احتياطات القمر لجليدِ الماء من جهة أخرى، والتي تتمركزُ بشكل خاص في منطقة القطب الجنوبي، ستكون بمثابة منبعٍ ثابت للمياه بالنسبة للمستوطنين. كمَا أنّ استخراج عنصر الـهيليوم-3 سيكون أمرًا سهلًا، لأنّه يتواجدُ في الطبقة العليا من التُربة القمريّة، وذلكَ سيكون من أجل استعماله في مفاعلات الاندماج لخلقِ مصدرٍ ثابتٍ ونقيّ للطاقة لكلّ من المستوطنات القمريّة و الأرض.

القاعدة القمريّة ستكون كذلك بمثابة محطّة توقف للمُهمات التي تقصِدُ المناطق البعيدة في النظام الشمسيّ. وقد قالت ناسا أنّه وببناء موقع استيطاني على القمر قادرٍ على انتاج وقود الهيدروجين باستعمال المياهِ المحليّة بإمكانهِ توفير مليارات الدولارات. وسيكون ذلكَ الموقع بمثابةِ منشأة قاعديّة لابدّ منها عندَ الحديث عن المُهمّات المحتملة نحو المرّيخ وكذلك عندَ إنشاء قواعد بشريّة على الكوكب الأحمر.
أمَّا أمرُ جاذبيّة و سرعة الإفلاتْ الضعيفتين على القمر مُقارنةً بالأرض، فيعني تقليصَ استعمال الوقود في المهمات نحوَ الفضاء التي تنطلقُ من القمر. هذه الميزة ستسمحُ ببناء المنجنيق الكهرومغناطيسي، المصعد القمري، أو أشيَاءَ أخرى يُعتبر أمرُ بنائها مُكلفًا للغاية أو صعبًا على الأرض. هذه الهياكِل ستسمحُ بتقليص تكلفة نقل المواد و الأقمارِ الصناعيّة (مثل ألواح الطاقة الشمسية الفضائية).

أخيرًا وليسَ آخرًا، بناءُ مستوطنة على القمر قد يمنحُنا معلومة ثمينةً للغاية، بشكل خاص حول آثار العيش في بيئة تتميّزُ بجاذبيّة أقلّ من الأرض. هذه المعلُومة قد تكون مُفيدةً للغاية بالنسبة لمشاريعِ بناء قواعدَ دائمة على المرّيخ أو كواكبَ المجموعة الشمسيّة الأخرى، أينَ تكون الجاذبيّة أقل من 1g.
كما أنَّ وجود أنابيب الحمم البركانية التي هيَ واسعةٌ كفاية من أجلِ احتضانِ مُدنٍ بأكملها يُعتبرُ ميزة جيّدة أيضًا. بإمكاننا ضغطُ تلك البيئات التحت-أرضيّة من أجلِ خلق هواءٍ قابلٍ للتنفس، كمّا أنه ستكون بمثابة أدرعٍ طبيعية ضد الأشعة الشمسيّة.

التحديّات المُحتملة :

إنَّ عمليّة استصلاح القمر لهَا حصّة مُعتبرة أيضًا من التحديّات المُتوقعة. فبدايةً، التقاطُ المذنبات و جمعُ الجليد من النظام الشمسيّ الخارجيّ يتطلّبُ بناءَ منشآتٍ لا وجُودَ لها في الوقت الحاليّ، وسيكون أمرُ بنائها مُكلفًا للغاية. مبدئيًّا، يجبُ توفير المئات من المركبات الفضائيّة من أجل جمعِ ونقل كلّ الموارد المطلوبة، كما يتطلّبُ ذلكَ إدراجَ أنظمة سياقة بإمكانها القيام بالرحلات في أقصرِ وقتٍ مُمكن (وهذا أيضًا لا وجود لهُ حاليًا).
في حين، نعلمُ أن قضاء وقت طويل في بيئات تتميزُ بجاذبيّة صُغرى يسبّبُ ضمور العضلات وفقدان كثافة العظام، ونجهلُ حاليًا آثارَ الجاذبيّة الضعيفة على المقيمينَ الدّائمين و الأطفال المولودين في بيئاتٍ مُشابهة. وتمّ اقتراحُ أنّ النباتات والحيوانات الأرضيّة بإمكانها العيشُ في البيئة القمريّة إذا ما تمَّ التعديلُ عليها وراثيًّا، لكننا لا نعلمُ ما إذا سيكون ذلكَ ناجحًا بالفعل.
ودون شك، تكلفة كل ذلك ستكون فلكيّة، وسيتطلّبُ ذلكَ التزامًا مُتعدّدِ الأجيال نظرًا إلى الوقت الطويل التي ستتطلبهُ عمليّة تحويل القمر بيئيًا. كما أنّ أمرَ التزامْ الأجيال القادمة بقراراتِ تتخذها حكُومة معيّنة أو هيئة دوليّة يبقَى أمرًا مُستبعدًا.
بالنسبة لمُستوطنة على سطحِ القمر، هناك العديد من التحديّات. اللّيالي القمريّة الطويلة (والتي تصلُ إلى 354 ساعة) تعنِي أنّ الإعتماد على الطاقة الشمسيّة سيكونُ صعبًا على كلّ المناطق ما عدى القُطبين. بالإضافة إلى التقلباتِ الكبيرة للحرارة على القمر، نجدُ كذلكَ الإشعاعات الشمسيّة التي ستكون خطرًا على أي قاعدة تُبنى على السّطح.

الغيابُ شبه التّام للغلاف الجويّ يزيدُ من فُرصِ التعرّضِ لضربات المُذنبّات و التوهجات الشمسية. كما أنّ القمرُ يمرّ على المجال المغناطيسي الأرضيّ بشكل دوري كذلك، مما يخلِقُ طبقة من البلازمَا، والتي تجلدُ سطحَ القمر بدورهَا. على الجهة المُضيئَة، قصف عنيف من الإلكترونات يُسبّبُ إصدارَ فوتونات الأشعة فوق البنفسجية، وإطلاقَ شُحنةٍ كهربائيّة سلبيّة على الجهة المُظلمة منه. كلّ هذا سيكون خطيرًا دون شك على أيّ قاعدة ستُبنى على سطح القمر.
وكما سبِقَ وذكرنا، يُمكن حلّ هذه المشاكل ببناءِ قواعد تحتَ السطح. على كلّ حال، لنفترضْ اعتمادَ هذه القواعد على الطاقة الشمسيّة، يجبُ بناء هذه الهياكل بالقربِ من المناطق القُطبيّة من أجل اغتنامِ ميزةِ القُربِ شبه الدّائم للضوء في تلك المناطق. أمّا الخطة البديلة ستكون ببناء مُفاعلات اندماج تستعمل مواردَ محليّة تتمثل أساسًا في الهيليوم-3. وحتّى في هذا السيناريو، سيتطلبُ بناء القواعد وقتًا طويلًا ومالًا كثيرًا.

ومرّة أخرى، نحن مجبرون على طرح التساؤل، لماذا؟ مع الأخذ بعينِ الإعتبار كلّ تلك التحديّات المتوقعّة، هل يجبُ علينَا المُضيّ قدمًا في هكذا مشروع؟ في حالة القمر، الجوابُ سهل نسبيًا، ستكون عمليّة الإستصلاح والاستيطان أسهل، أقلّ تكلفة، وستأخذ منّا وقتًا أقصر. ماذا أيضًا؟ مزايا الحصول على تواجدٍ بشريّ على القمر هي كثيرة، تتضمنُ جوانبَ مُربحة اقتصاديًا، مثل استخراج الهيليوم-3، التعدين القمري، وحتَّى إمكانيّة خلقة سياحة قمريّة.
وربّما الأمرُ الأكثر أهميّة بينَ كلّ ذلك، التواجدُ البشريّ على القمر سيسهّلُ عمليّة غزو العوالم الأخرى، مثل المرّيخ، الزهرة، أو أيّ مكانٍ آخر في المجموعة الشمسيّة. نظرًا للتسهيلات التي ستقدمّها القواعد البشريّة على القمر للمُهمات الفضائيّة، كإعادة شحنِ المؤونات، الوقود و إصلاحات المركبات الفضائيّة، وتقليصُ تكلفتها بشكل كبير.
إنّها خطوة أخرى في سعيَ البشريّة لأن تُصبحَ فصيلةً بيكوكبيّة، وربمّا حتىّ فصيلةً بينجميةّ !

المصدر